خرج نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي ليبرر للرأي العام الوطني، ترخيصه لتصوير فيلم " إسرائيلي "، متذرعا بأن الترخيص جاء بناء على طلب أحد شركات الإنتاج المغربية وبأنه مستوفي لجميع الشروط المتضمنة في دفتر التحملات، مستفزا بذلك مشاعر المغاربة ومنتهكا الدعوات القوية القاضية بتجريم التطبيع والمطبعين، وكذلك على بعد أيام قليلة اعتبرت فيه مجموعة من الفعاليات المدنية والسياسية والحقوقية أن التطبيع جريمة، وطالبت بإصدار قانون لتجريم التطبيع، وتلا ذلك مؤتمر تأسيسي للمرصد المغربي ضد التطبيع الذي جوبه بدوره بحصار قانوني حيث رفضت السلطات المغربية الترخيص لهذا المرصد والذي يهدف بالأساس إلى رصد كل حالات ومظاهر التطبيع في المغرب وذلك بعد تلميح رئيس المرصد في ندوة صحفية بفضح أسماء وشركات مطبعة بالمغرب، وهذا يدل على أن مثل هذه المبادرات الحية تشكل خطرا على جهات نافذة ومستفيدة في الوقت نفسه في شتى المجالات السياسية منها والاقتصادية والفنية وغيرها من المجالات، الذي يظل مناهضة التطبيع بالنسبة إليهم خطا أحمر لا يمكن تجاوزه في ظل استفادتهم من التطبيع السري وعوائده. وفي مقابل هذا المنع، كان المشهد السينمائي المغربي على موعد مع عرض فيلم وثائقي يحمل عنوان " تنغير جيروزاليم "، خلال المهرجان السينمائي الدولي بطنجة في نسخته 14، حيث يحاول مخرج الفيلم كمال تصوير أنه تم اجتثاث الأمازيغ اليهود ونفيهم خارج أراضيهم بالمغرب وتهجيرهم إلى " إسرائيل "، بالإضافة إلى لقاء مع مخرج صهيوني ذو أصول مغربية وعزمه على البحث عن اليهود الأمازيغ في " إسرائيل "، في إشارة منه على عزمه التطبيع مع الصهاينة، ليخلص المخرج في آخر الفيلم إلى أنه " في المنفى حيث تكون قناعته، وأنه من خلال لقاءاته باسرائيل فعودة حياة أمازيغية يهودية بالمغرب كما كانت غير ممكنة إلا من خلال إحياء علاقات مع يهود " إسرائيل " من أصل مغربي .. و جماعيا يمكن إعادة إحياء المغرب التعددي maroc pluriel ، فقط من خلال الاخر يمكن معرفة الذات " "، ليحرف بذلك التاريخ المغربي، ويبرر تواجد الصهاينة بالأراضي الفسلطينية المحتلة وشرعنة التقتيل والمجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المضطهد حقيقة، بالإضافة إلى تشويه صورة المغاربة وثقافتها وهويتها الأصيلة، وكلل هذا الفيلم بتتويج رمزي من لدن لجنة تحكيم مهرجان طنجة بجائزة أفضل عمل.
ورغم الدعوات الرامية إلى منع عرض هذا الفيلم في المهرجان من خلال عريضة وقعتها مختلف الهيئات المدنية والسياسية والحقوقية والنقابية بمدينة طنجة بتواز مع وقفات احتجاجية ضمت مختلف الحساسيات والمجالات، رغم ذلك لم تلقى هذه الدعوات آذانا صاغية من طرف اللجنة المحتضنة للمهرجان ذو البعد الدولي، فكان عرض الفيلم بالمهرجان وكان التتويج أيضا ضدا على هذه الإرادة.
ما نلاحظه من خلال هذه المجريات، هو أن المشهد الفني عموما والسينمائي خصوصا قد تعرض لاختراق صهيوني واضح وفي العلن، شارك فيه مجموعة من المطبعين المغاربة في ظل صمت من الجهات المعنية ودون مراعاة لكرامة وكبرياء وشرف الشعب المغربي في الدفاع عن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع عبر عقود بل قرون من الزمن، من خلال العهد المريني صلاح الدين الأيوبي ونصرة أهل المغرب لشعب فلسطين، حينما جعل صلاح الدين حيَا وبابا وقفا للمغاربة إكراما لهم على صلابتهم وقوتهم بعد معركة حطين الكبرى واسترجاع المسجد الأقصى المبارك.
ومع كل هذا وذاك، يثور التساؤل حول من له المصلحة الأولى والأخيرة في هذا الاختراق؟ ولماذا هذا الصمت القاتم من طرف دوائر القرار والقائمين على الشأن الفني بالمغرب؟ ولماذا هذه الدعوات الخجولة إلى إصدار قانون لتجريم التطبيع من طرف بعض البرلمانيين ثم يخفت هذا المطلب بين عشية وضحاها؟ وتارة يعرض فيلم يشجع على التطبيع في ظل عدم حضور وزير الإعلام والاتصال المغربي وربما يكون موقف هذا له رمزيته، لكن ليس له أي بعد سياسي حقيقي وملموس.
وتارة يخرج علينا مدير المركز السينمائي المغربي بالترخيص لتصوير فيلم صهيوني على الأراضي المغربية دون رقيب ولا حسيب ودون أي رد فعل من الجهات المعنية، مما يثير الشك والريبة فيمن يتحكم حقيقة في المشهد السياسي المغربي ومراكز القرار، ولتكن هذه الفكرة محصورة في المجال الفني والسينمائي خصوصا حتى لا يتسع بنا المقام وينتفي المقال.
ومن هي الأطراف المطبعة في المغرب، التي تضع أيديها في أيدي الصهيونية الملطخة بالدماء، وتتحكم في السير العام لهذا القطاع بعيدا عن قيم وهوية الشعب المغربي المناهض للصهيونية والتطبيع والمطبعين، والدعم اللامشروط للمغاربة إزاء القضية الفلسطينية عبر التاريخ؟