كنت عائدا من أحد العيادات وسط مدينة فاس.اتجهت الى محطة الحافلات و لم انتظر كثيرا.فبعد هنيهة قصيرة وقفت الحافلة 23 التي ستتجه الى طريق صفرو.لم نكن كثيرين.عندما أديت واجب التذكرة, نظرت هنا و هناك أبحث عن مكان مناسب.ثم اتجهت الى مؤخرة الحافلة حيث المكان شبه فارغ. هناك جلس شاب في العشرينات من العمر يتوسط الكراسي الستة. فيما جلست فتاة على يمينه يفصل بينهما مكان فارغ و قد اخفت عينيها خلف نظارتين كبيرتين تميلان إلى السواد.اتجهت إلى الركن الايسر من الحافلة ثم جلست يفصلني أنا ايضا كرسي فارغ عن الفتى. انطلقت الحافلة لا تلوي على شيء، تسرع مرة و تبطئ أخرى.وكان الجو رائعا.و كل شيء على ما يرام.كنت استمتع بالهواء البارد عبر النافذة و أراقب شوارع فاس المزدحمة بالسيارات و الناس.فرمضان لم يكد ينتهي و مازالت نفحات العيد و نسماته تزين كل جنبات المدينة و توحي بروعة ديننا الحنيف. وسط هذه التأملات استيقظت كأنني كنت في سبات على صوت خافت للشاب وهو يهمس للفتاة: -الجو حار أليس كذلك؟ نظرت إليه الفتاة بغرابة شديدة و لم تجب حتى كرر عليها السؤال.قالت بهدوء: -إذا كنت تقصد الحافلة فأنت فيها و تستطيع الحكم على الجو فيها. ابتسم قليلا ثم قال: أقصد الجو على العموم. -أجابت:أعذرني أنا لا اتابع أخبار الطقس. صمت الشاب لدقائق. اعتقدت حينها ان الامر قد انتهى.ثم عدت أتأمل عبر الزجاج ما عثرت عليه عيني.لكنني التفت ألى الشاب الذي قال بنبرة غاضبة: -تبدين متعجرفة. -قالت دون أن تلتفت:ذاك شأني. -قال الشاب بكل ثقة: تنظرين إلى السماء كأنك الاجمل في الكون. -قالت بإصرار و دون اكتراث : أحب السماء و النظر إليها. اشتد غضب الشاب و بدا عليه اليأس فاستطرد يقول: ماذا تحسبين نفسك؟حدثتك بكل احترام و انت تستهزئين بي؟ مثلك لا اعيرها ادنى اهتمام.بل اشد منك عنادا تقع في شراكي.يبدو انك لم تتعلمين ادب التحدث مع الناس. انت امية لا شك؟ -تغير وجه الفتاة و زاد احمراره من الخوف و الغضب . لكنها ردت بحزم: -يا أخي ما شأنك بي و ما الذي دهاك؟ و لأكن ما أكون؟ مالذي يجبرني على الحديث إليك و...؟ هنا قاطعها قائلا: - اصمتي.كفى لا اريد الحديث مع امثالك... -قالت بصوت ضعيف:- كيف يعقل... استمر في مقاطعتها كلما نبست بكلمة: قلت كفى ألا تفهمين؟ أف عليكن.تظهرين الطهارة و أنا اعرفكن... صمتت الفتاة خانعة مستسلمة.فيما نظر إليها للمرة الأخيرة بحنق متقمصا دور الضحية لا يكترث إلى احد...