لا يخفى على أحد أن المغرب يمر من مرحلة صعبة كباقي الدول التي انتشر فيها وباء كورونا ، كما لا تخفى علينا جميعا طريقة تعامل المغرب مع هذه الجائحة، التي اتسمت بالصرامة والحزم، حيث أعطى الملك محمد السادس تعليماته السامية لكل وزارة باتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة لحماية المواطنين وتجنيبهم كارثة صحية، ومن بين هذه الوزارات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني و التعليم العالي والبحث العلمي، التي أبانت على حنكة في تدبير هذه المرحلة الحرجة باتخاذ إجراءات صارمة ومهمة من بينها وقف الدراسة الحضورية وتعويضها بالدراسة عن بعد، إن قرار استكمال الدروس عن بعد قرار شجاع ومناسب لهذه المرحلة، لكنه يتطلب تكاتف جهود جميع المتدخلين في القطاع، وعلى رأسهم الأساتذة والمعلمين والأطر الإدارية، في البداية وقبل التطرق إلى إكراهات التعليم عن بعد، دعونا نعطي توصيفا لهذه العملية التعلمية. يعرف التعليم عن بعد بأنه طريقة من طرق التعلم الحديثة، الذي يعتمد على وسائل التكنولوجيا المتطورة الرقمية، التي تلعب دور الوسيط بين المعلم والمتعلم، ويكون دور التكنولوجيا قويا في تخطيط وتحضير وتوصيل الخدمة التعليمية، ومعلوم أن في عصرنا هذا العديد من الدول قررت اعتماد هذا النوع من التعليم، إما لظروف طبيعية أو اقتصادية أو سياسية أو صحية، وعندما قرر المغرب الاعتماد على هذه الطريقة وتجنيب البلاد كارثة صحية ، الوزارة الوصية أعدت مجموعة من الوسائل الرقمية والدروس السمعية والبصرية التي ستساعد التلاميذ على الفهم واستكمال مقرراتهم، لكن هل التلميذ المغربي على وعي بهذه المسؤولية الملقاة عليه؟ هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المجال، لكننا سنتطرق فقط إلى إكراهات التعليم عن بعد، ونخص هنا المدارس الخصوصية، لا يخفى على أحد أن المحور الرئيسي في عملية التعليم هو المعلم و الأستاذ، لأنه يعتبر حلقة وصل بين الدرس والمتعلم ، إذا اقتنع المربي بهذه الطريقة ستكون عملية ناجحة، لكن الإكراه الأول الذي كان في الاسبوع الأول هو أن المعلم لم يكن مقتنعا بهذه الوسيلة، مبررا ذلك بأن التلاميذ لا ينتبهون، كما لا يمكنه ضبط القسم الافتراضي، أمل الإكراه الثاني، ويتمثل في أن العديد من الأساتذة، وليس الكل، لا يجيدون استعمال الوسائل الحديثة، وهذا بحد ذاته إشكال كبير يعيق العملية التعلمية عن بعد، لهذا قررت بعض الإدارات التربوية للمؤسسات الخصوصية، والتي تبحث دائما في تقديم منتوج جيد للتلاميذ ولأولياء أمورهم، هنا سوف نسلط الضوء عن تجربتين كنت شاهد عيان عليهما، الأولى كانت حسنة التنويه، والثانية كانت فاشلة، التجربة الأولى عند صدور مذكرة من الوزارة الوصية بتوقيف الدراسة الحضورية وتعويضها بالتعليم عن بعد، قررت المؤسسة في اجتماع مجلس تدبيرها اتخاذ مجموعة من التدابير من بينها إنشاء مجموعات على تطبيق الواتساب تحت إشراف الإداريين والأساتذة، مكونين لهيئة التدريس في كيفية إنشاء مقاطع فيديو تعليمية، مع الاتصال بأولياء أمور التلاميذ من أجل حثهم على مساعدة أبنائهم والوقوف بجانبهم في هذه الظروف العصيبة، وهنا نحيي جميع الأمهات اللواتي سهرن على إنجاح هذه العملية، فيما التجربة الثانية فقد كانت فاشلة بجميع المقاييس، حيث أن الإدارة طلبت من التلاميذ إنشاء مجموعة خاصة بهم، وإدخال الأساتذة وإدخال أناس آخرين، وهذا أدى إلى فقدان هذه العملية أهدافها الحقيقية، حيث أصبحت هذه المنابر فضاءات للسخرية والاستهتار بالوقت البيداغوجي للتعليم، إن جائحة كورونا أعطت الفرصة لأولياء الأمور للإطلاع على المنتوج التعليمي المقدم من طرف المؤسسات الخاصة، فهي مرحلة يمكن القول عنها كشفت طبيعة المنتوج التعليمي المقدم من طرف هذه المؤسسات التعليمية الخصوصية، وكذلك مستوى المتدخلين في هذه المؤسسات، وهي كذلك فرصة للوزارة الوصية كذلك للوقوف على مكامن الخلل في المنظومة التعليمية عموما، و التعليم الخصوصي على وجه الخصوص، لابد من أخذ العبرة من هذه الجائحة التي ضربت العالم في وقت قياسي وغير متوقع، لابد للتعليم المغربي أن يراجع عدة سياسات، وخاصة منها التكوين المستمر لهيئة التدريس في المجال الرقمي، على وزارة التربية الوطنية أن تعمم التكوين الأساس لجميع المترشحين للعمل في المدارس، سواء المدارس العمومية أو الخصوصية، يجب أخذ العبرة من هذه الجائحة في تقوية التعليم المغربي على المدى المتوسط والبعيد، لتكوين جيل رقمي مساير و محصن من أي أزمات قادمة، ولكي تربح الرهان في تكوين جيل من التلاميذ قادرين على مواكبة جميع العلوم الحديثة والمتطورة. * أستاذ باحث