الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    جوائز الكاف: المغرب حاضر بقوة في الترشيحات لفئات السيدات        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض        حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوربا والمغرب.. قصة حب بطعم «الخيانة»
كيف يتحرر المغرب من تبعيته للاتحاد ويواجه استفزازاته؟
نشر في المساء يوم 15 - 03 - 2016

في 1996 وقع المغرب والاتحاد الأوربي اتفاق الشراكة الذي توج سنوات طويلة من المفاوضات بين الطرفين، بدأت منذ بداية الستينيات وعرفت تحولات وتطورات هامة في مسار العلاقات بينهما، بلغت حد تقدمه في 1987 بطلب الانضمام إلى المجموعة الأوربية الذي تم رفضه بمبررات جغرافية. ورغم أن هذا الطلب كان يبدو نوعا ما رومانسيا إلا أنه عكس مستوى الارتباط الكبير والمصيري الذي سيصوغه المغرب بجيرانه في الضفة الشمالية للمتوسط. لقد التفت المغرب منذ الاستقلال شمالا في اتجاه تيارات أوربا الباردة ممنيا النفس بالاستفادة من موقعه الجغرافي المتميز الذي يجعله شريكا اقتصاديا وتجاريا مميزا لجيرانه. وجنى المغرب من وراء هذا التوجه مكاسب اقتصادية ومالية وسياسية هامة ضمنت له قدرا من الاستقرار والنمو النسبيين، إلا أن هذه الشراكة شهدت محطات أخذ ورد وتفاعل سلبي واحتكاكات كادت تصل إلى درجة القطيعة. هذه الاهتزازات التي شهدتها العلاقات بين أوربا والمغرب كانت دائما تدفع مليا إلى التفكير في مدى جدية الأوربيين في خطاباتهم الدبلوماسية التي تتحدث عن الاستثناء المغربي، وعن المكانة المميزة التي يحظى بها استثناء من بين كل الدول خارج أوربا، والتي خولته صفة «الوضع المتقدم». هذا الوضع المتقدم الذي لم يشفع للمغرب في مناسبات عدة آخرها تلك التي أدت بالمحكمة الأوربية في دجنبر الماضي إلى إصدار قرار يقضي بإلغاء الاتفاق الفلاحي مع الرباط، في تطور مفاجئ للعلاقة المغربية الأوربية دون سابق إنذار. هذا القرار الذي كان بمثابة الصدمة في الأوساط الرسمية والشعبية كشف عن مدى هشاشة العلاقات الأورومغربية على عكس ما تبدو عليه في الواقع. وأفرز هذا القرار الذي لا يزال في مساطر الاستئناف كثيرا من التساؤلات حول مستقبل علاقات المغرب بشركائه الأوربيين الذين قدم من أجلهم الكثير من التضحيات وبذل العديد من المجهودات طمعا في ترسيخ هذه العلاقة على مبدأ رابح رابح. وكان من أهم هذه التساؤلات التناقض الواضح بين الخطاب الأوربي الرسمي الذي يحترم قرارات المغرب وسيادته وبين قرارات بعض مؤسساته على رأسها المحكمة الأوربية وكذا البرلمان الأوربي الذي كثيرا ما يخضع لنزوات بعض اللوبيات العاملة لصالح انفصاليي البوليساريو والجزائر. إن التناقض بين الخطاب والسلوك يجعل من العلاقات المغربية الأوربية ملفا دبلوماسيا أولويا يجب الانكباب عليه من أجل إعادة بلورته وصياغته على أسس سليمة يتم فيها القطع مع مرحلة التبعية المطلقة والخضوع لنزوات بروكسيل من خلال تنويع الشركاء والانفتاح على قوى دولية صاعدة اقتصاديا وتجاريا، وتعزيز العلاقات المغربية الأمريكية والتوقف عن لعب بعض الأدوار المجانية التي يستفيد منها الأوربيون. هذه المقاربة الدبلوماسية المختلفة يجب أن تنطلق من وعي دقيق بإمكانات المغرب وبأوراقه الضاغطة التي يمكن أن يوظفها بشكل براغماتي في علاقاته بالاتحاد الأوربي للخروج من موقع التلميذ النجيب الذي ينتظر إملاءات مدرسه. فما هي هذه الأوراق التي يمتلكها المغرب في مواجهة أوربا؟ وكيف يمكن أن يستفيد أكثر من موقعه القريب من القارة العجوز؟ وإلى متى يستمر المغرب في تأمين حدود أوربا على حساب استقراره وسيادته؟
أوراق ضاغطة يمتلكها المغرب في مواجهة الاتحاد الأوربي
على رأسها الأمن والجالية والهجرة
الورقة الأمنية
في أوج هجمات باريس الدامية التي أودت بحياة العشرات في نونبر الماضي اكتشف العالم فجأة أن المغرب يمتلك أجهزة أمنية واستخباراتية تتحكم في قدر مهم من المعلومات المتعلقة بالشبكات الإرهابية سواء منها الناشطة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط أو تلك المتجذرة داخل التراب الأوربي. وتحول المغرب بقدرة قادر من شريك اقتصادي إلى شريك أمني لا مناص عن التعامل معه. لقد كانت مساهمة المغرب في تحديد موقع بعض الإرهابيين المفترضين في إحدى الشقق الباريسية حاسما في تجنيب فرنسا المزيد من الضحايا والدماء. هذه الخبرة الأمنية والثروة الاستخباراتية التي يبدو أن المغرب يمتلكها في مجال مواجهة الشبكات والتنظيمات المتطرفة تخوله موقعا قويا في مواجهة الاتحاد الأوربي وتجعله قادرا على انتزاع الندية المفتقدة ولو لفترات أو مناسبات بعينها يتناسى فيها الطرفان شروط التبعية المفروضة على المغرب في مجالات عدة. هذه الندية ظهرت بعض إرهاصاتها عندما قرر المغرب وقف تعاونه القضائي مع حليفته فرنسا بعد أن تم تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية وتوجيه استدعاء قضائي للمسؤول الأمني الأول في المغرب للمثول أمام السلطات القضائية الفرنسية. هذه الحادثة التي تسببت في أزمة دبلوماسية طالت لمدة تقارب السنة، أظهرت بجلاء أن المغرب لا يمكن أن يستمر في علاقته بأوربا كمجرد دركي يحمي حدودها دون أن يحظى بمعاملة يتوفر فيها الحد الأدنى من الندية والاحترام والاعتراف.
ورقة الجالية
أكثر من 85 في المائة من المهاجرين المغاربة عبر العالم فضلوا الاستقرار بدول الاتحاد الأوربي. يمتلك المغرب جالية واسعة في أكبر الدول الأوربية، في فرنسا، إسبانيا، إيطاليا وفي دول أقل حجما مثل هولندا وبلجيكا تعتبر الجالية المغربية أكبر الجاليات الأجنبية ديمغرافية. 4 في المائة على سبيل المثال من سكان بلجيكا يتحدرون من أصول مغربية ونفس التأثير والحجم الديمغرافي تعيشه بلدان أخرى كهولندا وإسبانيا التي تعتبر فيها المرأة المغربية أكثر النساء خصوبة. هذه الثروة الديمغرافية التي يمثلها مغاربة أوربا ليست مجر مورد اقتصادي ونقدي للمغرب، إنها كتلة ناخبة متصاعدة ومؤثرة في بنية الأنظمة السياسية الأوربية وفي صناعة القرار المحلي والوطني هناك. ورغم أن الجالية المغربية في البلدان الأوربية تعيش مثلها مثل غيرها صعوبات جمة في الاندماج والتأقلم مع الوضع الثقافي والاجتماعي وكذا في انتزاع الحق في المساواة مع مواطني البلد الأصليين بسبب تنامي الخطاب العنصري ولإقصائي إلا أن الدور الذي بدأت تلعبه هذه الجاليات في أوربا يعتبر ورقة دبلوماسية ضاغطة على صانع القرار في دول الاتحاد. يكفي أن نذكر بالتجربة اللاتينية في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبح فيها المواطنون المتحدرون من أصول مكسيكية على سبيل المثال كتلة مؤثرة في الانتخابات الأمريكية. هذا التواجد المغربي في دول أوربية يحتاج إلى مزيد من التعبئة والتأطير والتنظيم كي يصبح حضورا إيجابيا وفاعلا في خدمة المصالح الوطنية والدفاع عن القضايا التي تهم المغاربة ومن بينها التصدي للتوجهات المعادية للوحدة الترابية. في فرنسا على سبيل المثال التي تعتبر حليفا استراتيجيا وتاريخيا للمغرب لا تكاد تخلو حكومة من الحكومات المنتخبة من وزراء يتحدرون من أصول مغربية بما تحمله هذه المسألة من دلالات رمزية عميقة حول قيمة الثروة الديمغرافية والبشرية الهائلة التي يمتلكها المغرب في أوربا وتنتظر استثمارها وتأهيلها نحو تشكيل لوبيات ضاغطة تحمي المصالح الوطنية كما هو عليه الحال بالنسبة للكثير من الأقليات المقيمة على أراضي الاتحاد الأوربي. ومثلما نجحت السياسات العمومية في مجال تدبير ملف مغاربة العالم في تعبئة مواردهم النقدية لخدمة الاقتصاد الوطني فإن هذه السياسات يجب أن تتجاوز هذه الطموحات الاقتصادية والمالية الخالصة نحو طموحات سياسية واستراتيجية بعيدة المدى.
ورقة إفريقيا
الموقع الاستراتيجي للمغرب يجعله يتحكم تحكما مباشرا في العبور إلى مستقبل العالم الاقتصادي، إنها إفريقيا قارة الفرص والموارد والإمكانات الطبيعية والمنجمية والبشرية الهائلة. فرص النمو والاستثمار والثروة كلها اليوم تتنامى في إفريقيا وأنظار كل القوى الاقتصادية الدولية تتجه صوب القارة السمراء بحثا عن موطئ قدم. ولقد كون المغرب في السنوات الأخيرة خبرة اقتصادية إفريقية مهمة تجعله شريكا لا محيد عنه لكل الراغبين في استثمار ثروات إفريقيا وغزو أسواقها. فبرامج التعاون جنوب-جنوب جعلت المغرب شريكا اقتصاديا مهما لدول غرب إفريقيا على الخصوص حيث يجد المغرب جذورا وارتباطات دينية وبشرية وتاريخية مهمة. كما أن توغل المقاولات المغربية في هذه المنطقة يتزايد عاما بعد عام خصوصا في مجالات النقل والبنوك والعقار. هذا يعني أن ولوج الأوربيين ومقاولاتهم وشركاتهم العملاقة إلى الأسواق الإفريقية الواعدة يمر أولا وقبل كل شيء عبر القنطرة المغربية، وقد أضحت كثير من استثمارات هذه المقاولات مرهونة في جزء كبير منها بالمرور عبر السوق المغربي أولا من خلال فروعها التي تستشرف السوق الإفريقي وتترصد فرص النمو والاستثمار. هذا الواقع يمكن أن يتعزز أكثر بالتطور الذي يمكن أن تشهده البنية التحتية وخصوصا الطرقية والبحرية التي تربط المغرب بجيرانه الأفارقة. تشابك المصالح الاقتصادية إذن بين المغرب والدول الأوربية الطامحة إلى العبور نحو القارة السمراء يعتبر في حد ذاته نقطة قوة تفاوضية يمكن أن يحولها المغرب إلى ورقة ضغط لصالحه داخل دواليب القرار الأوربي في بروكسيل. فإذا كان المغرب محتاجا لأوربا كمستورد ومستثمر فإن هذه الأخيرة بدورها تحتاج إلى المغرب كقنطرة للعبور إلى المستقبل الإفريقي.
ورقة الهجرة
هناك ملف ساخن وحساس جدا في تاريخ العلاقات المغربية الأوربية. هذا الملف الهام بالنسبة للاتحاد الأوربي لطالما شكل نقطة خلاف ونزاع وربما شنآن بين الطرفين ألا وهو المتعلق بالتحكم في تدفقات المهاجرين وخصوصا الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو أوربا وخصوصا عبر السواحل الإسبانية. قبل عقد من الزمن كان المضيق الفاصل بين المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية أكبر مقبرة بحرية في العالم. وبالوتيرة نفسها التي تكتشف بها قوارب الموت اليوم بين تركيا واليونان أو بين ليبيا وإيطاليا كانت أعداد المهاجرين السريين الذين ترصدهم دوريات الحرس المدني الإسباني لا تكاد تنتهي. هذه الأمواج المتدفقة من المهاجرين السريين لم تتوقف إلا عندما قرر المغرب نهج مقاربة أمنية صارمة وحاسمة التزم من خلالها بالحد من هذه الظاهرة ومحاربة عصابات الاتجار بالبشر. وبعد أن كان الشغل الشاغل للحرس المدني الإسباني هو تسيير الدورية الليلية والنهارية من أجل رصد القوارب المحملة بآلاف المهاجرين، أصبحت السلطات المغربية تحرص أكثر من أي وقت مضى على تفعيل مضامين اتفاقاتها في مجال محاربة الهجرة السرية إلى حد أصبحت معه الطريق الغربية التي بين المغرب وإسبانيا أقل طرق الهجرة السرية نحو أوربا كثافة ونشاطا. هذا التعاون الفعال في مواجهة الهجرة السرية لم يكن ليحقق نتائج إيجابية دون انخراط فعلي للسلطات المغربية التي تتفاعل معه في إطار تنفيذ التزاماتها وإن كان ذلك أحيانا على حساب إمكانياتها، خصوصا وأن المغرب وبعد أن كان في السابق مجرد معبر للمهاجرين أصبح اليوم بلدا من بلدان الاستقرار للوافدين خصوصا من إفريقيا جنوب الصحراء. ورسميا لقد اتخذ المغرب بعض الإجراءات القانونية والسياسية من أجل توطين الكثير من المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء وتمكينهم من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، وتوفير الحد الأدنى من ظروف العيش الكريم لهم، مما يعني أن المغرب أصبح مستعدا للتعاطي مع معضلة الهجرة السرية بطريقة مختلفة وجديدة. لكن هذا التعاون ليس قدرا مضمونا فحدود أوربا مهددة أكثر من أي وقت مضى بجحافل المهاجرين السريين وكذا اللاجئين القادمين من كل الاتجاهات وبالتالي فإن التعاون المغربي يمكن أن يشكل ورقة ضغط هامة وحاسمة في مواجهة العجرفة الأوربية التي تأخذ أحيانا أكثر مما تعطي وتتعامل بانتقائية غير مبررة وازدواجية واضحة في المعايير.
هل تكون مسمارا في نعش العلاقات الأورومغربية؟
بين المغرب والاتحاد الأوربي مسلسل طويل من العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية التي عرفت عبر مسارها الطويل لحظات من الشك والريبة، ومحطات من القوة والتضافر. هذا التذبذب في علاقات الطرفين عرف أهم ارتجاجاته عندما اقترب من موضوع حساس في قائمة الأولويات الوطنية ألا وهو قضية الصحراء والنزاع المفتعل حولها. في دجنبر الماضي أصدرت المحكمة الأوربية قرارًا يقضي بإلغاء الاتفاق الفلاحي مع الرباط، في تطور مفاجئ للعلاقة المغربية الأوربية دون سابق إنذار. واعتبرت محكمة العدل الأوربية أن الاتفاقيات الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوربي باطلة، بسبب مشكلة الصحراء. وكان انفصاليو "البوليساريو» قد رفعوا دعوى قضائية لدى المحكمة الأوربية في فبراير 2013 مدعومة من الجزائر ضد الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوربي، متذرعة بأن هذه الاتفاقية تشمل المنتوجات الفلاحية الواردة من الصحراء دون أخذ وجهة نظرها بحكم «النزاع القائم».ويبين نص الحكم الصادر عن المحكمة الأوربية، أن قرار الطعن في الاتفاق الزراعي مع المغرب، يأتي بمبرر أن «الاتفاق الفلاحي لم يشر بوضوح إلى استثناء منطقة الصحراء التي ما تزال منطقة نزاع»، وبالتالي حسب المحكمة فالاتفاق يخالف الوضع الدولي للصحراء. ويحث القرار كلا من الاتحاد الأوربي والمغرب بتعديل بنود الاتفاقية الفلاحية بينهما، بحيث يتم النص على استثناء المنتجات الفلاحية الواردة من الأقاليم الجنوبية للمملكة. وقد تم توقيع الاتفاقية الزراعية بين المغرب وأوربا منذ 2010، وصادق عليها البرلمان الأوربي يوم 16 فبراير 2016، بعد جلسة شاقة من الجدال حولها. هذا القرار الذي نزل كالصاعقة على المغرب والمغاربة كشف عن حجم الهوة القائمة بين أوربا السياسية وأوربا المؤسسات وحجم التناقض الصارخ في توجهات الاتحاد الأوربي بين الخطاب والممارسة. وكثيرا ما تعتبر قيادات أوربا المغرب حليفا استراتيجيا وشريكا رئيسيا لا محيد عنه، وفي الوقت نفسه تعمد المؤسسات الأوربية بين الفينة والأخرى إلى اتخاذ قرارات أخرى مخالفة لهذا التوجه وخصوصا تلك المتعلقة بقضية الصحراء. في يناير الماضي عاد البرلمان الأوربي لمناقشة مقترح تقدمت به بعض الفرق البرلمانية المنتمية لليسار الراديكالي والمعادية للوحدة الترابية للمغرب يقضي بتوسيع صلاحية بعثة «المينورسو» في الصحراء لتشمل حقوق الإنسان، ورغم أن التقرير النهائي في الاجتماع الذي عقده البرلمان الأوربي بستراسبورغ في الشهر نفسه لمناقشة والتصويت على برنامج أولويات الاتحاد لسنة 2016 في ملف حقوق الإنسان، خلا من هذه التوصية إلا أن هذا الجدل الذي أثاره تدخل البرلمان الأوربي في شؤون القضية الوطنية أعاد إثارة قضية ازدواجية المعايير التي تتعامل بها أوربا في مقاربة علاقاتها مع شركائها، ومن بينهم المغرب وخصوصا على صعيد ملف حقوق الإنسان.لماذا تصدر مثل هذه القرارات عن بعض المؤسسات الأوربية في حين يسير الخطاب الرسمي والسياسي ي اتجاهات معاكسة؟ هل يمكن اعتبار هذه الخطوات التصعيدية بمثابة عمليات ضغط توظف لانتزاع بعض المكتسبات من المغرب فيما يتعلق بتعاونه في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية؟ هذه الأسئلة تزداد إلحاحا إذا عدنا إلى قضية المحكمة الأوربية والسيناريو الذي تلاها. فمباشرة بعد صدور قرار المحكمة قرر مجلس الاتحاد الأوربي الطعن في هذا القرار لدى المحكمة الأوربية وطالب بأن يكون هذا الاستئناف بأثر إيقافي. وصرحت الممثلة السامية للاتحاد الأوربي المكلفة بالشؤون الخارجية والأمن فيديريكا موغريني عقب ذلك لتؤكد بمناسبة انعقاد مجلس الشراكة المغرب – الاتحاد الأوربي في 14 دجنبر ببروكسل أن المغرب والاتحاد الأوربي تجمعهما شراكة « واسعة قوية ومتجذرة في إطار الشراكة المتقدمة التي يستفيد منها المغرب «. وبالنسبة لعدد من المسؤولين الأوربيين إن هذا القرار المستفز للوحدة الوطنية للمغرب لا يشكك بتاتا في أهمية علاقات التعاون مع المغرب الذي يظل شريكا أساسيا في الجوار الأوربي. هذا الخطاب الدبلوماسي الموغل في المجاملة ينتظر التفعيل على أرض الواقع وأن يتحول إلى سلوكات مؤسساتية تحترم الاتفاقات بين الطرفين، وهو الأمر الذي دفع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون إلى المطالبة بما أسمته «الحفاظ على الأمن القانوني» للاتفاقيات التي تربط الاتحاد الأوربي بالمغرب. هذا التعاطي المزدوج المعايير الذي تمارس فيه أوربا نفاقها على مستوى علاقاتها الخارجية فتظهر بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان والأقليات وفي الوقت نفسه تضمن فيه مصالحها يطرح سؤالا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى هل تتعامل أوربا فعلا مع المغرب كشريك حقيقي أم كمجرد ورقة أمنية وسياسية في شمال إفريقيا؟ فسح المجال أمام التلاعب بقضية الصحراء وتوظيفها ضد المصالح المغربية بشكل سافر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضمن استمرار التعاون الذي تصفه أوربا بالنموذجي على كافة الأصعدة والمجالات. كما أن اللعب باستقرار المغرب ووحدته مغامرة خطيرة غير محمودة العواقب بالنسبة لأوربا نفسها التي تعاني بدورها في مختلف بلدانها من تنامي الظواهر الانفصالية ولا أدل على ذلك ما يحدث في الجارة الإسبانية المهددة بالتشظي والتجزؤ إلى أكثر من جمهورية واحدة. وبعيدا عن المرجعيات القانونية والأخلاقية التي تقدم في الواجهة لمثل هذه القرارات الاستفزازية يتضح أن أوربا أو على الأقل بعض مكوناتها مخترقة تماما من طرف اللوبيات المؤيدة للانفصاليين. فإذا صدقنا الخطاب المنفصل لكل بلد أوربي على حدة يبدو أن قرار المحكمة الأوربية كان أحادي الجانب، مما يفيد وجود بعض القوى التي ترغب في التأثير على مستوى العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي. كما أن هذا القرار الذي استهدف مباشرة التشكيك في الوحدة الترابية للمغرب يعكس معضلة أوربية متجذرة تتعلق بضعف الإيمان لدى الكثير من الأطراف بجدوى الوحدة الأوربية وباندماج أوربا في محيطها الجغرافي والجيوسياسي. فكيف لمحكمة أوربية من المفترض أن تجسد منطق الوحدة أن تسعى من خلال هذا القرار إلى تكريس الطرح الانفصالي وتبريره؟
عراقيل دفعت المغرب إلى التوجه نحو إفريقيا
الشراكة الاقتصادية..
تمتد بين المغرب والاتحاد الأوربي علاقات سياسية واقتصادية قوية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، ويدعمها القرب الجغرافي، ففي سنة 1963 انطلقت المفاوضات بين المغرب والمجموعة الأوربية التي آلت إلى إبرام أول اتفاقية تجارية تفضيلية بين الطرفين سنة 1969، حيث ساهمت هذه الاتفاقية في ترسيخ علاقة الشراكة الأورو مغربية، لتشهد في وقت لاحق تطورا كبيرا وتوطدا مستمرا عبر سلسلة من المحطات المتوالية، ففي الأول من فاتح مارس سنة 2000 دخلت اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي حيز التنفيذ، إذ كانت تنص على إنشاء تدريجي لمنطقة تبادل حر صناعية، فضلا عن تحرير التبادلات الزراعية تدريجيا. وفي أكتوبر من سنة 2008 صادق وزراء خارجية الاتحاد الأوربي السبعة والعشرين في اجتماعهم في لوكسمبورغ على طلب المغرب صفة «الوضع المتقدم» الذي طرحه رسمياً في عام 2004، وسعى من أجله منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حين تقدم الملك الحسن الثاني عام 1987 بطلب الانضمام إلى عضوية المجموعة الأوربية، وهو وضع كان المغرب يحلم من خلاله بالاستفادة أكثر من الأسواق الأوربية، لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفنه، منذ ذلك التاريخ، وتغير الوضع كثيرا.
الشراكة والوضع المتقدم.. عودة إلى نقطة الصفر
خلال السنوات الأخيرة، سرعان ما استوعب المغرب أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي والوضع المتقدم مجرد «وهم»، بعد أن شنت لوبيات أوربية حربا شرسة على اتفاقية الصيد البحري والصادرات الفلاحية المغربية، هذا «الوهم» ظهر جليا بعدما أعاد قرار المحكمة الأوربية، الصادر في 10 دجنبر 2015، والقاضي بإلغاء اتفاقية التبادل الحر للمنتجات الزراعية والصيد البحري مع المغرب، لتضمنها منتجات الصحراء، العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين إلى نقطة الصفر، وذلك في تطور مفاجئ للعلاقة المغربية الأوربية دون سابق إنذار، حيث اعتبرت محكمة العدل الأوربية أن الاتفاقيات الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوربي باطلة بسبب مشكل الصحراء، وخلف هذا القرار ردود أفعال قوية بين الأطراف، خاصة من الجانب المغربي، الذي صعّد من موقفه، معتبراً أن تحديد مستقبل العلاقات وباقي الاتفاقيات مع الاتحاد الأوربي، مرتبطا بمواقف المسؤولين الأوربيين إزاء قرار المحكمة، وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوربي قرر استئناف القرار بعد يومين من صدوره، إلا أن ذلك لم يمنع المغرب من إبداء مخاوفه حول تأثير قرار المحكمة على علاقات الطرفين، مما جعل العلاقات بين الطرفين تقف على مفترق طرق بعد هذا القرار، خاصة أن التبادل التجاري للمغرب مع الاتحاد الأوربي، يمثل 67.6 في المائة من مجمل تبادلاته.وفي سياق الأزمة التي تتخبط فيها الصادرات الفلاحية المغربية الموجهة نحو الاتحاد الأوربي، فإن الطماطم المغربية لم تسلم من الغضب الإسباني المتكرر، إذ حاولت اللوبيات الأوربية وبأبشع الطرق ممارسة الضغط والابتزاز من أجل التصدي والوقوف كعقبة في وجه الصادرات الفلاحية، ما شكل ضربة موجعة للفلاح المغربي ومهنيي القطاع عامة، وتكبد المغرب خسائر بالجملة جراء تحركات هذه اللوبيات التي لا يخدمها أن تربح الصادرات الفلاحية المغربية مزيدا من الأسواق. ويبرر اللوبي الإسباني خوضه لمعارك ضد الطماطم المغربية، بدعوى أن الاتفاق الفلاحي المبرم بين المغرب والاتحاد الأوربي لم يتم احترامه من طرف الفلاحين المغاربة. وعلى العموم، فإن المغرب بدأ نوعا ما يتحلى بالحس الاستباقي تجاه القضايا الدبلوماسية والتجارية، بدل الاكتفاء بردود الفعل، والفهم الجيد للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تحيط بالبلاد، لتفادي أي انتكاسات قد تضر بمصالح المواطنين المغاربة، وهو ما جعله يتخذ قرارات جديدة وصفت من طرف المتتبعين ب»الجريئة»، حيث قام بقطع كل اتصالاته مع دول الاتحاد الأوربي، على خلفية قرار المحكمة الأوربية دون أن ينتظر قرار المحكمة العليا الأوربية في الطعن المرفوع لديها لإصدار الحكم النهائي في هذا الشأن.
إفريقيا.. بديل الاتحاد الأوربي بالنسبة للمغرب
سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المغرب دفعته إلى تكثيف دوره الطلائعي تجاه أفريقيا رغم تشويش المناوئين في التزام يعكس اهتماما جادا بقضايا القارة السمراء في مختلف القطاعات، التي من شأنها أن تجعل المغرب يمسك بقوة بمفاتيح الاستثمار، ففي هذا السياق يولي المغرب أهمية قصوى لزيادة حضوره الاقتصادي في بلدان إفريقيا من خلال ضخ عدة استثمارات، التي جعلت منه المستثمر الأول في المنطقة. لأنّ المغرب كان واعيا بجملة تلك المعوقات التي تحول بينه وبين لعبه لدور حيوي في مجاله الأفريقي الطبيعي، ومن المنظور الجيوسياسي، جعل المغرب من غرب القارة الأفريقية في مقدمة اهتماماته نظرا للتقارب الديني بينه وبين بلدان تلك المنطقة، بالإضافة إلى التداخل الاقتصادي وتطابق وجهات النظر في مجموعة من الملفات الإقليمية والدولية، حيث أنّه مافتئ يدعم المشاريع التنموية للنهوض بأفريقيا التي عانت طويلا من استغلال الاستعمار.
الحسن بوقنطار *: الاتحاد الأوربي في مأزق وعليه الضغط كي تتراجع المحكمة عن انحرافها
أولا المحكمة الأوربية هي جهاز من أجهزة الاتحاد الأوربي ملكها المشرع الأوربي اختصاصات من أبرزها النظر في شرعية القرارات التي تتخذها الأجهزة الأوروبية، وذلك عبر مسطرة تسمح لكل طرف اعتبر أنه تم المساس بمصالحه من خلال قرار ما، سواء شخص معنوي أو ذاتي يمكنه رفع دعوة للمحكمة الأوربية للنظر فيها، فيما يتعلق بملف أو قضية الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوربي طبعا البوليساريو هي التي رفعت الدعوة واعتبرت أن لها شخصية معنوية باعتبارها تمثل ما تعتبره الشعب الصحراوي، وكان على المحكمة النظر في حقيقة كيان البوليساريو بمعنى هل يمتلك آليات التقاضي، وبالنظر لبعض الحيثيات غير المنطقية اعتبرت المحكمة الأوربية أن البوليساريو يحق له التقاضي، واعتبرت الجانب المتعلق بمناطق الصحراء في الاتفاق ينبغي ألا يطبق لتلغي في الأخير هذا الاتفاق، وفي الحقيقة هذا مشكل أوربي-أوروبي لأن المغرب أبرم اتفاقا مع الاتحاد الأوربي عبر مسطرة تضمنت جميع المراحل والتي صادق عليها البرلمان الأوربي، وبالتالي هذا يطرح نازلة وتعد سابقة في العلاقات الدولية تتمثل في كيف يمكن التضحية باستقرار العلاقات عن طريق اتفاقية إن كان هناك طرف قضائي لا يمكن الجدل في شرعيته، يضرب في صميم العلاقات بين الطرفين ما جعل المغرب يقطع اتصالاته مع الاتحاد الأوربي في انتظار توضيح الأمور، فالحكم لازال ابتدائيا غير أن التخوف يكمن في تأكيد هذا الحكم في المرحلة الاستئنافية ما سيضع الأطراف لا محال في مأزق كبير.
– يشهد المتتبع أنه خلال السنوات الأخيرة شهدت المحكمة الأوربية أطوار محاكمة ربما تبحث من خلالها للبوليساريو والجزائر عن أعذار، أو ربما تبحث للاتحاد الأوربي عن ورقة ضغط للاستفادة الاقتصادية، أي قراءة تقدمونها لهذه التطورات؟
الاتحاد الأوربي في بنائه يقوم على فصل السلطات وهذا أمر لا يهمنا، المغرب يهمه الاستقرار في العلاقات فعند قراءة حيثيات القرار نجد أن المحكمة الأوربية لم تعتبر أن البوليساريو ممثل الشعب الصحراوي بل أعطت قراءة سياسية قانونية، فالمهم أن ترجع أجهزة الاتحاد الأوربي الأوضاع إلى نصابها، ففي قلب هذا النقاش لا يجب العبث بهذه الاتفاقيات التي جاءت نتيجة مفاوضات عسيرة من طرف القضاة، وبالتالي على الاتحاد الأوربي أن يحصن الاتفاقات التي يبرمها وكما قلت المحكمة الأوربية جهاز قضائي تابع للاتحاد الأوربي، وعلى أجهزة هذا الأخير البحث عن سبل وضغوطات كي تتراجع المحكمة عن هذا الانحراف، فالاختصاص قانوني غير أن الحيثيات والحجج التي بني عليها هذا القرار لم تكن قانونية، كما أن أجهزة الاتحاد الأوربي لم تعطي أهمية لازمة لهذا الملف عندما عرض أمام القضاء، مما جعل القضاة يتصرفون في الملف بطريقة غير مسؤولة نوعا ما.
– في ظل العلاقات القديمة والمستقرة نوعا ما بين المغرب ودول الاتحاد الأوربي، باعتقادكم هل الاتحاد الأوربي قادر على التضحية بهذه العلاقات المتطورة، خاصة وأن المغرب خلال الأحداث الأخيرة قدم للدول الأوربية مساعدات مهمة على المستوى الاستراتيجي الأمني ويعتبر ‘المغرب' أن التعاون إما أن يستمر بشكل كامل أو يتوقف بصفة شاملة؟
إذا أكد الحكم لاستئنافي ما جاء به الحكم الابتدائي فالعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي أكيد ستكون في مأزق، ولا أعتقد أن هناك من لديه سلطة على القضاء أكثر من ممارسة الضغوط لجعل الكرة في مرمى الحفاظ على العلاقات الدولية، وبالتالي على الأجهزة الأوربية تسوية هذا المشكل فيما بينها، فالمغرب لا يمكن أن يتراجع عن الاتفاق باعتباره اتفاقا مرتبطا بإرادة معينة لا يمكن بترها لينطبق على جزء دون الآخر، وفي رأيي الخاص كل السيناريوهات المستقبلية مرتبطة بمرحلة الاستئناف.
– هل هناك من أوراق إقليمية ودولية ضاغطة يمتلكها المغرب لتغيير التوازنات سواء مع الاتحاد الأوربي أو ما يخص ملف الصحراء وكيف ستؤثر الضغوطات المغربية على حكم قضائي ملزم؟
في الواقع ليس المغرب هو من سيمارس الضغوطات، المغرب عبر عن موقفه والاتحاد الأوربي متفق معه، والدور الإقليمي للمغرب معروف على مستوى ضمان الاستقرار ومحاربة الإرهاب، السؤال الآن، هو كيف يمكن الخروج من هذا المأزق الذي وضعنا فيه القضاء؟ فبالدرجة الأولى يجب على القائمين على أجهزة الاتحاد الأوربي تحصين هذا الاتفاق وتتبع مراحل الحكم الاستئنافي بجدية. أما فيما يخص إلزامية الحكم القضائي فهو بالطبع ملزم والمحكمة الأوربية لها شرعيتها وتخصصاتها والاتحاد الأوربي منح القضاء إمكانية تقصير القرارات، وكما قلت الاتحاد الأوربي هو الآن في مأزق كبير عليه أن يستعد لجميع ردود الأفعال. وما ينتظره المغرب لحد الساعة هو انتصار حكمة القضاء وعدم خضوعه للتأثيرات السياسية التي قد تدفع إلى توتر العلاقات المتبادلة بين الطرفين.
ملف الهجرة.. هل يستمر المغرب في لعب دور دركي أوربا؟
بعد أن تحولت الهجرة السرية إلى أكثر الملفات حساسية للأوربيين
تشكل الهجرة السرية اليوم واحدا من الملفات الأكثر حساسية في أوربا، خصوصا بعد أن عجزت عن إيجاد حل نهائي للقضية. وظل المغرب، رفقة بعض دول المغرب العربي، يعتبر معنيا بالموضوع بالنظر لموقعه باعتباره بوابة للضفة الشمالية للقارة العجوز. لذلك ظلت أوربا تتمنى أن يقدم المغرب دعمه للحد منها، خصوصا وأن أعداد المتدفيقن زادت بسبب اشتداد الحرب في عدد من دول الشرق الأوسط، ناهيك عن جموع الأفارقة جنوب الصحراء الحالمين بجنة الفردوس. لعبة شد الحبل بين رغبة أوربا في الحد من الهجرة، والبحث عمن يقوم بدور الدركي الأمين على حراسة حدودها من الضفة الجنوبية للمتوسط، وبين المغرب، هي التي حركت اليوم لوبيات الاقتصاد لكي تضرب مصالح المغرب في مقتل. لقد ظل المغرب يعبر صراحة عن رفضه استقبال المهاجرين السريين الذين يقرر الاتحاد الأوربي طردهم. ورغم أن هذ الاتحاد وعد بتمويل مراكز لاستقبالهم، إلا أن المغرب رفض الأمر نظرا لصعوبة المهمة وحساسيتها. وقد ظلت بعض جمعيات المجتمع المدني الأوربي تنادي بإمكانية فتح مكاتب في المغرب تكون مخصصة للمهاجرين الأفارقة الذين يطلبون اللجوء بأوربا، سواء تعلق الأمر بلجوء سياسي أو حالات إنسانية، وذلك حماية لأرواحهم حيث تسجل كل سنة أعداد كبيرة ممن يلقوا حتفهم في عرض الأبيض المتوسط. وهي مراكز تتمنى أوربا ألا تشبه مراكز إيواء هؤلاء المهاجرين في بعض بلدانها، كما هو الحال مثلا في مراكز الإيواء في إيطاليا التي تعتبرها بعض الجمعيات سجونا، نظرا لكونها مسيجة بأسلاك شائكة وبوابات حديدية، كما أن هذه المراكز لا تحفظ الكرامة الإنسانية ولا تتوفر على المرافق الضرورية. كما أنها مراكز تجبر الأطفال القاصرين على العيش مع أشخاص بالغين. وهو أمر مخالف للقانون، لأن هؤلاء الأطفال يمكن أن يكونوا عرضة للاستغلال الجنسي. وتزيد معاناة هؤلاء المهاجرين السريين في المعاملة التي يتعرض لها هؤلاء من قبل عناصر البحرية الإيطالية، وحتى من طرف بعض الممرضين والأطباء. كل هذه الإكراهات التي يعرفها الملف، هي التي حركت أوربا لكي تنادي بضرورة انخراط المغرب في حمايتها من هؤلاء المهاجرين. ولذلك راهنت على تحريك بعض الملفات السياسية والاقتصادية لكسب ود المغرب وجره إلى الاختيار الذي ترضاه لهذا الملف، الذي يقض مضاجعها ويهدد كيان الاتحاد الأوربي ككل. لقد وقعت أوربا عددا من الاتفاقيات في الموضوع. بل إنها صرفت، عن طريق مفوض الاتحاد الأوربي للهجرة والشؤون الداخلية، للمغرب 10 ملايين أورو لصرفها من أجل المهاجرين والعمل على إدماجهم في النسيج المحلي. واعترفت أوربا بعد ذلك بأن المغرب يعتبر نموذجا إقليميا لسياسات الهجرة في المنطقة، وأنه سيواصل دعم هذه السياسة الجديدة التي نهجها المغرب في إدماج المهاجرين وانخراطهم في الوسط الجديد. غير أن المثير في هذه القضية، هو أن المغرب عاد لكي يرتكب الأخطاء نفسها حينما لم ينجح في توظيف هذه الورقة لصالح قضاياه الاقتصادية والسياسية. فعلى الرغم من أن أوربا تعتبره تلميذا نجيبا في ملف الهجرة والحد منها باعتراف تقارير الاتحاد الأوربي، إلا أنه لم يكن محاورا ومفاوضا قويا، ومن ذلك ملف الوضع المتقدم للمغرب برسم الفترة الممتدة من سنة 2013 إلى سنة 2017، الذي يتناول موضوع
التعاون فيما يتعلق باختصاصات وزارة الداخلية حول مجالات تدبير الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية والشبكات الإجرامية لتهريب البشر والاتجار في الأشخاص والحكامة في ميدان الهجرة والحماية الدولية لطالبي اللجوء. أو الإعلان المشترك حول الشراكة من أجل الحركية، مع الاتحاد الأوربي الموقع مع ثماني دول في الاتحاد الأوربي. وهي الشراكة التي انخرط فيها الجانبان لتفعيل هذا التحرك في مجالات الهجرة وتنقل الأشخاص والأمن. إضافة إلى التعاون القضائي والأمني، وتدعيم التعاون في مجال محاربة الإتجار في الأشخاص، ومحاربة تبييض الأموال، ومحاربة الإرهاب. وكذا التعاون القضائي.
أما في العلاقة مع الجارة الإسبانية، فقد وصل ملف التعاون في قضايا الهجرة مراحل جد متقدمة حيث للمغرب تعاون ثنائي مع إسبانيا في إطار «المجموعة المشتركة الدائمة المغربية الإسبانية حول الهجرة». والتي تعنى بعلاقات التعاون، وإنشاء فريق عمل مختلط للتعاون الأمني في مجال البحث والتقصي ومكافحة الهجرة غير الشرعية بين المديرية العامة للأمن الوطني ونظيرتها الإسبانية. مع تفعيل دور مركزي للتعاون الأمني، المحدثين بكل من طنجة والجزيرة الخضراء في إطار تقوية آليات التعاون بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، مع تعزيز التنسيق الميداني في مجال مكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، من خلال الدوريات البحرية والجوية والبرية المختلطة بين الدرك الملكي والحرس المدني الإسباني، فضلا عن تقوية تبادل المعلومات عن طريق ضباط الربط حول شبكات التهريب التي تنشط في ميدان الهجرة السرية وتهريب البشر. كانت حصيلة كل هذه الاتفاقيات جد مشجعة للحد من الهجرة السرية خصوصا عبر البحر الأبيض المتوسط. وسجلت التقارير أن التراجع وصل أحيانا إلى أكثر من ثمانين في المائة من حالات الأفارقة الذين كانوا يختارون المغرب للعبور. غير أن انفجار الأوضاع السياسية في ليبيا، زاد في تدفق المهاجرين. كما زاد في غرق أعداد كبيرة منهم في عرض البحر. ومن ذلك مثلا، مأساة غرق 800 مهاجر سري جلهم من إفريقيا وآسيا. ومأساة وفاة قرابة 1500 مهاجر غرقا وهم في طريقهم من الشواطئ الليبية نحو إيطاليا. في ديسمبر 2013 سيوجه الملك محمد السادس رسالة إلى المجتمعين في القمة الفرنسية الأفريقية المنعقدة في العاصمة الفرنسية باريس، يطالب فيها بإقامة «ائتلاف إفريقي للهجرة والتنمية»، يشكل إطارا موحدا يبحث مخاطر الهجرة غير الشرعية، وفرص الهجرة القانونية والتنمية المشتركة، على أساس تقاسم المسؤولية بين أفريقيا وأوربا. غير أن بلدان الاتحاد الأوربي، لم تجد من حل غير وضع المزيد من القيود والإجراءات في مواجهة هجرة الأفارقة، خصوصا بتزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوربا. وهو ما جعل المغرب نقطة استقرار لهؤلاء المهاجرين، بعدما كان في السابق مجرد نقطة عبور، وتحديدا بعد أن وضعت الحكومة قانونا جديدا للهجرة، دخل حيز التنفيذ في يناير 2014، لم يعد يعتبر المهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية، غير مرغوب فيهم بعد أن شرع في تسوية أوضاعهم. وقد لقيت هذه السياسة الجديدة للمغرب تجاه موضوع الهجرة ترحيبا من البلدان الأوربية والمنظمات الأوربية ذات الاهتمام بالهجرة، بالنظر إلى النجاعة التي أظهرتها في ما يتعلق بالحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين على السواحل الأوربية. وهو ما دفع بجان بول كافلييري، ممثل المفوضية الأوربية بالرباط إلى القول، إن المغرب يعد من البلدان القلائل التي تولي اهتماما خاصا بمسألة الهجرة، ويعتبر نموذجا يحتذى به عربيا ومغاربيا. أما المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، «ويليام لايسي سوينغ» فقد قال، إن السياسة الجديدة في مجال الهجرة بالمغرب، التي أطلقها الملك محمد السادس، قد نجحت في وضع استراتيجية وطنية خاصة بالهجرة. وكان يشكل المغرب النقطة الأساسية الجاذبة للمهاجرين السريين الأفارقة للولوج إلى البلدان الأوربية، حيث يجتاز هؤلاء مئات الآلاف من الكيلومترات، من أقصى القارة على ضفاف الأطلسي إلى أدناها على ضفاف المتوسط، حيث يقدمون من نيجيريا وغانا والطوغو والكاميرون وبوركينا فاسو وغيرها من بلدان غرب القارة، ويقطعون مسافات طويلة متعرجة عبر مالي ثم الجزائر وصولا إلى المغرب عبر مدينة وجدة الحدودية، أو عبر موريتانيا والصحراء المغربية، لكن كلا الطريقين يلتقيان في نقطة واحدة هي شمال المغرب. وقد بذل المغرب وإسبانيا جهودا مشتركة عدة للحيلولة دون تدفق المهاجرين إلى الجانب الآخر من المتوسط. وفي العام 1996 شرعت إسبانيا في تطوير السياج الأمني الذي يفصل المغرب عن سبتة ومليلية المحتلتين، بهدف تحصين نفسها في وجه قوافل المهاجرين غير الشرعيين الذين يجتازون السياج، بيد أن ذلك لم ينفع في الحد من الظاهرة. لكن مع بروز ظاهرة الإرهاب في بداية القرن الحالي ونشأة الجماعات المتطرفة وحصول تفجيرات في عدد من العواصم الأوربية، شرعت أوربا في تغيير منظورها لقضية الهجرة انطلاقا من بلدان الجنوب، حيث جرى الربط بين الهجرة والأمن الإقليمي. وفي هذا الإطار احتضنت الرباط في سبتمبر من العام 2005 أول مؤتمر لمنظمة الأمن والتعاون بأوربا، الذي بحث قضية الهجرة واللجوء، بيد أن التوصيات ذهبت في اتجاه تحميل بلدان الجنوب المسؤولية عن عمليات الهجرة غير الشرعية، بالرغم من إبداء أوربا لحسن النوايا في وضع شراكة متوسطية للتصدي للظاهرة. واليوم يبدو أن هذا الملف الحساس مازال يثير حفيظة أوربا، التي تراهن على دول جنوب المتوسط لكي تقوم بدور الدركي الذي يحمي حدودها، ومن ذلك المغرب الذي يبدو أن رفضه استقبال مراكز تجمع المهاجرين خصوصا أولئك الذين يتم ترحيلهم من أوربا، هو الذي جعله في قلب عاصفة دول القارة العجوز، التي دخلت معنا في رهان قوة.
الاتحاد الأوربي يوظف ملف حقوق الإنسان لضرب المصالح المغربية
بعد أن خسر الحسن الثاني حلم الإلتحاق به
ظل الحسن الثاني يمني النفس بأن يلتحق «مغربه» بركب الاتحاد الأوربي. وظل يقول إن القرب الجغرافي للمغرب يؤهله لكي يكون واحدا من دول هذا الاتحاد، أفضل بكثير من عدد من الدول التي التحقت به بعد ذلك من شرق أوربا.لاولم تكن رغبة الملك الراحل مجرد حلم راوده، بل إنه بادر إلى وضع طلب في الموضوع لدى الجهات المعنية بالأمر. غير أن المغرب سيخسر امتحان اللحاق بدول الاتحاد الأوربي بعد أن طلب منه الجواب على سؤالين أساسيين. أحدهما كان يعني المخدرات، حيث طلب من المرصد الجيوسياسي التحقيق في الموضوع، والجواب على سؤال هل يعتبر المغرب أكبر مصدر للحشيش في المغرب. أما السؤال الثاني، فقد كان يعني ملف حقوق الإنسان بعد أن وجهت أوربا لمغرب الحسن الثاني جملة من الاتهامات بخرق هذه الحقوق خلال ما عرف بسنوات الرصاص. لذلك لم يتحقق حلم الحسن الثاني. اليوم يعود ملف حقوق الإنسان لكي يطفو على السطح في علاقة المغرب مع أوربا. وهو ملف تحرك، بعد أن تولى محمد السادس الحكم ونجح في تحريك ملف الإنصاف والمصالحة، بعد أن اشتد وطيس القضية الوطنية حينما اتهم خصوم المغرب بخرق هذه الحقوق خصوصا في الأقاليم الجنوبية، لدرجة أن هؤلاء الخصوم طالبوا بضرورة تدخل الأمم المتحدة في هذا الملف. وهو ما حرك المجتمع المدني المغربي لكي يرد بقوة. غير أن الأخطاء التي ارتكبت بعد ذلك، هي التي عادت لتحرك الملف من جديد لدرجة أنها نجحت في الدفع بالمحكمة الأوربية لكي تصدر حكمها في قضية التبادل التجاري. لقد ظل ملف حقوق الإنسان من الملفات الحساسة التي وظفها خصوم المغرب للإيقاع به، ليس الآن فقط، ولكن على عهد رؤساء أوربا السابقين. ومن ذلك ما ظلت فرنسا تنادي به، على اعتبار أن علاقة المغرب بأوربا كان لا بد أن تمر عبر فرنسا، البلد الذي مارس الحماية على المغرب، والذي ظل يعتبر نفسه معنيا بحاضره ومستقبله. وكانت الرسالة السياسية الواضحة التي أرادت فرنسا أن توصلها، خصوصا على عهد نظام الحسن الثاني، هي أن تغيير الاستراتيجيته التدبيرية داخليا، سياسيا واقتصاديا وحقوقيا بالإنفتاح على القوى الحية في المجتمع، وإطلاق الحريات النقابية والطلابية والإعلامية، لتجاوزالحصار السياسي والنفق الذي كان يهدد المغرب، هو السبيل للمصالحة مع أوربا. وكانت أهم تلك الأوراق مرتبطة بملف حقوق الإنسان وملف المعتقلين السياسيين والمنفيين، وأيضا ملف المختطفين ومجهولي المصير. وكانت قوة ذلك الضغط، قد بلغت درجة جعلت صورة المغرب، جد سلبية على المستوى العالمي في كافة المحافل والمنظمات الدولية. وأصبح النظام المغربي، سياسيا، يصنف كنظام قمعي استبدادي. ومع توالي السنوات، كانت مواقف باريس، مقارنة مع بقية عواصم أوربا، أكثر تشددا. وكان المشهد الإعلامي والحقوقي الفرنسي يتابع ويفضخ حلقات مسلسل الخروقات بالمغرب، فيما كانت وزارة الداخلية، على عهد الراحل ادريس البصري تكتفي بشحذ المغاربة، بالإكراه، للتعبير عن رفضهم لمواقف باريس تلك. وبلغ الأمر دروته بعد صدور كتاب جيل بيرو الشهير «صديقنا الملك» الذي أصبح قضية دولة. وتسبب في أزمة حقيقية بين قصر الإليزي ونظام الحسن الثاني. غير أن ميلاد نظام محمد السادس، سيصحح الكثير من الاختلالات في علاقة المغرب بملف حقوق الإنسان الذي كانت أوربا تتابعه عن كتب. ولذلك نجح المغرب بعد ذلك في اختراق الاقتصاد الفرنسي حينما تم التوقيع مثلا على 13 اتفاقية للتعاون بين البلدين في عدد من المجالات، بينها اتفاقيتا قرض بقيمة 107 ملايين أورو من الوكالة الفرنسية للتعاون، خصصت 50 مليونا منها لتمويل برنامج الوكالة الوطنية للموانىء للاستثمار بالموانىء الجهوية٬ و57 مليون أورو لتمويل البرنامج الثالث لتعزيز شبكة نقل الكهرباء.وتوزعت الاتفاقيات الموقعة بين المغرب وفرنسا بعد ذلك، بين اتفاقية للتعاون في مجال تطوير الاستعمال السلمي للطاقة النووية٬ وأخرى للإعفاء المتبادل من التأشيرة لفائدة حاملي جوازات الخدمة، زيادة على تصريح مشترك لدعم التعليم والتكوين باللغة الفرنسية بالمدرسة، واتفاق إداري بين وزارتي العدل بالبلدين، وتصريحا بالنوايا بين وزارة الداخلية الفرنسية ونظيرتها الفرنسية، إلى جانب اتفاق تقني يتعلق بالتكوين التطبيقي لأطقم المروحيات، وتصريح مشترك حول التوطين المشترك في المجال الصناعي. ومن الأرقام التي كانت تفخر بها فرنسا، ما خصصته الوكالة الفرنسية للتنمية، من تمويلات وصلت 173 مليون أورو، منها 150 مليونا لتمويل برنامج قطب تكنولوجي، ومناطق الصناعات المندمجة المندرجة في الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي الرامي إلى تطوير عرض «المهن العالمية للمغرب» والتي تضم «الأوفشورينغ» و»الإلكترونيك» وتجهيزات السيارات، وصناعة الطيران، والصناعة الغذائية، والنسيج والجلد. في حين كانت قد خصصت 23 مليون أورو المتبقية، لفائدة شركة مشاريع النقل في الدار البيضاء ومنها مشروع الترامواي. والخلاصة هي أن فرنسا دعمت بقوة ملف حصول المغرب على صفة الوضع المتقدم في الاتحاد الأوربي. وما كان لها أن تفعل لولا أن أوربا اقتنعت بالإصلاحات السياسية التي أقدم عليها المغرب قبل دستور 2011 وما بعده. وقبل ذلك، كانت فرنسا متحمسة لانخراط المغرب في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي أرادت به استثبات الأمن ومحاربة الإرهاب وحوار الثقافات. لذلك لعبت فرنسا دورا كبيرا لتولي الكاتب العام في وزارة الخارجية والتعاون السابق يوسف العمراني منصب الأمانة العامة للاتحاد. وهو ما اعتبر من أهم مؤشرات عودة التنسيق بين الطرفين على أعلى مستوى، ليتواصل فيما بعد بتشكيلهما جناحا هاما داخل مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بشأن ليبيا. غير أن كل هذه الإنجازات، التي اجتمع فيها الشق السياسي بالاقتصادي سواء مع فرنسا تحديدا، أو مع بقية دول الاتحاد الأوربي، سرعان ما بدأت تنهار خصوصا وقد عاد ملف حقوق الإنسان إلى الواجهة في السنوات الأخيرة الماضية. ومن الأمثلة الكبيرة التي تسللت منها أوربا، ما يتعلق بحرية الصحافة، التي أثارت الكثير من الجدل على عهد حكومة بنكيران. فبين ما ظل يقدمه وزير الاتصال المغربي محمد الخلفي من معطيات، وما تفرزه تقارير عدد من المؤسسات الدولية حول واقع الصحافة والإعلام في المغرب، مسافة كانت تطرح السؤال حول حدود حقيقة ما تذهب إليه حكومة السيد بنكيران بشأن هذه القضية الحساسة. لقد اعتبر وزير الاتصال، خلال تقديم تقريره السنوي حول جهود المغرب في النهوض بحرية الصحافة لسنة 2014 أن المغرب اعتمد في هذا التقرير على المؤشرات نفسها المعتمدة من طرف الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، والمتمثلة في «الحرية والتعددية والاستقلالية والحماية». وهو ما يعني، بحسبه، أن المغرب نجح في تحقيق هذه الثلاثية. لذلك وجب أخذ الحيطة والحذر من الأرقام التي تقدمها مؤسسات أخرى قالت إن المغرب احتل في سنة 2014 الرتبة 130 في سلم حرية الصحافة والإعلام. وهي مرتبة جعلته ضمن الدول المتواجدة في أسفل السلم. كما كانت منظمة «فريدوم هاوس» قد صنفت المغرب في المركز ال147 عالميا من بين 197، ضمن خانة البلدان التي وصفتها بغير الحرة صحفيا، بعد أن تحدث تقريرها السنوي عما سماه ب»انتكاسة حرية الصحافة بالمغرب.أما الملف الثاني الأكثر حساسية، والذي أثار انتباه عدد من دول أوربا، فهو التضييق الذي مورس على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حينما اتهم وزير الداخلية، في عرض قدمه أمام نواب الأمة في موضوع مكافحة الإرهاب، بعض جمعيات حقوق الإنسان بما اعتبره ادعاءات لا أساس لها عن انتهاكات ارتكبتها قوات الأمن بطريقة يمكن أن تمس صورة وأمن المغرب. قبل أن يضيف أمام دهشة الجميع، أن بعضا من هذه الجمعيات يتلقى تمويلات لخدمة أجندات خارجية. تصريح وزير الداخلية كان بمثابة القنبلة التي تفجرت في وجه المنظمات الحقوقية، التي بدأت تطرح السؤال عن خلفيات هذا الخروج المدوي لوزير من حكومة بنكيران، التي قيل إنها جاءت على أكتاف الربيع العربي ونضالات جمعيات المجتمع المدني بما في ذلك الجمعيات الحقوقية. وفي الوقت الذي اعتقد البعض أن هذا التصريح سيظل حبيس قبة البرلمان، كانت المفاجأة الثانية هي أن مصالح السيد حصاد تحركت في جل المناطق لإحكام الطوق عن أنشطة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. بل ومنع عدد منها ولو باستعمال القوة. وبدا أننا دخلنا عهدا جديدا عنوانه هو رفض التراخيص للجمعية لتنظيم أنشطتها المعتادة. غير أن الأمر لم يتوقف عند حدود منع الأنشطة وإغلاق قاعات عمومية في وجه رفاق خديجة الرياضي، بل إن وزارة السيد محمد حصاد ستزيد في لعبة شد الحبل حينما أقدمت ولاية الرباط على توجيه إنذار، اعتبرشديد اللهجة، للجمعية، تهددها فيه بسحب صفة المنفعة العامة عنها، بعد أن اتهمتها بالمس بالوحدة الترابية للمملكة، ومصالح ومؤسسات الدولة، واستهداف زعزعة النظام العام.
كانت مصالح الدول الأوربية، التي يرتبط معها المغرب بعلاقات سياسية واقتصادية على الخصوص، تتابع ما يحدث في المغرب الجديد الذي صوت المغاربة فيه على دستور2011 بكل الاحترام الذي أعطاه لحقوق الإنسان. ولذلك كان لا بد لهذه الأخطاء أن نؤدي اليوم ثمنها الغالي بعد أن تحركت أوربا لتهدد الاقتصاد المغربي بوقف شق من مبادلاته، ويهدد بعضها الآخر بسحب دعمه للملف المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.