قد يقال أن الوقت أصبح يمر بسرعة غير مسبوقة، وقد يقال أيضاً أننا أصبحنا لا نملك منه الا ما سُمِح لنا به من طرف من يملكوه منا أو من يكتروه أو أخدوه بدون إذن مسبق... هي كذلك، تتعدد الأسباب لكن النتيجة واحدة، حيث ما يلبث الفرد منا ان ينظر الى ورائه ولو بعجالة وهذ ان استطاع طبعاً، حتى يكتشف ان جزء كبير من حياته مر كلمح البصر او كأن الامر متعلق بالأمس فقط، إلا أنه مايلبث ان يعيد النظر كرة أخرى حتى يكتشف انها الحقيقة والتي قد تكون مُرة في غالب الأحيان.
العمر يزداد في تقدم، اشتعال الرأس شيبا، جمال وجه الشباب صار به تجاعيد، حركات رياضية عادية صارت وانها جزء من اعمال شاقة، اكلات محظورة بوصفة طبيب، او بغلاء معيشة، اهداف اصطدمت بسلسلة من الوقائع كأمواج تكسرت على صخور بضفة شاطىء البحر، احلام الصبا صارت واقع مرير او شبه ذلك، نظرات التفاؤل والامل القريب باتت لا تخلو من واقعية ديكارتية صِرفة، نية زائدة او بالأحرى سداجة تغطيها ثقة عمياء في كل وعد سواء كان من سياسي ماكر، او متمسلم لبس جلباب شيخ واعظ... كلها مافتئت ان اصبحت حسابات رياضية على مبدأ رابح رابح.
سماعِنا ومرورنا بعدة تجارب ناجحة تارة وخيبات أمل تارة أخرى، في أماكن مختلفة مع اناس ذووا ثقافات متعددة، فبعد التأمل فيها وتحليل ميكانيزماتها جعلتنا نستخلص مجموعة من العبر والنتائج من شأنها تعزيز الثقة في النفس مع التوكل على آلله سبحانه، كما اننا صرنا لا ننخدع للمظاهر الجذابة ولا للسراب الذي يعتقده العطشان ماء، ولا حتى للشعارات الرنانة...
نعم لأسباب أو بأخرى قد يجد معظمنا نفسة في هذه الجزيرة النائية، الا ان كل واحد منا وطريقة تفكيره، فكل سيأخد الأمر على محمل خلفيات تكوينية مبرمجة سابقا بفعل تأثيرات سوسيولوجية، فمنا من سيختار الاستسلام بكل بساطة، والثاني سيختار التأقلم مع الوسط وانتظار أجله، بينما الاخر سيختار كيفية تغيير واقعه المرير والخروج من المأزق بأقل الأضرار وبأعلى مكاسب ممكنة!
هي كذلك الحياة كل منا وقد فرضت عليها ظروف خاصة، لكن لا أحد يمنعنا من تغيير حالنا الى واقع أفضل، ولهذا كل ماعلينا فعله هو البدأ عاجلا وليس اجلا بمراحل بسيطة عبر خطوات منتظمة وبشكل يومي...