مأساة ريان نزلت كالصاعقة على كل من يملك ولو ذرة من الإحساس الإنساني وجزء من التضامن ، ولم يعد ريان الطفل الذي كان غير معروف وجوده على هذه البسيطة ولا دواره المعزول، أصبح تتناقل اسمه القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وتتناقل خبره المفجع كل وكالات الأنباء ، واسم ريان أصبح يتردد على كل الألسن في المقاهي والمنازل وأينما حللت وارتحلت ،وكلما ذكر اسم ريان إلا وزدنا غورا في تلك البئر المشؤومة وصرنا معه داخلها نعاني بما يعانيه طفل في بداية عمره ،فهذه المأساة التي يعانيها في عتمة البئر ليال عدة، تتبعها المغاربة وجزء كبير من العالم بحسرة شديدة وترقب إنقاذه في كل لحظة، فبعدما كنا تنرقب لحظة زوال كوفيد ها هو الطفل ريان ينسينا الفيروس ويسكن القلق والحسرة نفوسنا لما وقع له ، وما وقع له قد يقع لأي طفل من أطفالنا ، وها نحن كمغاربة وجزء لا يستهان به من العالم كأننا معه في نفس الحفرة حيث حبسنا أنفاسنا وصرنا نعد الليالي الثقيلة والأيام ننتظر على أحر من الجمر لحظة الفرج عن ريان وعنا وعن كل أطفال المغرب ولم كل أطفال العالم ، إن ما وقع للطفل ريان وجب اعتباره وقع لكل أطفال المغرب ، وأن كل أطفال المغرب الطفل ريان ، لذا على كل مسؤول أن يتحمل مسؤوليته من موقعه ، الأباء ، المربون أولياء أمر الأطفال والسلطات المحلية والإدارية والمفكرين والنخب المثقفة والأساتذة والمعلمين والساهرين على مراكز الطفولة والحضانة ، وكل من له جانب في ما قد يقع مثل ما وقع لريان أو لغيره من أطفال وطننا الحبيب ، فالطفل هو رجل الغد ، والدولة المغربية ليست مؤسسة سياسية واقتصادية واجتماعية فحسب، بل هي الساهرة على حياة وأمن كل مواطنيها وسلامة أبدانهم وممتلكاتهم ، والأطفال هم أعز ما نملك ، لذا فالدولة مسؤولة لما قد يقع لأطفالنا نيجة تقصير في درء الضرر الممكن وقوعه اللهم ما تعلق بفعل الأمير أو القوة القاهرة أو الكوارث الطبيعية التي لا يمكن تفاديها . والدولة في كل مكان وزمان عينها لا تنام لأن عنصر الإستمرارية والمداومة في السهر على الأمن العام والسكينة العامة من اختصاص أجهزة الدولة الأمنية والإستخبارية والصحية ،وهذا المعيار الذي تتميز به الدولة وتوابعها من حكومة وأجهزتها وفروعها عبر التراب الوطني وفي القنصليات و السفارات بالخارج . ، وما وقع لريان قد يقع، لا قدر الله ،لغيره من أطفالنا وإن بشكل مخالف وفي ظروف أخرى ، على امتداد التراب الوطني وعلى امتداد الزمن السياسي الماضي والأتي وكل ذلك ما كان ليقع لو أن الدولة المغربية بكل مكوناتها وقدراتها وما لديها من إمكانيات مادية ولو كانت قليلة قامت بما يلزم في ما يخص تلك اآبار المفتوحة عبر التراب الوطني وسيجتها كأقل تدبير ممكن ، إلا أن الإمكانت العقلية والفكرية والمبادراتية الإستباقية للأحداث والحوادث لم تكن في الوقت المناسب ، وكان يمكنها أن تتفادى الكثير من المشاكل التي يقع فيها الأطفال وغير الأطفال ، لأن حياة المواطن لا تقدر بثمن ، وحمايتها والحفاظ عليها من واجب الدولة التي تمتلك كل الصلاحيات لتسيير وتسهيل حيواتهنا من الولادة الى الوفاة ، السنا نولد برسم الولادة ونموت بشهادة الوفاة ؟ والدولة هي الموقعة أسفله . لقد فتحت مأساة ريان أعيننا على الكثير من الجوانب ، خاصة فيما يتعلق بالطفولة التي تعيش بين ظهرانينا ككائنات صغيرة لا نعطيها الاهتمام الخاص بها، عدا المأكل والملبس والتطبيب إن توفرت لبعضنا ولكن الاهتمام المهم في حياة هذا الكائن الصغير والذي سيصبح رجل الغد ومسؤولا على نفسه وربما على غيره بعد أن يكون أسرة أو يصير أستاذا أو معلما او مسؤولا إداريا ، هذا الاهتمام تتعلق بالجوانب النفسية والتربوية والمرافقة الملتصقة والدائمة الى حدود سن معينة يحددها المربون والخبرة الطبية . . وفي جميع الأحوال كيف نسمح لأنفسنا كآباء وأولياء ومربين وسلطات محلية ومركزية بأن نرى أطفالنا يملؤون الشوارع والأزقة والأسواق ونراهم في كل مكان يهيمون وبدون مرافقة الكبار ولا وجود لمؤطر لهم،؟ ولا نقوم بما يحفظهم من شرور الشارع ونعلم أن الشارع بكل ما فيه من سلبيات يحتضنهم بذراعيه ليقودهم لأعمال وممارسات لاتربوية ولا أخلاقية ،فتراهم جماعات وفرادى يتعلمون من مفاسد المجتمع، كل ما يسيئ لهم ولعائلاتهم وللمجتمع ككل ،فيتناولون المخذرات ويمارس عليم الجنس من قبل ذئاب بشرية تتربص لحظة غفلة الأباء عن صغارهم فينقضون على ضحاياهم بلا رحمة ولا شفقة . ناهيك عن الكلام الساقط الذي يتلقونه لتكون كل أحاديثهم كما لو خرجوا للتو من الماخور وتنتفي عنهم براءة الأطفال ...
.
أطفالنا كلهم ريان ،وريان من أطفال المغرب ، نعم وقفت كل الجهات المسؤولة في الدولة وقفة رجل واحد لإنقاذ الطفل ريان. قامت بكل جهودها وأكثر بصبر وثبات وحرص على إنقاذ الطفل الذي تعلقت به كل قلوب المغاربة ، لأنه منهم ولأنهم منه. ولعل كل تلك الجهود ستفيد في قادم الأيام لتطوير عمليات اليقظة والمواكبة لأطفالنا عبر كل المراحل التي يمرون منها من المنزل الى المدرسة الى اللعب في الأماكن المخصصة لهم وتحت إشراف مربين ومدربين يوضعون رهن إشارة الصغار حتى لا يظلوا في تيه وبدون بوصلة مما يعرضهم لكل الكوارث المحتملة وحتى غير المحتملة والتي قد لا تقع على بال إنسان ، لذا وجب القيام بأعمال استباقية وتجعل الطفل المغربي في حماية ومأمن ورعاية مرافقيه ولا يترك في مهب مجريات الأمور دون تنظيم ولا تقنين ، بدون شك لاحظ المسؤولون وهم يزورون دولا أروبية وامريكية ، عدم وجود أطفال في الشوارع والدروب ولم يروا طفلا يسير ويلعب كرة القدم مثلا في الشوارع بمفرده أو مع مجموعة من ألأطفال،ربما يستغربون لذلك إلا أن وجه الغرابة هو أن نترك طفلا في عمر الزهور لوحده في الشارع دون أن نقلق عليه، ولما تقع الواقعة يكون الندم حيث لا ينفع الندم آنذاك. أما في المقابل فأطفالنا نراهم في كل الأزقة وخاصة في الأحياء الشعبية والمتوسطة يقضون معظم وقتهم لمن له وقت دراسي، في الشوارع وهذا طبيعي لأن لهم طاقة وجب إفراغها ،ولكن ليس فيما يضرهم ولا يستفيدون ، وطبيعي أن نراهم في الدروب لأن أصحاب العمارات والمستثمرين في العقارات لم يخصصوا مناطق خضراء ولا أماكن للعب أطفال العمارات ، فكروا في لأنفسهم وفي الربح الذي يجنون وبشكل جشع. ألم يتساءل المسؤولون الذين زاروا أمريكا، إما للسياحة أو للعمل الحكومي ، أين هم أبناء الأمريكان ؟ إنهم في أماكن التأطير إما العقلي أو الجسماني أو الفني والتقني ، إنهم في الملاعب الرياضية والنوادي ، والمعاهد لتعلم الرسم وفي المسابح . طبعا الدول المتقدمة لها إمكانيات ، ونحن أيضا لدينا إمكانيات خاصة وأن تأطير أبناءنا ومرافقتهم والمحافظة عليهم لا تتطلب الأموال الطائلة بل فقط نوعا من التخطيط واتخاذ الحبطة والحذر والمساهم في حمايتهم عبر التتبع والسهر على سلامتهم ، فمثلا لنتابع استعمال زمنهم الدراسي وساعات فراغهم أين يقضونها؟ونتعرف على أصدقائهم ونعرف طينتهم هل هم مشاغبون ، أن طرح الكثير من الأسئلة التي قد توصلنا لتجنب مثل كارثة ريان التي وقعنا فيها جميعا . . ولا أريد أن أكون متشائما وأختم بما هو سلبي ، بل سأفتح الباب على مصراعيه على أمل عريض أن نكون قد استفدنا من الدرس البليغ الذي قدمته فاجعة الطفل ريان وما حركت من عواطف التضامن من قبل الشعب المغربي وكل محبي الطفولة في العالم ، لذا وجب العمل بكل ما اوتينا من قوة وإمكانيات ، وتحريك طاقات عقولنا وتجاربنا وتجارب غيرنا للتركيز في سياستنا وتربتنا وأخلاقنا على أطفالنا لنجعل منهم فعلا رجال الغد الزاهر لهم وللقادمين من بعدهم ، دمت يا ريان الطفل إنطلاقة كل آمال أطفالنا وبلادنا لمستقبل في الأمن والآمان من كل الحوادث المادية والمعنوية وليكونوا في محيط اجتماعي واقتصادي سليم يوفر لهم العيش الهادئ وغد أفضل لنموهم . إن الطفل ريان حالة واحدة محزنة كما الكثير من الحالات التي لم يتناقلها الإعلام ولا وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب لا نعلمها ، ولكن مثل هذه الحوادث المفجعة موجودة بكثرة سواء في الآبار وفي الطرقا التي لا تليق للسير ، واوقات الفيضانات ، وعلى الشواطئ حيث كثير من الحافات لا تسيج وهي بؤر سوداء سواء خطيرة للسباحة او التنزه ، مما يستلزم من السلطات المعنية القيام بواجبها لدرء الخطر المحتمل . . كنا نأمل أن يعيش بين ظهرانينا الطفل ريان ويحكي حكايته ومعاناته لخمس أيام وليال في ظلمة الجب ، يحكيها لأطفال المغرب ولغيرهم عسى أن يستفيدوا من الدروس التي لقنها لنا الطفل ريان ولو مضحيا بحياته ، لكن خاب الأمل في إنقاذ ريان ،وان الردى كان له بالمرصاد عقابا لنا ربما لإهمالنا أو تقصيرنا في لحظات من لحظات الزمن الذي شغلنا عن فلذات أكبادنا ، رحل عنا ريان رغم كل الجهود التي بذلت لإنقاذه ورفرفت روحه في سماء مغرب ظل يترقب لحظة خروجه من البئر حيا يرزق ، ولكنه ابى إلآ ان يغادرنا غير انه سيظل حيا في قلوبنا وسنظل نذكره كلما رأينا أطفلنا في أحسن حال مشمولين بالرعاية والمراقبة لمواكبتهم نحو مستقبل زاهر ، أليس كل أطفال المغرب الطفل ريان؟