برعاية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، دأبت الجماعة الترابية مولاي عبد الله بإقليم الجديدة على احتضان موسم الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، والذي انطلقت نسخته الحالية في 19 من يوليوز الجاري وستمتد لغاية 26 منه، وذلك رجوعا بالموسم لأصوله وعاداته والتي تقضي باختتامه يوم جمعة تبركا وتيمنا. موسم مولاي عبد الله يعد ركيزة من الركائز الأساسية في الموروث الثقافي الوطني المادي واللامادي، بحيث غدا من أهم التظاهرات الدينية و الثقافية على الصعيد الوطني، وموعدا لآلاف من الزوار من مختلف قبائل دكالة ومن خارجها للإحتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار، فمن هو مولاي عبد الله أمغار؟
هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن محمد وينتهي نسبه إلى عبد الله بن إدريس على ما حققه صاحب السلوة، و أمغار كلمة إذا أطلقت في الأمازيغية يقصد بها كبير القرية أو القرى الذي يقوم بشؤونها وينظر في أمورها، ولكنها هنا تدل على معنى الأب الأكبر وهو الجد مع ما تلمح إليه الكلمة من معنى التفضيل المعنوي أيضا، كما هو الشأن في كلمة الشيخ في اللغة العربية سواء بسواء.
مولاي عبد الله أمغار أو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن محمد، اسم لامع طار صيته في الأفاق وأشارت إليه الأصابع بالخير، ونطقت به الألسن بفضله وورعه، وسجلت أقلام العلماء العارفين مراحل حياته التي أمضاها في العلم والتربية والجهاد والخلوة، وشهد الخواص له ولأولاده بمرتبة البدلية فأطلقوا عليه اسم: "أبي البدلاء".
ابتداء أمره: كان أبو عبد الله قد تربى في أحضان والده فورث عنه العلم والصلاح وبعد وفاة والده أخذ أمره يظهر، وشرع في نشر العلم والدين وتلقين مبادئ السلوك وتربية النفوس فكان عنده طلبة ومريدون فكان في وقته رئيس الطائفة الصنهاجية. وقد ذكر ابن قنفد أنه حضر في مواطن عدة في مجامع الطوائف التي وجدها بالمغرب أيام توليته القضاء بدكالة فذكر من بين هذه الطوائف الطائفة الصنهاجية. وقد ركن أبو عبد الله أمغار تربيته على إتباع السنة وملازمة العيش الحلال والمجاهدة. فقد قال ولده أبو عبد الخالق لإخوته: أتدرون بما زاد والدكم على صلحاء المغرب؟ قالوا لا، فقال ما فاتهم بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام، وإنما فاتهم بإتباع سنة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان إذا صلى العتمة لم يتحدث إلى أحد، للنهي الوارد في ذلك، فكان إذا لم يجد طعاما نام ولم يكلم أحدا. وحكى عنه بعض طلبته أنه كان يقرأ عنده القرآن وإعرابه مع الموطأ والمدونة، قال فدعاني يوما إلى داره فناولني طبقا من قمح فطلبت من بعض النساء الصالحات أن تعد لي منه قرصا في كل يوم، فكنت أصوم وأفطر على ذلك القرص مدة شهرين وأشرب من ماء البحر فأجد له لذة حتى إذا انقضى ذلك الدقيق فقدت لذة ماء البحر فكنت أجده ملحا أجاجا، فعلمني الله أن ذلك من أكل الحلال.
كراماته: رأى الناس لأبي عبد الله فضلا عظيما، وسجلوا له من الكرامات ما لا يدخل تحت الحصر وهي لا تخلو من المغالاة في بعضها لأن الأحفاد الأغرار والعوام الجهلة والقناصة المسترزقين من عادتهم الزيادة في الأخبار وحشوها بعناصر كاذبة تستجلب النفوس وتخدر الأرواح ولكن الرجل مع هذا كله كان من أهل المقامات العلى. فقد تواتر عن هذا الصالح أنه كان مجاب الدعوة يستشفى به من الأمراض ويستنصف به من الظلم ويستنجد به في الحروب والملمات ويستشار في المعضلات. نقل ابن العظيم عن صاحب أنس العارفين أن أمير المسلمين علي بن يوسف كان لا يأخذ في عمل مهم حتى يستشير أهل الفضل والدين. فلما عزم على إتمام بناء سور مراكش بعد شروع والده فيه سنة خمس وسبعين وأربعمائة أشار عليه بعض الناس بأن البناء سيأتي على ما في بيت مال المسلمين من المال. ثم لا ينقضي، فاستقدم لهذا الغرض الوليد ابن رشد من قرطبة فأقره على عزمه في الشروع في البناء مصرحا له بعدم الفائدة في السكنى بالمدينة من غير سور، فتردد الأمير في التنفيذ فأشار عليه ابن رشد بالكتابة لأبي عبد الله أمغار يستأذنه في البناء ويسأل منه الدعاء بالتوفيق، ويطلب منه أن يبعث له بمساهمة رمزية من ماله الحلال الخالص، فبعثه له وأوصاه أن يجعله في صندوق الإنفاق على البناء، ويتولى ذلك رجل من أهل الفضل، فعمل بوصيته فأعانه الله على إتمامه.
وفاته:
لم تذكر المراجع القليلة التي بين أيدينا سنة وفاة هذا المصلح الكبير ولكنها اتفقت على أنه ترك سبعة أولاد بلغوا كلهم مرتبة البدلية فأطلقوا على أبيهم "أبو البدلاء" وهم كما ذكر: أبو سعيد عبد الخالق، أبو يعقوب يوسف، أبو محمد عبد السلام العابد، أبو الحسن عبد الحي، أبو محمد عبد النور، أبو محمد عبد الله، أبو عمر ميمون. من هوءلاء الرجال يتكون البيت الأمغاري الذي قال فيه ابن قنفد "وهذا البيت أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثون كما يتوارث الناس المال. قال وقد رأيت بلدتهم ورأيت أبناء بني أمغار نفع الله بهم وبأسلافهم. وقد نفع الله بهم بأسلافهم، فقد انتشروا في المغرب ونزل أحفادهم بمراكش وضواحيها وآسفي وفاس وغيرها. ومن أحفادهم البارزين أبو عبد الله سيدي امحمد بن سليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات وهو من أهل القرن التاسع، ذكره غير واحد من أصحاب المناقب والتراجم، وقد أحاط الملوك والأمراء والولاة في كل عصر أهل هذا البيت بالرعاية ووصولهم بالعطايا السخية والهدايا السنية وأجروا لهم الجرايات اللائقة الثابتة، وتركوا لهم النظر في الشؤون الدينية. ونسوق فقرات من وثيقة عدلية طويلة يرجع تاريخها إلى سنة 696 خاطب عليها عدد من قضاة عصرها والذين جاؤوا من بعدهم إلى حدود النصف الاول من القرن التاسع، هذه الوثيقة أوردها ابن عبد العظيم الزموري في بهجته فمما ورد فيها :"لم بزل الملوك ... يرعون جانبهم بالاحترام الجميل ويفتتحون بصالح دعائهم مغالق الأمور العظام. ويستنجحون بهم عند الخلافة ويخصونهم ممن سواهم في رباط عينهم المذكورة بالخطط الشريفة الدينية التي هي القضاء والعدل والخطبة والإمامة ... يأخذون في كل عام من مال المخزن المستفاد جمعه من مال صنهاجة على الوجه المرضي شرعا مرتبهم الذي هو مائة دينار من الذهب العين المنعم به عليهم من الجانب المولوي اليوسفي العبد الحقي. وإن جميع من يرد رباط سلفهم المذكور من عمال صنهاجة وجباة خراجها يدفع لهم ذلك ويجزيهم على عوائدهم في الفحص وفي خارج رباطهم المذكور وداخله. وفي عهد أمير المؤمنين الملك الحسن الثاني أخذت حركة العمران تنتشر في هذه القرية في الآونة الأخيرة بفضل أهل هذا البيت المبارك حيث يقصدها الناس من جميع جهات المملكة بقصد التبرك بهم. وموسم جدهم السنوي يعتبر في السنوات الأخيرة من العوامل الكبيرة التي تجلب الناس لتعمير هذا المركز...