لم يكن كورونا سببا في فقدان الرمزية والمكانة التي يحظى بها العيد في نفوس المغاربة، فالاستعدادات تجري على قدم وساق لاستقبال هذه المناسبة التي تحط الرحال في منازلنا كل عام، لم تتوقف الأمهات من صنع الحلوى التي تفوح منها رائحة الحب والتي عادة ما تكون من بين الأشياء التي نشتاقها من عيد إلى آخر. لم تتوقف أمي عن طقوس العيد هي الأخرى، وهذا خير دليل على أن العيد لا يعتبر حدثا عابرا لدى الأمهات المغربيات، لقد باشرت أمي تحضيراتها حتى قبل أن تعلن وزارة الأوقاف الإسلامية عن ثبوت رؤية الهلال، و بالتالي يوم عيد الأضحى، سارعت لتحضير "سطل الحلوى" الذي يكون أكبر معادلة لا نعرف حلها أنا وأخواتي وجل المغاربة إن صح التعبير، لأنه بمجرد أن تضع عليه أمي اللمسات الأخيرة يختفي بسرعة البرق دون أن
يدري أي واحد منا النفق الذي خزنته فيه أمي، ومتى حفرته وأين وكيف وبأي وسيلة، والغريب أن ما لاحظته عند تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام التي تعلن عن اقتراب العيد أن الكثير من المغاربة يحتفلون بالانتصار على "سطل الحلوى" الذي سيكون بفضل كورونا وجبة لهم في عشية العيد التي عادة ما يصاحبها ملل وحدهم المغاربة من يعرفون طبيعته.
متأكدة أن أمي كجل الأمهات، ومهما عبر المغاربة عن انتصارهم "لسطل الحلوى" فلن تدعه نبع الحنان بين أيديهم بتلك البساطة، وربما ستفعل جل الأمهات كما تفعله أمي، صحن فيه حلوى بعدد أفراد العائلة لكل واحد حلوى لا غير.
رغم كل هذا، لن يمنعنا كورونا نحن المغاربة من الاستيقاظ يوم العيد قبل أن تلوح الشمس بأشعتها ورغم كوننا نعلم أتم العلم أن لاصلاة في زمن كورونا فسنستيقظ كي نتجهز ونتعطر للعيد وليمت كورونا.
لن يمنعنا الكورونا من القبل والأحضان التي تعتبر ميزة خاصة للعيد، ولو مر دونهما فلا يمكن أن يلقب بهذا الاسم إطلاقا.
لن يمنع كورونا النساء من الاعتكاف في الأسواق لشراء مستلزمات العيد من أوان وتوابل ومقبلات وغيرهما، والتي عادة ما يحلو للأمهات مرور العيد دون تواجد كل تلك الأشياء التي لا محيد عنها.
رغم أنف كورونا، فان شراء ملابس العيد لكل أفراد العائلة أمر لا يمكن الاستغناء عنه في بلد اسمه المغرب، تلك الملابس التي عادة ما تكون ملابس تقليدية تدل على الاختلاف والتنوع التي يعرف بها بلدنا الحبيب. رغم كورونا لن يمنع الأطفال من اللعب ولو كان ذلك في أواسط المنازل أو داخل البهو والغرف أو حتى في أعالي الأسطح. رغم كل هذا فإننا سنشرب الشاي، مع القليل من "الفقاص"، وتحت أهازيج الطرب الأندلسي التي تبثه قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
أن يجتمع العيد هذه السنة مع وباء فتك بالعالم وباقتصاده سابقة لم يسبق للبشرية أن شهدت مثلها، لكن رغم كل الضحايا التي حصدها كورونا ومازال يفعل فمسلمو العالم لن يتخلوا عن هذه المناسبة الدينية التي لا تتكرر كل يوم، وبقدر ما يؤلمنا أن نسمع كل يوم سقوط المزيد من الأرواح وتسجيل المزيد من الإصابات، بقدر ما نرفع الأكف لله داعين أن ينتهي هذا الكابوس في اقرب وقت إن أمكن ذلك، و تنتهي معه معاناته ومحنه التي أبعدت عائلات عن ذويهم.
ربما تغيب الضحكات والابتسامات، قد تتأجل القبل و الأحضان، لكن تظل جائحة كورونا من بين الأشياء التي ستجعلنا نتذكر هذا العيد صبيحة كل عيد آخر سيأتي مستقبلا. وسنحكي للأجيال القادمة عنه.
ربما أصبح جل ما نرجوه حاليا أن يكون هذا العيد آخر مناسبة يحظر فيها معنا أي وباء كيف ما كان. لأننا وصلنا إلى نقطة بلغ فيها السيل الزبى، فما عادت أحلامنا سوى أن نعود إلى حياة اشتقناها تحضننا بحب دون خوف و لارعب