أمام زخف وباء كورونا، وحالة الارتباك والذهول التي بدأت تظهر لدى صناع القرار في مختلف الأقطار، بما فيها المغرب. وفي ظل ترقب وتوقع الموجة الثانية من الفيروس، وما تقتضيه هذه الوضعية من طرح جملة من الاستثناءات، خصوصا في القطاعات الاجتماعية الخدماتية كالتعليم والصحة. وأمام ما تقترحه الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم من سيناريوهات محتملة، سيناريوهات أقل ما يقال عنها أنها صعبة ومحفوفة بالمخاطر، في ظل استمرار الوضعية الوبائية المتزيادة المبهمة وغير المطمئنة بشهادة الجميع. خصوصا عندما يتعلق الأمر بأحد السيناريوهات الثلاث، وبالضبط ما يسمي بالتعليم بالتناوب بين الحضوري والتعليم عن بعد، وما يمكن أن يترب في حالة أجرأته من ارتباك في الايقاعات الزمنية ومدى استيعاب المقررات، والالتزام بتدابير الوقاية الاحترازية، والكل يشهد على الحالة الاستهتارية للجميع فيما يتعلق باحترام هذه التدابير المعقلنة، القادرة على وقف زحف هذا الوباء المخيف. كما أن الاستمرار في التعليم عن بعد، للمستويات الأولية، والابتدائية، والإعدادية، يواجه بإكراهات عديدة رغم أهميته البيداغوجية كخيار وحيد في الظرفية الراهنة، فصعوبة تحديد نسبة التفاعل والتقييم والتقويم المرتبط بتحقيق مختلف الكفايات المستهدفة من هذا النوع من تعليم الطوارئ تبقى ثابتة ولا جدال فيها! كما أن هذا النوع من التعليم، بالرغم من أهميته، فلا زال يطرح اشكاليات متعددة للأسر من حيث التتبع والفهم والادراك، ناهيك عن أثره النفسي والمادي المرتبط بالمستويات الاجتماعية للأسر المغربية، ووضعية كل أسرة اعتبارية كانت أم مادية! أما مقترحنا في هذا الباب، ومن باب الغيرة الوطنية ونكران الذات، والتمرس لسنوات في ميدان التدريس، وبحكم السلامة الصحية للجميع، واعتبارا لأهمية استمرار التعليم الدراسي للمستويات الأولية الابتدائية، نظرا لأهميتهما النفسية والعضوية للبراءة العمرية، والأسر المنهمكة بظروف العيش المتنوعة، نقترح هذا السيناريو، المتمثل في أهمية ووجاهة العمل على تأجيل الدخول المدرسي إلى فاتح نونبر في حالة استمر زخف خطر الوباء، والتفكير في تأمين التعليم الحضوري للتعليم الأولي والمستويات الأولى للابتدائي على أساس تعديل الزمن المدرسي وتقليص المواد حتى يتسنى وضع 10 تلاميذ(ت) في الفصل في اطار نظام الأفواج، خير من التعليم عن بعد لهذه الفئة، هذا مع التفكير وأجرأة تكثيف برمجة الرسوم المتحركة الهادفة لهذه الفئة في أوقات الذروة باللغات الرسمية والأجنبية حل استثنائي مهم. الاستثناء يحتاج دائما لسماع أفكار الاستثناء. فالاهتمام بتأمين التعلم لهذه الفئة البريئة والصغيرة يجب أن يكون أولوية قصوى للوزارة، في هذه المرحلة الحرجة. كما أن الأولويات درجات، وخيارات صعبة، في ظل صعوبة تحديد مسار تفشي الوباء، ليس في المغرب فحسب، وإنما في العالم بأسره، إذ أن الحفاظ على ركائز النظام الصحي وتجنيبه نكسة الانهار يعد أولوية الأولويات في المرحلة الراهنة والحساسة جدا، بالاضافة إلى الحفاظ على مناصب الشغل والقدرة على استمرارية الأنشطة الاقتصادية للحفاظ على مستوى معيشي متزن، يعد من الأهمية بمكان و أهم من مغامرة غير محسوبة العواقب مندفعة، يستحيل التنبؤ بمسار وأبعاد الاتجاهات التي قد تمضي فيها و إليها. ولعل أهمية التعليم عن بعد، في ظل الوضعية الحالية لا ينكر أهميته إلا جاهل، بيد أن مقوماته تحتاج لوعي جماعي، بداية بتزويد الطلبة والتلاميذ بحواسيب وأجهزة منتوعة للربط، مع العمل على تقليص الميزانية المخصصة للتجهيزات ليس في التعليم فقط، وإنما في كل القطاعات بهدف تحويلها لقطاع الصحة الذي يحتاج للدعم من كل الجهات. إذ، أن سلامة الجميع، وصحة الجميع في زمن الوباء، أمر لا يحتاج لمزايدات أحد، ولا للوقوف كثيرا عند الهفوات التي تعد طبيعية جدا في فترة الطوارئ المباغتة، فالوطن أغلى، والمواطن السليم أمل المغرب وهو القادر على تحدي هذا المصاب المؤلم! وفي حالة تطبيق سيناريو التناوب، فذلك يقتضي تحديد الفئة العمرية القادرة على التأقلم مع هذا التعليم المكلف نفسيا بالدرجة الأولى للأسر والمستهدفين منه بالدرجة الثانية، ناهيك عن التكلفة والإكراهات المرتبطة بالعتاد و الوسائط التكنولوجية ومدى معرفة وإمكانية الوصول إليها بالنسبة لكل أبناء الأسر المغربية. ولعل هذا النوع أو السيناريو التناوبي، يمكن تطبيقه في حالة استمر الوباء بالزحف، مع طلبة الجامعات والمعاهد، ومراكز التكوين بمختلف تخصصاتها. وفي حالة التحكم في الوضعية الوبائية، فالكل يرغب للعودة لمقاعد الدراسة والعمل الطبيعي الذي لا يقدر بثمن، وهذا ما يترجاه الجميع في هذه الفترات العصبيبة، أما وإن استمر زحف الوباء، فالعقل عليه أن يتجنب التسرع والدخول في مقامرة، فسنة بيضاء، خير من قرار قد تكون له تبعات سوداء لسنوات طويلة. ولعل الخطاب الحكيم لجلالة الملك محمد الساس حفظه الله، حول الاستعداد لموجة ثانية للوباء، لدليل عل حكمة تعدد الخيارات والاستعداد لجميع الاحتمالات كيفما كانت. ووف الختام نتمنى من الله السلامة للجميع، ولملايين الأطفال والأمهات والآباء، ونتطلع خيرا لموسم دراسي يراعي المسألة الصحية وسلامة الجميع قبل كل شيء.