تختلف التسميات والمعنى واحد. تعرف هذه المناسبة الدينية ب"العيد الكبير"، و ببلدان أخرى ب"عيد الحجاج" لارتباطه بفريضة الحج، و ب"عيد القربان" لدى آخرين. فما من شعيرة تعبدية، إلا ويعتريها ما يعتريها من العادات و التقاليد، بحسب وعي الناس و مستوى تعليمهم، و نوعية الثقافة المنتشرة لديهم. كلها عوامل وغيرها تدخل في تأثيث شعائرنا التعبدية وإن كانت بنسب متفاوتة تقترب أو تبتعد من جوهرها وحقيقتها. فإذا كانت الفرائض لا تسلم من مظاهر التخلف، تحيد بها عن مقاصدها الكبرى التي من أجلها شُرعت، فإن السنن كالأضحية، أكثر عرضة للزيادة والنقصان والتحريف. فقد أضحت لدى عامة الناس، وخاصة الفئات الهشة و الفقيرة، قضية حياة أو موت. قد تجده لا يعير اهتماما للفرائض وبقية السنن المؤكدة، لكن سنة الأضحية لا يمكن التفريط فيها مهما كانت الظروف ومهما غلا ثمنها. قد يضحي بأهم ما لديه من أثاث ضروري لا عنى له عنه، مقابل ثمنها. و قد يرهن أو يستدين حتى و هو يعلم أن تسديدها أقساطا سيؤثر على ميزانية دراسة أبنائه أو معيشة أسرته، طيلة العام أو نصفه. و قد يقدم على أي فعل في سبيل الحصول عليها، حتى وإن اقتضى الأمر أن يسطو عليها، كما حدث السنة الفارطة بالدار البيضاء، عقب الهجوم على شاحنات الأكباش. هستيرية كبيرة يصاب بها الناس خلال هذا العيد. يتوقف الزمن لدى معظمهم. لا حديث يعلو على كبش العيد. كل الأولويات مهما كانت قيمتها، تتعطل و تأخذ مكانها خلفه. يسابق الزمن، متنقلا بين الأسواق لاهثا. يساوم هنا وهناك. فلا يهدأ لهم بال ولا ترتاح لهم نفس إلا بعد تأمينها، فيتنفس الصعداء وكأنه كان بإحدى جبهات القتال. لا حديث في البيوتات وفي المقاهي وفي اللقاءات العابرة مع المعارف أو مع الأغراب إلا عن الأضاحي، و عن لوازمها من شحذ للسكاكين وتوفير الفحم والتوابل لكل نوع من الأطباق. أما التباهي بشحم الأضحية وبلحمها فحدث ولا حرج. لازمة كل عام لا ملل من تكرارها ولا كلل. فأين هذا من مقاصد الدين السامية؟ المفروض في هذه المناسبات أن تعكس وجه ديننا المشرق، لكن للأسف تكون مناسبة لتظهر تخلفنا المريع، إذ يصبح كل شيء مباحا خلال أيام العيد، براريك تضرب أوتادها في كل الأمكنة. الشباب يجدونها مناسبة للتخييم بها طيلة أيامه، يتوجونها يوم العيد بشي الرؤوس على قارعة الطرقات، وما يواكبها من نيران وأدخنة و أزبال في كل الشوارع و الأزقة. يتفاقم الوضع البئيس، لما يتركون كل المخلفات وراءهم، بدون أن يكلفوا أنفسهم تنظيفها. أما العمارات فخبرها عند المكتوين بنيران ما يقع فيها خلال أيام العيد هاته. لنتصور الكثافة السكانية بها مع ضيقها، وإصرار الجميع على الذبح بها في وقت واحد. فإذا كانت هذه التضحيات الجسام من أجل أضحية العيد تقربا إلى الله، فماذا نقول عن كبار الصحابة وأغنيائهم لم يضحوا أبدا، وحتى من ضحى منهم أحيانا، نجد بعض الروايات تتحدث عن التضحية بديك. فأين تشدد البعض ممن يغرقون في التدقيق؛ عن قرون الكبش وسواد عينيه وبلوغه كذا سنا، وسلامة أطرافه كلها. يروى عن بلال أنه قال "ما أبالي لو ضحيت بديك، و لَأَنْ أتصدق بثمنها على يتيم أو مُغَبَّر، أحبّ إليّ من أُضَحِّي بها"، يسنده ما روي أيضا عن ابن عباس، إذ بعث عكرمة بدرهمين ليشتري له بهما لحما، وأوصاه أن
يخبر من يلقاه أنها أضحية ابن عباس، تأكيدا منه أن الأضحية ليست لا واجبة ولا لازمة.