أكد الفريق الحركي بمجلس النواب، على أن قضية لوحدة الترابية للبلاد تظل في صلب الانشغال الوطني الجماعي، باعتبارها القضية الوطنية الأولى. وبمناسبة تدخله يوم أمس الخميس 10 نونبر الجاري، في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2023، دعا "ادريس السنتيسي" رئيس الفريق الحركي، إلى ضرورة تنزيل التوجيهات الملكية السامية على أرض الواقع، والتي لا زالت تنتظر التنزيل على الأقل، منذ افتتاح الولاية التشريعية الحالية، على حد تعبيره. وهذا النص الكامل لمداخلة "السنتيسي" كما توصلت الجريدة بنسخة منه: مداخلة السيد ادريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب في المناقشة العامة لمشروع قانون مالية 2023 الخميس 10 نونبر 2022 السيد الرئيس المحترم السيدات والسادة الوزراء الوزيرة المحترمة السيدات والسادة النواب الأفاضل يشرفني أن أتناول الكلمة باسم الفريق الحركي لمناقشة مشروع قانون المالية للسنة المالية 2023، هذا الموعد الدستوري الذي تعاملنا معه بكثير من المسؤولية انطلاقا من موقعنا في المعارضة المواطنة والمسؤولة. السيد الرئيس المحترم في البداية لابد من التأكيد بأنالوحدة الترابية لبلادنا تظل في صلب انشغالنا الوطني الجماعي باعتبارها قضيتنا الوطنية الأولى، ولا يسعنا في الفريق الحركي إلا أن نسجل بتقدير كبير التقدم الحاسم والنجاحات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا في هذا الإطار، من خلال الدعم المتصاعد للعديد من الدول الشقيقة والصديقة على امتداد أرجاء المعمور. كما نثمن مضامين الخطابين الملكيين الساميين بمناسبة 20 غشت وذكرى المسيرة الخضراء، والمقاربة التي زاوجت بين المنظور السياسي والدبلوماسي والتنموي، وبين اعتبار ملف الصحراء بمثابة النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، ويقيس بها صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. في هذا السياق، ووفاء لروح المسيرة الخضراء نتطلع إلى أن تبادر الحكومة إلى العناية بالأوضاع الاجتماعية للمتطوعين في المسيرة الخضراء وذوي الحقوق من أبناء المتوفين منهم. السيد الرئيس المحترم إن الروح الإيجابية التي تحملها خطابات جلالة الملك وخطواته الميمونة الحاملة للمشاريع الاستراتيجية، هي التي تزيد من قوة إيماننا بمستقبل بلدنا، رغم ما يعيشه العالم من أزمات وتقلبات، ورغم ضعف الأداء الحكومي في التسريع بالإصلاحات وإنجاز المشاريع والاستجابة لانتظارات المواطنين. وهنا لابد أن نذكر الحكومة بأن التوجيهات الملكية على الأقل منذ افتتاح هذه الولاية التشريعية لازالت تنتظر تنزيلها على أرض الواقع، ويتعلق الأمر على سبيل المثال لا الحصر بالقضايا الآتية: • إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد. • التنزيل الفعلي للنموذج التنموي. • تحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية المرأة. • إحداث آلية خاصة مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج ودعم مبادراتها ومشاريعها. السيد الرئيس المحترم - إن مشروع قانون المالية يعتبر في الحقيقة موعدا سنويا مهما، ومحطة أساسية لاختبار مدى وفاء الحكومة بتعهداتها الواردة في البرنامج الحكومي، وقبلها الالتزامات الانتخابية للأحزاب الممثلة في الحكومة. - فقانون المالية لا يمكن اختزاله في الأرقام فقط على أهميتها، بل يعتبر هذا القانون فرصة لمعرفة التوجهات، وإرادة الحكومة في حل المشاكل المطروحة وقدرتها على ابتكار الحلول لهذه المشاكل.فتحقيق الكرامة والسعادة للمغاربة لا علاقة له بالمقاربة المحاسباتية. - بالطبع لا يمكننا كمعارضة أن ننكر بعض الإيجابيات المتمثلة أساسا في الاعتمادات التي تم ضخها في بعض القطاعات كالتعليم والصحة، ورفع الاعتمادات المخصصة للاستثمار العمومي، رغم أن نسبة تنفيذه لا تتجاوز 70 في المائة، وبالتالي فنحن كفريق منبثق من حزب بعمق وطني أصيل، لا يمكننا إلا أن نتمنى النجاح لهذه التجربة الحكومية. - لكن نقول بأن هذا المشروع لازال بعيدا عن قواعد القانون التنظيمي للمالية، وعن طموح بناء سياسة عمومية جديدة تربط الأرقام بأهداف اقتصادية واجتماعية محددة في الزمان والمجال، وقابلة للخضوع للرقابة البرلمانية، مشروع يظل رهينا بكرم السماء وتراجع الأسعار في السوق الدولية، وحجم العملة التي يوفرها مغاربة العالم في سياق صعب. السيد الرئيس المحترم السيدات والسادة الوزراء حضرات السيدات والسادة النواب - لقد كان أمل المغاربة معقودا على هذه الحكومة وعلى وعودها وتعهداتها، سواء من خلال البرنامج الحكومي أو من خلال برامج الأحزاب السياسية التي حازت على الأغلبية، لكن مع الأسف خابت هذه الآمال والطموحات. - فالالتزامات العشر التي تضمنها البرنامج الحكومي بقيت مجرد أدبيات للاستهلاك السياسي، فلم يتحقق منها إلا النزر القليل، علما أننا قطعنا قرابة 20% من هذه الولاية الحكومية (أي الخمس). - الحكومة لم تستطع بلورة التزاماتها في مخطط تشريعي، فرغم أن هذا المخطط غير ملزم فإنه مؤشر من مؤشرات حكومة الكفاءات. - لقد سبق للحكومة أن تذرعت سابقا بأن المدة التي تحملت فيها المسؤولية قصيرة، وبالتالي لا يمكن الحكم على أدائها، بحكم دهشة البداية، التي أصبحت مع توالي الشهور والأيام من أعطاب الولادة. - الحكومة تذرعت أيضا بالسياق الدولي واختلال سلاسل الإنتاج والتوريد على المستوى العالمي وارتباك أسواق الطاقة والمواد الأولية والغذائية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا بالإضافة إلى التقلبات المناخية. لكننا لم نلمس ما يبرهن على أن حكومة"الكفاءات" استطاعت أن تستفيد من الفرص والآفاق التي تفتحها هذه التحولات، بل إن الحكومة اجتهدت فقط في توزيع الدعم والثروة، بدل الاجتهاد في إنتاجها، واستهدفت بالدرجة الأولى جيوب المواطنين بدل الرفع من قدرتهم الشرائية. السيد الرئيس المحترم السيدات والسادة الوزراء - لقد كنا نتطلع بأن تكون هذه الحكومة مبدعة حقا في إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستعصية، بل كنا نتمنى أن تكون هذه الحكومة حكومة دائمة التواصل مع البرلمان ومع الرأي العام. - كما انتظرنا بحكم الظروف الاستثنائية التي عاشها العالم أن يأتي السيد رئيس الحكومة إلى البرلمان في إطار الفصل 68 من الدستور لتقديم بيانات تتعلق مثلا بالارتفاعات المتتالية للأسعار وبالجفاف والندرة المائية،وقبل ذلك انتظرنا حضورا منضبطا للسيد رئيس الحكومة مرة في الشهر في كل مجلس من مجلسي البرلمان، وهو الأمر الذي لم يتحقق. - بل إن حجم الاحتقان الشعبي كان يتطلب في نظرنا تفعيل الفصل 103 من الدستور المتعلق بمنح الثقة أو سحبها. السيد الرئيس حضرات السيدات والسادة - نحن اليوم أمام أول مشروع أعدته هذه الحكومة، وهو مشروع لا يمكن أن يغير في واقع المغاربة شيئا، ولا يمكنه أن يرفع من قدرتهم الشرائية المتدهورة أصلا، كما أنه مشروع عاجز عن تكريس الدولة الاجتماعية كعنوان عريض للبرنامج الحكومي. - فالأرقام والمؤشرات الحكومية المتفائلة والبراقة التي حملها المشروع لا تستجيب للوضعية الواقعية للمغاربة، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأرقام الصادمة لبعض المؤسسات الوطنية كالمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، والتي تفيد بأن 81% من الأسر المغربية تدهور وضعها الاقتصادي بشكل كبير جراء ارتفاع الأسعار، و44% حسابها البنكي صفر درهم و3.2 مليون مغربي من الطبقة المتوسطة أصبحوا يتأرجحون بين الهشاشة والفقر، كما أن هذه الحكومة لم تتخذ أية إجراءات للمحافظة على قفة الفقير وطعامه. - لقد اكدت كل المؤشرات والممارسات والقرارات المتخذة إلى حد الآن، بأن التفاعل مع مختلف الإشكاليات لم تكن له أية بصمات، وهو ما يجعلنا نأسف لحكومة متعثرة وعدت بتعزيز مسار الثقة، وإذا بها توشك على تبديد ماتبقى من الثقة في العمل السياسي. السيد الرئيس السيدات والسادة الوزراء السيدات والسادة النواب - وفي هذا الإطار، أود أن أطرح عليكم القضايا التالية لقياس الالتزامات والأقوال بالأفعال والإنجازات. أولا: البطالة وانسداد آفاق التشغيل (لا يمكن أن نحجب الشمس بالغربال)، فبرامج أوراش أو فرصة تعتبر مجرد مساحيق عابرة ولا يمكنها أن تحل إشكالية التشغيل. ثانيا: الغلاء الفاحش في كل شيء، مما ترتب عنه تدهور القدرة المعيشية إلى الحد الأدنى: الغازوال-المواد الأساسية، مواد البناء، الأدوية، الأعلاف-الخدمات وغيرها.... ثالثا: الجهوية المتقدمة، وانعدام أي أفق لممارسة اختصاصاتها الذاتية، بالإضافة إلى غياب الإرادة الحقيقية لتنزيل ميثاق اللاتركيز الإداري. بالمناسبة نتساءل عن الإجراءات المتخذة للتقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعميم الربط الفردي بالكهرباء الذي لا يتجاوز 43%. رابعا: الحوار الاجتماعي، كان من الأولى أن يكون حوارا مجتمعيا، فقد اقتصر في مخرجاته على فئات دون أخرى وهنا نطرح بعض الأسئلة: - أين الوعد بإدماج الأساتذة أطر الأكاديميات؟ - ماذا عن الزيادة الموعودة للأساتذة؟ - ما مصير 18.144 منصب شغل للمربيات الذي التزمت به الحكومة؟ - لماذا تصر الحكومة على فرض عتبة الثلاثين في الترشح للتعليم؟ خامسا: بعد التزام الحكومة في برنامجها بتخصيص مليار درهم لترسيم الأمازيغية، وهي مبادرة محمودة، نسائلكم حول مخطط الحكومة لتفعيل هذا الرهان؟ وماذا عن المخططات القطاعية المنصوص عليها في القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟ سادسا: بخصوص المنطق الاقتصادي للمشروع، وباستثناء بعض الإصلاحات الضريبية، وتقليص بعض النسب، ماذا قدم المشروع للمقاولات الوطنية المفلسة والتي في طريق الإفلاس والتوزيع العادل والمنصف للاستثمارات العمومية مجاليا واجتماعيا. السيد الرئيس المحترم من موقعنا كمعارضة مسؤولة، تقدمنا إلى الحكومة خلال الدورات التشريعية، وأيضا في الفترات الفاصلة بين الدورات بالعديد من الاقتراحات كخلق لجنة لتتبع الأسعار مثلا، وهي التوصية التي جاء بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، باقتراح مرصد للتتبع، كما واكبنا مختلف النصوص التشريعية باقتراحات بناءة، وها نحن اليوم نتقدم كمعارضة بقرابة 70 تعديلا تتماشى وانشغالات المجتمع، من خلال: -تخفيض ضغط الهشاشة وحماية القدرة الشرائية للفقراء؛ -توطيد البعد التضامني والعادل الضريبية على الشركات؛ -توطيد مكاسب المقاول الذاتي، بالإضافة إلى حماية الاستثمار؛ -رفع الحيف الضريبي على بعض الفئات كالمتقاعدين. - محاربة غلاء الأدوية؛ لكن مصيرها كان كالعادة الرفض المغلف بتأجيل دراستها إلى غاية سنة 2024. ختاما،السيد الرئيس، بإيمان وطني صادق نسجل، تطلعنا إلى أن تعيد الحكومة النظر في منهجية عملها، لأن الأوزان الانتخابية المتحولة لا تمنح دائما الحق في الانفراد بقرارات وخيارات سياسية واجتماعية كبرى، هي من صلاحيات المجتمع بأكمله،قرارات غير مدروسة تعبث بمستقبل نتقاسمه جميعا في وطن عظيم يعرف من أين أتى وإلى أين يسير، وطن من حجم المغرب نعتز أن نكون من طينه وترابه. وفقنا الله جميعا لخدمة مصلحة الوطن والمواطنين تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. والسلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته