بالإعلان الرسمي عن نتائج الإستفتاء على الدستور المصري يكون المصريون قد أشروا على بداية عهد جديد بكل ما تحمل كلمة جديد من معنى يتم من خلاله طي صفحة ماضية من تاريخ بلد يمثل نقطة ارتكاز قوية في مسار أمتنا العربية ليبدأ مرحلة أخرى تعتبر ولا شك مؤشرا حقيقيا على نجاح الثورة أو فشلها. وقبل هذا وذاك لا بد أن نعترف أن نسبة 36 في المائة من المصريين الذين رفضوا مشروع الدستور الجديد كتلة لا يستهان بها فهم لا يمثلون بالضمن فلولا ولا بلاطجة،كما أن نسبة 64 في المائة الذين صوتوا لصالح المشروع ليسوا جميعا أعضاء لا في تنظيم الإخوان المسلمين ولا مع السلفيين. كما يجب أن نقر أن الإستفتاء على الدستور كان من المفروض أن يشكل عرسا وطنيا يؤكد من خلاله الشعب والقوى السياسية على توافقها وانسجامها وتكاملها في صياغة وثيقة تستجيب لمطالب جميع التوجهات والتيارات،ولكنه نظرا لحساسية المرحلة الإنتقالية التي يمر منها المسار الديمقراطي المصري وطبيعة وحجم التناقضات التي تطبع الحياة السياسية جعلت الإستفتاء يأخذا مسارا حادا واحتكاكا مباشرا كاد لولا ألطاف الله تعالى أن يدخل البلد في مرحلة التيه والضياع . و اليوم وقد أقر الدستور أصبح لزاما على الإخوان قبل غيرهم باعتبارهم كتلة انتخابية قوية ونافذة داخل المجتمع أن يسعوا لتحقيق التوافق وطمأنة القوى المعارضة لسد الباب على أي تدخل أجنبي حامل لأجندة معادية للإستقرار المصري. كما أصبح لزاما على القوى المعارضة أن تستحضر مصلحة الشعب المصري الذي عانى لعقود من الزمن من حكم الإستبداد ومن الفقر والتهميش و بالتالي بات ملحا القبول بنتائج الإستفتاء الديمقراطي الشفاف والنزيه في مجمله مع الإحتفاظ بحق المعارضة السلمية البنائة الواعية والشريفة في أفق بناء قطب سياسي معارض قادر على إثبات فشل التجربة الحالية مقدما الحلول والبدائل التي بإمكانها أن تستهوي الناخب المصري مستحضرين حجم الإكراهات التي تنتظر المواطن المصري البسيط الذي يحلم بالإستقرار السياسي باعتباره المدخل الأساس لغد الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية. و لا يختلف اثنان أن الصراع السياسي الدائر في مصر يحمله في طياته عبرا ودروسا متعددة يمكن أن يستفيد منها الفاعل السياسي المغربي ومنها: _ تغيير الأنظمة السياسية لا يعني بالضرورة اجتثاث لب الفساد والإستبداد. _ السعي للتوافق وبناء الميثاق الوطني الجامع هو الضامن لنجاح المرحلة الإنتقالية. _ صناديق الإقتراع آلية احتكمنا لها ونحن أقوياء فلا بد أن نقبل بها ونحن ضعفاء والأيام دول. _ القوة العددية لا تعني بالضرورة إلغاء المقاربة التشاركية المستحضرة للمصلحة الوطنية. _ تربية الشعوب جهاد أكبر يتطلب منظومة تربوية قوية قادرة على تغيير العقليات المصلحية والأنانيات المستعلية. _ القبول بالآخر واحترام رأيه مدخل أساس لبناء جسور الثقة بين جميع الفرقاء. _ الجبهة الإعلامية من التحديات الكبرى أمام القوى الفاعلة داخل المجتمع وأي تقصير فيها هو تهديد حقيقي لموازين القوى يسمح ببناء رأي عام مشوه. و في الختام لا يمكننا إلا أن نقف احتراما للمصريين عموما.