إن تحليلي لموضوع التعليم عن بعد في المؤسسات التعليمية الخصوصية بين تحمل المسؤولية والالتزام بالواجب سأنطلق فيه من مقال صادر في جريدة (أخبارنا المغربية الالكترونية) للأستاذ المحامي مروان أغرباوي تحت عنوان:" هل يحق لأولياء الأمور قانونا الامتناع عن أداء واجبات التعليم الخصوصي بعد توقف الدراسة الحضورية" إن بناء هذا المقال على ما أورده الأستاذ المحامي ليس هو رد عليه بقدر ما هو إيضاح لبعض الملابسات التي تلتبس على ذهن القارئ والمتابع للحقل التعليمي.
إن المحامي الفاضل قد حاول جاهدا أن يجد حلاّ توافقيا لهذه النازلة المتمثلة في أحقية أولياء الأمور قانونا الامتناع عن أداء واجبات التعليم الخصوصي بعد توقف الدراسة الحضورية، غير أنه ركز بالأساس على مراعاة الجانب المصلحي لأولياء التلاميذ باعتبارهم أحد المتدخلين الأساس في الحياة المدرسية، مع تجاهل تام لمصلحة باقي المتدخلين وعلى رأسهم أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة وأساتذتها وأطرها الإدارية، أو بمعنى آخر ، العائلات المتصلة بالمؤسسات التعليمية.
والواقع أن الأستاذ صاحب المقال، ومن يمكن أن يسير في فهمه، لم يستحضر كل الحيثيات والواقع الأخلاقي والقانوني والإنساني، مما جعل الحكم الناتج عن هذا الفهم يفتفد إلى المصداقية من أوجه عدة، أهمها:
-إن الدراسة لم تتوقف وإنما استبدلت بدراسة عن بعد وفق ما جاء في البلاغ الصحفي الذي أصدرته الوزارة جراء اجتياح وباء كورونا ( كوفيد 19) لبلادنا حيث جاء فيه ما يلي :" في إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى الحد من العدوى وانتشار كورونا 'كوفيد 19) ، تعلن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أنه تقرر توقف الدراسة بجميع الأقسام والفصول انطلاقا من يوم الاثنين 16 مارس 2020 حتى إشعار آخر ... وإذ لا يتعلق الأمر بتاتا بإقرار عطلة مدرسية استثنائية ، فإن الدروس الحضورية ستعوض بدروس عن بعد تسمح للتلاميذ والطلبة والمتدربين بالمكوث في منازلهم ومتابعة دروسهم عن بعد."
وتبعا لهذا البلاغ، لم تتوقف أغلب المدارس الخصوصية عن تقديم دروسها لتلاميذها، وإنما جندت أطرها لتمكين المتعلمين من التحصيل الذي يستوعب الكفايات الواجب استيعابها وفق استعمال زمني أسبوعي منظم يتم بفضله تجاوز تداعيات التحصيل عن قرب وبحضور جسدي للتلاميذ، وقد أثبتت التجربة بشهادة الأولياء والتلاميذ والأطر نجاعة ذلك.
-إذا كانت الفقرة 2 من المادة 4 من قانون 00.06 بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخصوصي تنص على ضرورة التزام هذه المدارس كحد أدنى بمعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة في التعليم العمومي، فإن المدارس الخصوصية لم تخلّ بالتزاماتها وقدمت دروسها وفقا للمناهج التربوية المقررة من طرف الوزارة وبشهادة الآباء أنفسهم وشهادة المسؤولين عن القطاع.
-إذا كانت الفقرة 2 من المادة 8 من القانون 00.06 المذكور والتي تنص على أنه " يجب على هذه المؤسسات تهيئ تلامذتها وترشحهم لاجتياز نفس الامتحانات المنظمة لفائدة التعليم العمومي عند نهاية كل سلك تعليمي." فإن المدارس الخصوصية ومثيلاتها العمومية وخلال فترة الحجر الصحي لم تفتأ عن تهيئ التلاميذ بمختلف المستويات الدراسية للامتحانات المنظمة في آخر السنة الدراسية، ولا يمكن الاحتجاج على المدارس الخصوصية بكونها تقدم دروسا نظرية وبالتالي لم تف بالتزاماتها الأخرى المتجلية في مراقبة التلاميذ لمدة تصل إلى 9 ساعات يوميا، والذي يجب أن يعلمه المتابع للحقل المدرسي في شقه الخصوصي، أن هذه المدارس ليست دور حراسة (Garderies ) بل هي مدارس تعليمية يتم فيها تلقين التلاميذ وتعليمهم وتربيتهم وفق ما هو معمول به في المدارس العمومية، ولو كانت مهامها تنحصر في الحراسة لما شملها قرار الوزارة بإيقاف الدروس الحضورية واستبدالها بالدروس عن بعد.
-أما فيما يتعلق بالتجارب المختبرية فإن أغلب المدارس الخصوصية قد عوضت هذه العملية بتقديم التجارب للتلاميذ بواسطة الفيديوهات التي يتم تصويرها من طرف أستاذ المادة المعنية بمختبر المدرسة ويقوم بالتجربة مع الشرح المفصل ويبعثه لتلامذته بواسطة الوسائل الالكترونية المتاحة لهم، مطالبا إياهم بالمشاهدة وتدوين ملاحظاتهم واستفساراتهم مع النتائج التي وصلوا اليها ثم يبعثونها له لتقييمها وتحديد الإجابة الصحيحة.
-أما فيما يتعلق بمسألة تقويم مكتسبات المتعلمين عن طريق التمارين، فإن الأمر بديهيا لأن التدريس عن بعد وفر جميع الإمكانات لإنجاح التقويم بمختلف أنواعه تشخيصيا كان أم تكوينيا أم إجماليا، مع جعل الإجابات الصحيحة بخصوص التقويمات والتمارين المبرمجة في متناول جميع التلاميذ.
-إن الرد على مسألة عدم استغلال التلاميذ في ظل جائحة كورونا لمرافق المؤسسة يعود في الأساس إلى ظرف قاهر فوق طاقة المؤسسة، وذلك ضمانا للسلامة والصحة العامة، باعتباره أهم مبدأ ترتكز عليه السلطات العامة، لكونه من أهم مبادئ القانون الإداري وتعمل على تحقيقه، ولا دخل للمؤسسات التعليمية الخصوصية في ذلك.
- أما فيما يخص القراءة المنطقية للمادة 2 من الفصل 235 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها: " ... عندما يكون التنفيذ واجبا لصالح عدة أشخاص يجوز للمدين أن يمتنع من أداء ما يجب لأي واحد منهم إلى أن يقع الأداء الكامل لما يستحقه من التزام مقابل." فنجدها تتعلق بالدائن الذي يمتنع دون سبب أو قوة قاهرة أو ظروف استثنائية عن الإيفاء بالتزاماته كاملة، أما ونحن أمام ظرف قاهر خارج عن إرادة الجميع، فلا يجب الرجوع إلى تنزيل مقتضيات نص هذا الفصل، وإنما يجب اعتماد مفهوم المخالفة الذي يجعل أغلب هذه المؤسسات قد أوفت بالتزاماتها.
وفي الأخير، يجدر التنبيه إلى أنه يجب استحضار معطى مهما يتمثل في كون المؤسسات التعليمية الخصوصية مسؤولة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الأطر والمستخدمين العاملين بها من خلال تمكينهم من كافة حقوقهم وأجورهم، لأنهم يؤدون واجباتهم تجاه المتعلمين –خلال فترة الحجر الصحي – بكل تفان وإخلاص، وبالتالي لا يجب على هذه المؤسسات أن تتحايل بالتملص عن واجباتها تجاههم، كما لا يجب أن يتملص الأولياء عن أداء واجباتهم تجاه المدارس الخصوصية.
وبما أننا في وقت حرج يحتاج إلى التضامن، فيجب أن نتلاحم جميعا للنهوض بتعليمنا بفكر يجمع بين تحقيق مصلحة المتعلمين ومصلحة الشغيلة في هذا القطاع، ثم مصلحة أصحاب هذه المدارس، تشجيعا لفكرة وأولوية الاستثمار الأخلاقي والفعال الذي ما فتئ ينص عليه صاحب الجلالة نصره الله وأيده.