للمرة الاولى يتحدث قائد وحدة الحرب الالكترونية في الجيش الاسرائيلي عن طبيعة عمل وحدته والأهداف التي تعاملت وتتعامل معها، وفي تقرير مطول نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، يلاحظ زائر الوحدة التي يدور الحديث عنها فور دخوله من البوابة الرئيسية، لوحة كبيرة تتباهى فيها الوحدة بالعمليات التي قام بها ضباط الجيش الاسرائيلي لرصد اهداف أو التشويش على اهداف الكترونية، وتبدأ القائمة بالحديث عن نجاح الوحدة في اختراق موجات بث قناة تلفاز المنار التابعة لحزب الله. سلاح لا يقتل وفي حديث للصحيفة العبرية، يقول قائد وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلية، الذي نعتته الصحيفة العبرية بالعقيد (أ) حفاظاً على سرية هويته: "مهمتي الاساسية في الجيش الاسرائيلي هي اصابة رأس اية جهة معادية بالصداع، ونستخدم لتحقيق هذا الهدف اسلحة غير تقليدية، ولا اقصد بذلك الاسلحة النووية أو الدمار الشامل، وإنما اعني السلاح الذي لا يقتل، فالعمليات التي اقوم بها لا تقتل ولا تصيب، وإنما تكمن الاصابة في توجيه الرأي العام المتابع لطرف معين الى وجهة نظر اسرائيل، وربما التشويش في كثير من الاحيان على ما يحاول الطرف الآخر اقناعه به، وينعكس ذلك بشكل مباشر على الامن والشعور والتفكير". ويضيف الضابط الاسرائيلي (أ)، أن معظم العمليات التي قامت بها وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلية ظلت حبيسة الادراج، وكان الهدف منها هو تعطيل أو تجميد عمل المنظومات الالكترونية التابعة للجيوش المعادية لإسرائيل أو التنظيمات الإرهابية، فالوحدة الاسرائيلية تتمتع بكفاءة تمكنها من السيطرة على أي جهاز يبث موجات الكترونية، كما تمكن هذه القدرة بحسب الضابط الإسرائيلي من التشويش على أجهزة بث الراديو أو التلفاز أو الهواتف النقالة وغيرها. اساليب العمل في وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلية، تم الكشف عنها خلال عمليات قليلة جداً، ومنها ما نُشر من معلومات غربية عام 2007 حول اصابة اجهزة رادار الدفاع الجوي السوري بالشلل التام، حينما قامت طائرات حربية بقصف ما وُصف بالمفاعل النووي السوري في منطقة دير الزور. وخلال حرب لبنان الثانية عام 2006، اخترقت وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلية اجهزة بث قناة المنار التابعة لحزب الله في لبنان، وكتبت على شاشتها رسالة موجهة لأمين عام الحزب حسن نصر الله، كان نصها: "ايامك اصبحت معدودة"، وخلال عملية "عامود السحاب" الاسرائيلية في قطاع غزة، سيطرت وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلية على محطات بث حركتي حماس والجهاد الاسلامي، وبثت عبر اثير المحطتين رسائل باللغة العربية، وجهتها لسكان قطاع غزة، جاء فيها: "أن حماس تلعب بالنار، وتراهن على مصيركم، أن الجيش الاسرائيلي يواصل تقدمه على مسار المرحلة الثانية من عملية عامود السحاب، فمن اجل امنكم ابتعدوا عن قواعد حماس وعناصرها". بنك المعلومات وبحسب الضابط الاسرائيلي، فإن اهداف وحدة الحرب الالكترونية، يتم رصدها والتعاطي معها كأي هدف في الحرب التقليدية، فيعتمد قادة تلك الحرب على "بنك المعلومات"، وعلى قائمة الاهداف التي ترى غرفة العمليات أنها باتت هدفاً لابد من المساس به أو رصده على الاقل، وتبدو ابسط اهداف الوحدة التي يدور الحديث عنها في التشويش على المعلومات التي تصل الى مواطني الطرف الآخر، خاصة المعلومات التي تحرض على الحرب ضد اسرائيل، وأضاف الضابط الاسرائيلي: "العالم الذي اعيش فيه هو التأثير على الطرف الآخر ومنعه من العمل". المنظومات التي يستخدمها الضابط الاسرائيلي والوحدة التي يقودها، تؤثر بشكل سلبي على كافة المنظومات العاملة في المسار الالكتروني، ومن الممكن أن يمتد تأثير تلك المنظومات على المدنيين الاسرائيليين، وكذلك اجهزة الرادار الاسرائيلية، ولذلك تقوم الجهات المعنية في الدولة العبرية بفحص كافة الجوانب التي قد تحمل اثراً سلبياً على اسرائيل، وقبل عملية عامود السحاب في قطاع غزة، تمكن الخبراء الاسرائيليون من تفادي الضرر الناجم عن منظومات وحدة الحرب الالكترونية، وانعكاساته على اداء منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية المضادة للصواريخ، كما أنه يتم تفادي الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين وأجهزتهم اللاسلكية.
ويعترف الضابط الاسرائيلي (أ) بأن الجيش الاسرائيلي، استثمر العديد من طاقاته في الحرب الالكترونية خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت موجهة في مضمونها العام للشبكات الالكترونية، معتمداً في ذلك على التسلل لأجهزة الحواسيب والمنظومات الالكترونية، وزرع الآلاف من الفيروسات الالكترونية التي تشل حركة أو عمل تلك المنظومات. وصادق رئيس اركان الجيش الاسرائيلي "بني غنتس" خلال العام الجاري فقط على مليار شيكل اسرائيلي، لدعم وحدة الحرب الالكترونية، في اطار خطة الموازنة السنوية للجيش الاسرائيلي، على الرغم من ذلك طلب القائمون على وحدات الحرب الالكترونية خاصة في مجال الشبكات دعماً مالياً اضافياً بلغ 2.5 مليار شيكل، الا أنه في اعقاب الازمة المالية الطاحنة، تضاءلت الموارد التي كانت مخصصة في السابق لدعم الحرب الالكترونية، إلا أنه رغم ذلك يتعهد قادة الجيش الاسرائيلي بتوفير الدعم المادي اللازم لأي جهد تكنولوجي يتم تقديمه. انعدام التنسيق وتُرجع الصحيفة العبرية ما وصفته بضآلة الاموال المستخدمة في دعم وحدات الحرب الالكترونية الاسرائيلية الى التكلفة المرتفعة نسبياً للمنظومات المستخدمة في تلك الحرب، فضلاً عن أن الدعم المالي بات كثيفاً لمنظومات الحرب الالكترونية التابعة لجهاز الموساد، فالاهتمام بالجهاز الاخير اكثر بكثير من الاهتمام بوحدات الحرب الالكترونية التابعة للجيش الاسرائيلي، ولعل ذلك كان سبباً في انعدام التنسيق بين تلك الوحدات وجهاز الاستخبارات الاسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية. على الرغم من ذلك يرى ضابط وحدة الحرب الالكترونية الاسرائيلي أن هناك عمليات اخفقت وحدته في التعامل معها بأسلوبها القتالي، ومن بين هذه العمليات فشل الوحدة التي يدور الحديث عنها في التشويش على سفينة المساعدات التركية "مرمرة"، ومنعها من بث معلومات لأية جهة حينما كانت في طريقها الى قطاع غزة، ونجح القائمون على السفينة في نقل الصور الحية لمداهمة الجيش الاسرائيلي للسفينة الى شبكة الانترنت عبر بث مباشر.
ويقول الضابط (أ) في حديثه للصحيفة العبرية: "تعلمنا الدرس جيداً من واقعة السفينة التركية "مرمرة"، فكاد المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أن يقبل قدمي لمنع بث تعامل جنود الجيش الاسرائيلي مع السفينة التركية، إلا أن مجالي كان بعيداً عن تمكني من النجاح في تلك المهمة". ويعتمد الجيش الاسرائيلي في حربه الالكترونية على منظومة يطلق عليها في اسرائيل اسم "الملك داود"، ولا يرتبط نشاط الحرب الالكترونية بالبر فقط، وانما يمتد الى البحر والجو ايضًا، كما يشمل الاعتماد على طائرات خاصة بالحرب الالكترونية وسفن تابعة لسلاح البحرية.