كعادتي أتصفح بعض الجرائد الالكترونية أثار استغرابي خبر نشر مؤخرا مفاده أن منظمة الأغذية والزراعة "فاو" قد كشفت معطيات صادمة، تضمنها التقرير الأخير للمنظمة حول حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم، و هي أن حوالي مليونين من المغاربة يعانون الجوع.و أقرت هذه الأخيرة بأن المغرب احتل مرتبة متأخرة في محاربة الجوع في شمال إفريقيا. و هذا الخبر الصادم لم تتناوله وسائل إعلامنا المضللة و المغرضة التي لا تناقش بموضوعية و مصداقية القضايا الهادفة ولا المشاكل اليومية التي يتخبط فيها المواطن المسكين, بل من خلالها يتضح أن المغرب و لله الحمد لا يعاني أية أزمات أو مشكلات من هذا القبيل, و المواطن المغربي "واكل شارب خاصو غير النشاط" و لهذا السبب تكثر الدولة من المهرجانات و الحفلات, و تتناول كل ما يزين المغرب و ينمق صورته في حين تغرق أمتنا في مشاكل عويصة جمة على رأسها الجوع و البطالة و السكن و هلم جرا. فإن “كاد الفقر أن يكون كفرا”، كما يقال. فإن الجوع ونقص الغذاء هو الكفر بذاته، فكثيرة هي الأسر التي تعاني من النقص في الغذاء، ومن شدة الفقر والحاجة، قد يصبر فيها المرء على حاجيات عدة، وقد يؤجل مطالب متعددة في حياته، ولكنه لا يصبر على الجوع, الذي يدفع الإنسان لارتكاب كل ما لا يخطر على بال بشر لتأمين لقمة العيش،و الذي يعتبر أصل كل الانحرافات والفتن والجرائم التي تهدد أمن واستقرار المجتمع ككل. فالسؤال الذي يطرح هنا وأمامه علامة استفهام ضخمة, ما هي أسباب هذه الآفة الفتاكة؟ وما ذنب الفقير حتى يتغذى على القمامة؟ فبطبيعة الحال يرد المسؤولون المغاربة أسباب تفاقم هذه الأزمة إلى الظروف والعوامل الطبيعية و يحملونها مسؤولية النقص الغذائي الذي يلوح في المغرب ,كما يحملون المدرس مسؤولية فشل المنظومة التربوية, لأن الصانع الغير ماهر عادة ما يلوم أدواته. فالكل يعرف أن بلدنا يتوفر حاليا على ثروات اقتصادية وطبيعية وبشرية هائلة, لكن سوء توزيع الثروات بين مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، وتعميق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين، لها وقع حاسم على أزمة النقص الغذائي, وذلك نتيجة سياسة اجتماعية غير عادلة،وهشاشة اقتصادية وإقصاء اجتماعي, والكل يولد الفقر. فمتى يتوقف هذا النزيف غير الإنساني في قرن أصبح فيه الحيوان يمتلك من الحقوق الكثير، وتقام له المؤتمرات، وتتفاعل لأجله النقاشات على مستوى جد عال. إننا بصدد البحث عن إجابة لسؤال عالق، كان الأجدر بنا طرحه على الحكومة التي تعلم أن الإنسان في الشارع أصبح يتغذى على المزابل مثله مثل القطط والكلاب المتشردة، ويفترش الأرض ويلتحف السماء, ومع ذلك لا تعير اهتماما لذلك، ألا تستحيون من هذه المناظر المؤلمة يا أصحاب الكروش؟و يا من تتهافتون على حلويات الملك؟أليس لهذا المواطن الحق في العيش الكريم الذي يضمنه الدستور؟
و نتيجة لكل هذه الأسباب و الذرائع التافهة التي يقدمها الغير مسؤولون يبقى المواطن المغربي اليوم يعاني كثرة الهم و التأزّم النّفسي بسبب معاناته، فلا مشاكله حلّت، ولا السلطة قدّرت صبره, ولا جمعيات حقوق الإنسان تفاعلت معه أو حتى أنصتت له، ولا خبرة الجوع والمرض والتّشرد والموت نفعوا. فالرجاء إقامة مدافن جماعية للاحتفال بالجوع في المغرب.