وإن كانت تتكئ على المحيط الهادي و سماؤها الملبدة بغيوم تميل إلى اللون الرمادي بشكل دائم تقريبا، فإن مدينة ليما لا يسقط فيها المطر على مدار السنة لتكتفي بقليل من الرذاذ قد يدوم بضع سويعات. فالمدينة تفاجئ بخصائصها الغريبة على الرغم من تواجدها بمنطقة استوائية، حيث أنه بالإضافة إلى الغياب الكلي تقريبا للتساقطات المطرية على مدى أشهر السنة ال12، تتميز العاصمة البيروفية بمستوى عال من الرطوبة و سحب تغطي كل سمائها في أغلب الأوقات توحي لزائر "مدينة الملوك" بأنها تتأهب لتمطر. و تتميز ليما، التي يقطنها نحو عشرة ملايين نسمة (نحو ثلث الساكنة البيروفية)، بمجموعة من المناطق المناخية غير النمطية و ذلك يجد تفسيره بتأثر المدينة بتيار "هومبولت"، الذي يمنحها في الوقت ذاته مناخا باردا، و صحراويا،و رطبا وشبه استوائي. و يؤدي التيار البارد، الذي يمتد على طول ساحل المدينة، إلى انخفاض درجة حرارة الماء بشكل كبير ما يجعلها أكثر برودة مقارنة مع ما يمكن أن يتطابق مع خط العرض المداري الذي تقع فيه ليما، و يترتب عن هذه الظروف الباردة الانعكاس الحراري الذي يمنع حدوث ظاهرة الحمل الحراري. و يساهم هذا الوضع، إلى جانب سلسلة جبال الأنديز المحيطة التي تعمل كحاجز طبيعي، في تشكل طبقة شبه دائمة من الغيوم الكثيفة المنخفضة للغاية التي تمنع مرور الإشعاع الشمسي المباشر مما يحول دون تشكل سحب المزن الركامي وهي نوع من السحب الحاملة للأمطار و بالتالي غياب التساقطات بليما. و في هذا الصدد بقول نيلسون كيسبي غوتيريس، مسؤول بالمصلحة الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا بالبيرو،في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن منطقة الضغط المرتفع فوق المحيط الهادي الجنوبي تتسبب في حدوث تيار هومبولت (تيار البيرو) ما يجعل تساقط الأمطار بليما أمرا نادرا جدا، مشيرا إلى أن معدل التساقطات المطرية بالعاصمة البيروفية يبلغ نحو 15 ملم في السنة فقط. إلا أن هذا لا يعني، بحسب كيسبي، استبعاد حدوث ظواهر مناخية استثنائية قد تتولد عنها أمطار غزيرة بليما كما حدث سنة 2012 عندما هطلت على المدينة أمطار بلغت 30 ملم خلال ساعتين من الزمن، أو الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات بالعاصمة البيروفية سنة 1970. و في ظل تسجيل حوادث مناخية شاذة و إن كانت تظل معزولة، اعتبر أن ليما غير مستعدة اليوم لتحمل أمطار غزيرة و عزا ذلك إلى غياب إدراج الجانب المناخي في السياسات العمومية الخاصة بتسيير عاصمة البلاد. و لعل من أبرز ما يثير الفضول هو أنه و رغم غياب الأمطار، فإن ليما تبدو مدينة خضراء على مستوى شوارعها و حدائقها الإيكولوجية و منتزهاتها الجذابة، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب تصديق أن العاصمة البيروفية لا تحظى بنصيبها من قطرات المطر. و خلال فصل الصيف، الذي يمتد ما بين شهري دجنبر و مارس، تصل فيه درجة الحرارة بليما نحو 28 درجة نهارا و نحو 20 درجة ليلا، و أما فصل الشتاء بالبلد الجنوب أمريكي، الذي يخلو من هزيم الرعد و وميض البرق الذي يميزه عادة، فيبتدأ اعتبارا من شهر يونيو و ينتهي في شتنبر و تتراوح فيه درجة الحرارة بالعاصمة البيروفية ما بين حوالي 19 درجة نهارا و 12 درجة ليلا. فليما، التي تأسست على يد "الكونكيستادور" الإسباني فرانسيسكو بيزارو غونزاليث ذات 18 يناير 1535، تتأهب كباقي مدن البلاد لتخليد الذكرى المئوية الثانية لاستقلال البيرو في سنة 2021 و قد تخلصت من بعض التحديات مثل الاختناق المروري و الرفع من المساحات الخضراء لمصاحبة توسعها العمراني، و ضمان بيئة سليمة لساكنيها خاصة في ظل مناخها الخاص و ارتفاع الرطوبة. و تستثمر مدينة ليما، العاصمة الإدارية و الاقتصادية و المالية للبيرو، مناخها المتفرد و أماكنها و ساحاتها الضاربة في عمق التاريخ و هندستها المعمارية لتقدم لزوارها أجواء مثالية للقيام بسفر يمتد عبر الزمان و المكان، ما يجعلها إحدى أهم الوجهات السياحية بأمريكا الجنوبية. و على الرغم من أن سماء العاصمة البيروفية تعد بالمطر و تخلف وعدها ، فإن المدينة و ربما في محاولة للتجاوز عن ذلك تقدم للزائر وصفة سياحية حافلة بالمناظر الطبيعية و الثراء التاريخي و التقاليد و أطباق يجود بها المطبخ المحلي.