تفاجأ العديد من المتتبعين المغاربة من الطريقة السلبية التي تعاملت بها الحكومة الإسبانية، مع القرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باعترافه بسيادة المغرب على كامل صحرائه الجنوبية، حيث لم يستوعب هؤلاء السبب الذي دفع الخارجية الإسبانية إلى إعلان استنكارها لهذا القرار، بل والتصريح جهرا بأنها ستتحدث مع فريق "بايدن" من أجل التراجع عنه، رغم أن الجارة الشمالية ظلت تتغنى في السنوات الأخيرة بكون المغرب شريك استراتيجي تجمعها به علاقات وثيقة جدا. ما يجهله هؤلاء هو أن السياسة هي لعبة مصالح، فمن مصلحة إسبانيا أن يظل المغرب منشغلا بمشكل النزاع المفتعل حول الصحراء، وهي القضية التي تشكل نقطة ضعف كبيرة بالنسبة للمملكة، ظلت دول الاتحاد الأوروبي تستغلها منذ سنوات خلال مفاوضاتها مع المغرب، سواء في الصيد البحري أو الهجرة السرية أو محاربة تهريب المخدرات، إلا أن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وفتحها لقنصلية لها بالداخلة، ونحن الآن نتحدث عن القوة العظمى الأولى في العالم، من شأنه أن يخلط الأوراق، حيث أصبح المغرب في موقف تفاوضي قوي للغاية أمام شركائه الأوروبيين، وهو ما من شأنه أن يضر بمصالح هؤلاء، وخاصة إسبانيا وفرنسا. وكدليل مباشر على ذلك، يمكن أن نعود إلى تصريحات بوريطة الأخيرة، والتي أكد فيها أن المغرب لن يكون دركيا لأحد، عقب رفض السلطات المغربية لاستلام المهاجرين السريين المرحلين من جزر الكاناري الإسبانية، بعدما كان الاتفاق وشيكا بين الطرفين فيما قبل، وهو الأمر الذي وضع إسبانيا في مأزق حقيقي. فالمغرب دخل الآن منعطفا جديدا، فتقوية موقفه في صراعه للحفاظ على وحدة أراضيه ستجعله رقما صعبا في المنطقة، وهو الواقع الذي ستعمل إسبانيا وفرنسا ما في وسعهما لتغييره، حتى تظل المملكة تحت جناحيهما .