كنا دائما عندما نسأل أنفسنا عن أحوالنا أو عن تقصيرنا في بعض واجباتنا الاجتماعية تجاه أصدقائنا و أقاربنا و معارفنا، نكتشف أن الأمر لا يرتبط بعذر مقبول بقدرما يتعلق ب"الڭانا"...ذلك المزاج المتقلب الذي يتأثر بالظروف المناخية و بارتفاع الأسعار و نتائج المباريات، و هو نفسه المزاج الذي يعكر صفو حياتنا و يجعلنا ننسحب إلى دواخلنا، لا يزور بعضنا البعض الأخر إلا نادرا في أحسن الأحوال أو لا يزوره البتة.. و هو نفسه المزاج أو "الڭانا" التي نعلق عليها أخطاءنا و تفريطنا في أشغالنا و واجباتنا و مواعيدنا، بمعنى أننا بحق "مجتمع الڭانا"!..لكن الجديد هو أن المحسنين لما أضافوا ساعة أخرى إلى"مڭانتنا"، صرنا "مجتمع الڭانا و المڭانا". والسبب يعود لكون هذه "المڭنا" أربكت حساباتنا و مواعيدنا المرتبكة أصلا و عطلت مصالحنا و حرمتنا بدون وجه حق من قسط مهم من نومنا، فأصبحت مصدر البلاء و سببه، خصوصا أننا لم نستطع أن نألفها ولا أن تألفنا، كما أنها غير متلائمة و إيقاعنا البيولوجي الذي تعود و لزمن طويل على الإحساس بالوقت و ترجمته بطريقته الخاصة..يعني"على ڭانتو" حتى تبلد على ذلك و صار من المتبلدبن!... و إذا ما حاولنا تعديل عقارب ساعاتنا، فإن أحاسيسنا تأبى أن تتقبل هذه البدعة التي يستعصي عليها مضغها و هضمها. و هكذا تشبث المحافظون منا بثوابتهم و عضوا عليها بنواجدهم، بينما ارتأى آخرون أن يذعنوا للأمر الواقع و يسلموا به تسليما..و بهذه الطريقة أحدثت "المڭانا" شرخا كبيرا و انقساما خطيرا داخل مجتمع لا يزال يتلمس طريقه نحو الديمقراطية و التنمية و رص الصفوف للصمود أمام التحديات التي تواجهه، فأصبح لكل فريق توقيته الخاص الذي يلائم منفعته و نظرته للأشياء و لعلاقته مع الغير..و تبعا لذلك، ستتوزع انتماءاتنا و ولاءاتنا إلى صنفين: محافظين و إصلاحيين ذوي إيديولوجيتين متباينتين..لهذا يجد المرء نفسه، في حالات كثيرة، مدفوعا للسؤال عن مرجعية و فلسفة مخاطبه: "واش القديمة ولا الجديدة؟" و ذلك حتى تتضح له الأمور و لا يقع في الفخاخ، فيضبط توقيته علي التوقيت الذي تشتغل به مخيلة صاحبه، و ينصرف، بعد ذلك، إلى حال سبيله قرير العين مطمئن البال. لكن المشكلة تكمن في أننا شعب أفراده مصابون بمرض ميؤوس من علاجه، ليس هو الزهايمر كما قد يخمن البعض، و لكنه مرض التحرر و التنكر للانتماءات، سيما السياسية منها. لهذا سيكون طبيعيا أن تنتابنا، في الزمن الجديد، فترات نتلون فيها تارة بلون المحافظين و تارة أخرى بلون الإصلاحيين... و هكذا يسهل علينا تبرير أخطائنا و سوء تفاهماتنا و "لخبطتنا" و حتى اختفاءاتنا الفجائية وحضورنا الهامس... كل ذلك بأن نحمل " الساعة الجديدة" المسؤولية في ذلك و " نعلقو الحجام على عقاربها"!...فسبحان الذي بيده أمر الساعة و علمها، و الذي أنذر في كتابه العزيز من يخشاها، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)آية.