كرواتيا تشيد بريادة جلالة الملك بصفته رئيسا للجنة القدس    ملاحظات أولية حول إحاطة ستيفان دي ميستورا.. بقلم // يونس التايب    عمال الجماعات المحلية يعلنون إضرابا واحتجاجا أمام البرلمان بسبب تجاهل مطالبهم    المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة ينظم يومًا مفتوحًا لفائدة تلاميذ وطلبة جهة الشمال    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    بنكيران: نريد ديمقراطية حقيقية في المغرب والتحكم الذي كان في زمن البصري مازال موجودا    مراكش.. رصاصة تحذيرية توقف سجيناً حاول الفرار من نافذة المستشفى    حادثة سير خطيرة تودي بحياة شاب بأكادير    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    مراكش.. إطلاق الرصاص لإحباط محاولة فرار شخص يقضي عقوبة حبسية أثناء تواجده بالمستشفى    الركراكي يكشف تفاصيل محاولة استقطاب لامين يامال قبل اختياره تمثيل إسبانيا    هذه هي توقعات الذكاء الإصطناعي حول نتيجة مباراة بين أرسونال وريال مدريد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على أداء إيجابي    رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو لتعزيز الطلب المحلي في مواجهة التوترات التجارية مع واشنطن    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    نبيل باها: تأهل أشبال الأطلس للنهائي "فخر كبير"    حكيمي: "الحقيقة أننا لا نهتم بهوية منافسنا.. لأنه للفوز بدوري أبطال أوروبا عليك أن تواجه الأفضل"    المنتخب الوطني المغربي للمواي طاي يشارك ضمن فعاليات البطولة الإفريقية بطرابلس    شهادة مؤثرة من ابنة مارادونا: "خدعونا .. وكان يمكن إنقاذ والدي"    بين وهم الإنجازات وواقع المعاناة: الحكومة أمام امتحان المحاسبة السياسية.    "Prev Invest SA" تنهي مساهمتها في رأسمال CFG Bank ببيع جميع أسهمها    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب أستراليا    وقفات احتجاجية في مدن مغربية ضد التطبيع واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    مطالب متجددة بوقف استخدام موانئ المغرب لرسو "سفن الإبادة"    مغاربة عالقون في السعودية بدون غذاء أو دواء وسط تدهور صحي ونفسي خطير    الذهب يصل لذروة جديدة بفضل ضعف الدولار ومخاوف الحرب التجارية    "أورونج المغرب" تَعرض جهازاً مبتكراً    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة وشركة "نوكيا" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الابتكار المحلي    أسعار المحروقات تواصل الارتفاع رغم تراجع أسعار النفط عالميا    "جيتيكس إفريقيا".. توقيع شراكات بمراكش لإحداث مراكز كفاءات رقمية ومالية    ابنتا الكاتب صنصال تلتمسان من الرئيس الفرنسي السعي لإطلاق سراح والدهما المسجون في الجزائر "فورا"    الملك محمد السادس يهنئ دانييل نوبوا أزين بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لجمهورية الإكوادور    أسعار صرف العملات اليوم الأربعاء    المغرب يعزز درعه الجوي بنظام "سبايدر".. رسالة واضحة بأن أمن الوطن خط أحمر    مؤسسة الفقيه التطواني تنظم لقاء مواجهة بين الأغلبية والمعارضة حول قضايا الساعة    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كورونا والحاجة إلى الإنسجام مع الطبيعة
نشر في أخبارنا يوم 26 - 04 - 2020

لعل الدعوة إلى السيطرة على الطبيعة عن طريق دراستها بغية فهم القوانين المتحكمة فيها، خلال العصر العلمي والتقني الحديث، خاصة مع الفيلسوف رني ديكارت والعالم فرنسيس بيكون، كانت دعوة تحمل في طياتها رسالة مبطنة مفادها أن المقصود هو التحكم في الإنسان. لقد ساءت العلاقة بين الإنسان والطبيعة، بحيث تحولت نظرة الإنسان التي كانت ملؤها الإنبهار والسحر بجمالها وعظمتها، كما سادت مع علماء الطبيعة الأوائل أمثال طاليس وأنكمندرس وأنكسمانس، إلى نظرة تتحكم فيها الرغبة في إحكام السيطرة عليها وجعلها مطية ومدخلا لإحكام سيطرة الإنسان على الإنسان. كيف ذلك؟

إعتبر ديكارت أن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ودعا فرنسيس بيكون إلى رفض الأوهام التي تمنع العقل من الوصول إلى الحقيقة؛ هكذا تم تدشين مرحلة جديدة خلال العصور الحديثة تنبني على سلاح العقل والعلم. وبدأ السباق حاميا نحو تشجيع تطبيق نتائج واكتشافات العلم على الطبيعة، مما مهد لظهور التقنية، الأمر الذي سوف يساهم في الزيادة من دوران الدورات الإقتصادية، وبالتالي من تراكم الرأسمال وتدفق فائض القيمة. هذا التراكم سوف يحتاج إلى متنفسات جديدة ومساحات أخرى من أجل السعي وراء توسيع هامش الربح عبر تدشين أسواق جديدة. فشرعت الشعوب المتحضرة الحاملة لقيم العقل والعلم، والمؤطرة سياسيا واجتماعيا من طرف مفكري الأنوار، في شن الحروب على الشعوب الأقل إستفادة من العقل والعلم والأكثر انسجاما مع الطبيعة، فكانت أول نتائج إستفادة الإنسان من تطبيق نتائج العلم على الطبيعة وظهور التقنية هو استعباد الشعوب المتحضرة للشعوب الأقل تحضراً. لقد قال الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل سير "إن التحكم الديكارتي يؤسس العنف الموضوعي للعلم كاستراتيجية مُهَدِّدَة".

كان السباق نحو تجهيز العدة لمواجهة الإنسان أكثر من تجهيزها لمواجهة الكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة، بل إن فكرة السيطرة على الطبيعة تحولت في واضحة النهار إلى الإستعانة بما توفره الطبيعة من قوة لإحكام السيطرة على الإنسان. فبدل أن يتم توجيه العلم نحو إكتشاف الحلول للمشاكل التي تواجه الإنسان، تم توجيهه نحو الوصول إلى أكثر الأسلحة فتكا بالإنسان، وكان السباق نحو التسلح أكثر بكثير من السباق نحو المنجزات العلمية بخصوص مرض الإيدز مثلا أو مرض السكري. إن جميع الدول اليوم، سواء متقدمة أو سائرة في طريق النمو أو ليست كذلك، تجدها تستعد للحرب، ولما نقول ذلك، فإننا نقصد بطبيعة الحال الحرب ضد الإنسان، وليس الحرب ضد التحديات التي يواجهها الإنسان. فبالرغم من تقدم الإنسانية وحجم التنظيرات بخصوص تقنين العلاقة مع الطبيعة، وجعل التحكم فيها منضبطا، يبقى إنسان المجتمع الصناعي صاحب النزعة الكلية الإستبدادية جائرا في علاقته بها، لأنه عن طريق ذلك يستطيع أن يخضع أخاه الإنسان. يقول هربرت ماركوز صاحب كتاب الإنسان ذو البعد الواحد "النزعة الكلية الإستبدادية ليست مجرد شكل حكومي أو حزبي نوعي، وإنما تنبثق بالأحرى عن نظام نوعي للإنتاج والتوزيع متوافق تمام التوافق مع تعدد الأحزاب والصحف ومع انفصال السلطات".

إن إستثمار الإنسانية في العلم انعكس بشكل إيجابي جدا على حركة التصنيع، وبفضل إغراءاتها حولت العلماء إلى عمال لديها، الأمر الذي ساهم في توسيع دائرة الإستهلاك، وتحول كل شيء إلى منطق البضاعة له قيمته التبادلية في سوق السلع ، بما فيه الإنسان. لم تعد الأبحاث العلمية لها قيمة أخلاقية تتجلى في خدمة الإنسانية، ولم يعد من مهامها النبيلة تفسير الوجود الطبيعي أو الإجتماعي للإنسان، بل أصبح هدفها هو السيطرة على الإنسان. فالدراسات والبحوث الإجتماعية المرتبطة بالإشهار وفهم السيكولوجية الإجتماعية للزبائن أكثر بكثير من الدراسات المنجزة حول ظاهرة الإنتحار. لقد زاغت العلوم في شقيها سواء الحقة أو الإنسانية، عن أهدافها النبيلة واتجهت نحو استعباد الإنسان بدل تحريره كما بشر بذلك مفكرو الأنوار التعبير السياسي والإجتماعي للعقلانية الغربية.


إن الأزمة الحالية التي يمر منها العالم بسبب تفشي فيروس كورونا، هي ربما سوف تكون بمثابة تذكير للإنسان بأن تلك الصواريخ العابرة للقارات، وتلك المدافع، والدبابات، الذكية منها والغبية، سوف لن تفيد في مواجهة كائن غير مرئي، استطاع أن يشل حركة العالم وينجز في ظرف وجيز ما لم تستطع أن تنجزه حروبا مشتعلة منذ مدة طويلة في مجموعة من بقاع العالم. ينبغي أن نصالح العلم مع أهدافه النبيلة المتمثلة في خدمة الإنسانية بالدرجة الأولى وأن نحسن علاقتنا بالطبيعة وبالإنسان لأن من خلالهما ومعهما نقتسم نفس القدر؛ إننا في حاجة إلى علم يدعو إلى الإنسجام والتناغم مع الطبيعة وتجاوز الدعوة إلى السيطرة عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.