بعد الجريمة البشعة التي حدثت بإمليل والتي راح ضحيّتها سائحتين من النرويج والدانمارك ،وبعد موجة الغضب التي تلتها من طرف المغاربة جميعا الذين استنكروا ما حدث، لا بدّ من الوقوف ولو للحظة عند هذه الجريمة الشّنعاء التي ارتُكبت في بلدنا الذي كان على مرّ الزّمان مثالاً للتّسامح والتّعايش وقبول الآخر. لن نُخاطب في هذا المقال أولئك الذين ارتكبوا هذه الجريمة ، ولن نُخاطب أمثالهم ممّن يدعون إلى القتل وإلى سفك الدّماء، لأنّنا نعرف أنّ هؤلاء لا يقرأون ولا يتعظون، كما نعرف أنّهم ضحيّة لسياسة التّجهيل التي تبنتها الأنظمة في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير والتي نحصد نتائجها الآن.
القتل تحت أي لون مرفوض والقتل بأي مبرّر لا يمكن القبول به، والدعوة إليه جريمة تستحقّ العقاب.
لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي تُزهق فيها أرواح الأبرياء في وطننا العزيز من طرف مجرمين يلبسون عباءة الدّين والدين منهم براء، وفي كلّ مرة نخرج لنندّد بهذا الفكر الذي اجتاح أرضنا واستباح دمائنا، ولكنّنا لم نُفكّر يوما في البحث عن أصل هذا الداء عن قصد أو عن غير قصد .
المشكل يكمن في اعتقادنا في سياسة التّجهيل التي تبنّتها الحكومات المتعاقبة ،والتي تمثلت في ضرب التّعليم ونهج سيّاسة التّفقير التي وضعت النّهاية لأحلام هذا الشّعب .
لا أحد يستطيع أن يُقنعنا أنّ الإرهاب لا يتغذى من الجهل وأنّ الإجرام لا يولد من رحم التفقير ،فمصائب دوّلنا أنّها أطلقت العنان لسياسة تجهيل الشّعب وحاربت العلم ودعمت الخرافة، كل ذلك من أجل السّيطرة ومن أجل إقناع الشّعب بالخضوع لكنّها لم تعلم أنّ الجهل أكثر خطورة من العلم الذي حاربته وها نحن نتجرع مرارة ما صنعوه.
هم يعتقدون أنّ سياسة التّجهيل ستجعلهم في راحة وفي مأمن عن أي مطالبات بالحرية والديمقراطية، وأنّ سياسة "تكليخ" الشّعب هي الضامن الوحيد لاستمراريتهم ، ولكنهم أساءوا الاعتقاد. لأن سياسة التّجهيل هذه أدت إلى ما لم يكن في حسبانهم فصنعت كائنات بشرية مسخة قادرة على القتل والذبح وارتكاب جميع الموبقات .
ما حدث في إمليل من جريمة نكراء كان نتيجة لسياسة التّجهيل التي تبنّتها الحكومات والتي انخرطت فيها بشكل كبير من أجل الهيمنة على السلطة ومن أجل صناعة جيل يقاد مثل الأنعام لا يناقش،ولا يحلل ولا يفكر ، جيلا لا يعرف للتّسامح طريقا جيلا لا يقبل بالاختلاف، جيلا يرى في كل اختلاف عنه أذية لا يمكن إلا التخلص منها .
عندما تتبنّى الدولة سياسة التجهيل من أجل مصالح أصحاب التعويضات الخيالية فلا تنتظر من الشعب سوى أن يكون على هذا الشكل .
عندما تعلن الحكومات الحرب على التعليم ،وعندما تقزم دور المدرسة وعندما تصنع فوبيا من النخب المتعلّمة خوفا من أن تنازعها السلطة، لا يمكن لنا أن نرى سوى أمثال هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الجريمة الشنعاء.
عندما نجد أنّ الدولة تخشى الدّيمقراطية وتحاربها عبر استبعاد الشرفاء من اللعبة السيّاسية ،وفي المقابل دعم الوجوه السيّاسية التي أنهكت البلاد والعباد فلا ننتظر سوى المزيد من المآسي .
التّسامح لا يكون عبر الشّعارات ولا عبر الخطابات، بل التّسامح يكون عبر إرادة سيّاسية تستحضر المواطن ضمن برامجها باعتباره الرّكيزة الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها من أجل الرّقي ببلداننا والقطع مع الممارسات البائدة التي أعادت بنا إلى الوراء لعقود .
الرقيّ بالإنسان لا يكون إلا بدعم التّعليم، والقضاء على الإرهاب لا يمكن أن يتحقق إلا بدعم المدرسة العمومية والارتقاء بها ،فهل دعم المدرسة سيكلّفنا أكثر مما يكلفه دعم الحروب ؟وهل دعم العلم سيكلّفنا أكثر مما يكلفه التّسابق نحو التسلح وافتعال الأزمات وصناعة الطبقية؟
هناك من يُصِرّ دائماً على أن يُظهر لنا أنّ ما حدث وما يحدث من عمليات إرهابية بعيدة كل البعد عن تلك التّناقضات التي نعيشها في وطننا ، وهناك من يحاول أن يُظهر أنّه لا علاقة لما يحدث في البلاد من غياب للديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بتلك الأعمال الوحشية التي تستهدف الأبرياء، لكنّ الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق.
كثيرا ما نخرج بعد كل حدث إرهابي لنؤكّد أنّ الإرهاب هو العدو اللّدود للدّيمقراطية، ولم نخرج يوما لنقول إنّ غيّاب الدّيمقراطية هو من يصنع لنا هذا الإرهاب وأنّ غياب العدالة الاجتماعية قادر على أن يُظهر لنا ما هو أبشع من الإرهاب بكثير .