تعتبر المقتضات الدستورية القانون الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي تقوم عليها نظام الحكم في الدولة ومن خلاله تحدد السلطات ويرسم لها وظائفها وبه ترسم الحدود والقيود وتقرر الحريات والحقوق وتوضع الخطوط الحمراء. هو بمثابة وثيقة لضمان عدم انحراف السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية عن المبادئ والقيم والقواعد التي يرى الشعب أنها تجسيد للشرعنة ويؤمن أن ما دون ذلك من القواعد القانونية التي تصدر من السلطة التشريعية او التنفيذية يجب أن تنضبط لوثيقة الدستور لا أن تتجاوزها . فإلي أي حد انضبط المشرع لقاعدة سمو الدستور في مشروع قانون الميزانية لسنة 2023 ؟ الإجابة على هذا السؤال لن يشمل في واقع الحال استعراض جميع المواد القانونية التي جاء بها مشروع قانون الميزانية لسنة 2023 وإنما سنكتفي بقراءة مادة فريدة من هذا المشروع ونعرضها على ميزان وتحكيم قاعدة "سمو الدستور". جاء في هذه المادة على انه " تحدث إعانة الدولة لدعم السكن لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي وتحدد بنص تنظيمي أشكال هذه الإعانة وكيفيات منحها. يستفيد مقتنو هذه المساكن من إعانة الدولة لدعم السكن وفق الشروط التالية. 1- أن يكون المقتنى حامل للجنسية المغربية 2- أن يتم إبرام الوعد بالبيع وعقد البيع النهائي لدى موثق هذه المادة في فقرتها الثالثة التي ثم من خلالها إلزام المواطنين بضرورة توثيق عقدي الوعد بالبيع والبيع النهائي لدى موثق دون غيره جاءت مخالفة لأحكام الدستور في الفصل 35 الذي ينص على أن الدولة هي الضامنة لحرية التنافس وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، بحيث كان على المشرع أن يشير في هذه المادة إلى العدول أيضا كجهة توثيقية مختصة بقوة القانون في تحرير العقود الرسمية لفتح باب أوسع لحرية المنافسة وتكافؤ الفرص أمام المتعاقدين لتحديد الجهة التي يرونها مناسبة لتوثيق عقودهم الخاصة بالسكن المدعم من الدولة. وليتماشى ذلك في الوقت نفسه مع مقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه يجب أن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، لأن الجهات التي أوكل لها المشرع توثيق المحررات الرسمية بنص المادة أعلاه لم يقتصر على الموثقين لوحدهم وإنما أوكلها المشرع للعدول أيضا في قانون خطة العدالة 16.03 وبالتالي تكون المادة الثامنة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2023 مادة شاذة إقصائية جاءت مخالفة للمقتضيات الدستورية وللقواعد القانونية المنصوص عليه في مدونة الحقوق العينية. ويمكن أن تؤسس هذه المادة للاحتكار التوثيقي وللممارسات التي من شأنها الإخلال بمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة وهذا مخالف للقانون لان الفصل 35 الذي اشرنا اليه أعلاه والفصل 36 من الدستور يعاقب على هذه الممارسات ويعاقب على كل أساليب الاحتكار . إذن على المشرع سد باب الاحتكار التوثيقي وتدارك الخطأ والنص في صلب المادة المذكورة أعلاه على ضرورة تحرير الوعد بالبيع والبيع النهائي لدى موثق أو لدى عدلين.