تفاوت الشيء مع الشيء بمعنى تباينا وتباعدا، إما التباين في الخدمات والفرص التي تقدم لهم، أو التباين في سبل المعيشة، أو في الضروريات التي بدونها لا تستقيم حياة الانسان داخل المجتمع، والتكافل يعني التضامن والتعايش بين الافراد وتقديم المساعدة فيما بينهم لتقليص وكسر التفاوت الجاري بينهم، فالتكافل دائما يحاول ردم الهوة الموجودة بين هذا وذاك لمحاربة تراكم الثروة من جانب واحد، مصداقا لقوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ سورة الحجرات الاية 10. وقد تحدث العديد من علماء الأنتربولوجيا عن عادات تكرس التضامن عند شعوب بدائية كثيرة مثل عادة تنظيم احتفالات مسهبة بعد الحصاد، وقد وصفت عالمة الأناسة مارغريت ميد هذه الاحتفالات عند شعب آرابيش البابو في غينيا، حيث جميع الذين حصدوا محصولا فوق المتوسط يدعون عائلاتهم بكاملها وجميع جيرانهم إلى المشاركة في احتفالات تستمر حتى استهلاك القسم الأعظم من فائض ذلك
المحصول. وتضيف مارغريت ميد: "إن هذه الاحتفالات تشكل إجراء ملائما لمنع الفرد من مراكمة ثروته كي لا يعاني فرد اخر من الحرمان."
وصندوق التكافل العائلي الذي احدثه المشرع المغربي مطلع سنة 2010 يراد به تحقيق نوع من التضامن مع افراد العائلة، وتحقيق لهم نوع من الاستقرار الاجتماعي في ظل ظروفهم الخاصة وقساوة الحياة المعيشية، والقطع مع العراقيل المادية التي قد تؤدي بالعائلة الى الزوال، وردم الهوة والفوارق التي قد يحدثها أبغض الحلال الذي هو الطلاق، أو الغيبة الطويلة لرب الأسرة، أو مصيبة الموت التي تصيب أحد الزوجين، كل هذه الأمور جعلت المشرع إحداث صندوق التكافل العائلي، وترجمة موارده في قانون المالية لسنة 2010، حيث نصت المادة 16 من هذا القانون على أنه" : يحدث ابتداء من فاتح يناير 2011 حساب خصوصي للخزينة يسمى "صندوق التكافل العائلي."
ومن خلال اطلاعنا على مواد القانون رقم 41.10 المعدل بالقانون83.17 يتضح لنا أن المشرع المغربي حصر الفئات التي يمكنها الاستفادة من التسبيقات المالية للصندوق على الشكل الآتي :
* مستحقو النفقة من الأولاد بعد انحلال ميثاق الزوجية وثبوت عوز الأم
* مستحقو النفقة من الاولاد خلال قيام العلاقة الزوجية بعد ثبوت عوز الام
* مستحقو النفقة من الاولاد بعد وفاة الأم
* مستحقو النفقة من الأطفال المكفولين
* الزوجة المعوزة المستحقة للنفقة
ويعتبر العوز هنا شرطا جوهريا للاستفادة من الصندوق، إلا أن هذا الشرط يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية اثباته؟.
حسب المادة الثانية من المرسوم رقم 2.11.195 فإن إثبات حالة العوز يكون بالإدلاء ببطاقة المساعدة الطبية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.08.177 الصادر في 28 رمضان 1429 الموافق 29 شتنبر 2008 بتطبيق الكتاب الثالث
من القانون 65.00 المتعلق بنظام المساعدة الطبية، وبصفة استثنائية وإلى حدود تعميم نظام المساعدة الطبية على كل جهات المملكة، بشهادة عوز مسلمة من طرف الوالي أو العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن طالب هذه الشهادة.
وتبلغ قيمة التسبيقات التي يمنحها الصندوق لذوي الصفة الذي اشرنا اليهم اعلاه حسب المرسوم رقم 2.11.195 ، 350 درهم لكل مستفيد عن كل شهر على ألا يتعدى مجموع المخصصات المالية لأفراد الأسرة الواحدة 1050 درهما. وهذا المبلغ في نظرنا لا يمكن أن يقلص الفوارق ويهدم التفاوتات الاجتماعية التي تطال هذا النوع من العوائل المغربية اذا نظرنا إلى غلاء المعيشة، وحاجيات الاولاد للتطبيب والتدريس والمأكل والملبس، علاوة على غلاء الأكرية وكل الضروريات التي بدونها لا تستقيم حياتهم.
لهذا ولابد من إعادة النظر في هذه المبالغ الزهيدة التي تمنح لهذه الشريحة الضعيفة في المجتمع ولما لا تخصيص بهم مبلغ مالي شهري قار يتوافق مع الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب حفظا على كرامة المطلقة وأطفالها، ويضمن لهم حياة معيشية مستقرة لاسيما وأن المغرب صادق على كل الاتفاقيات الدولية التي تنادي برف الحيف على المرأة والطفل على السواء، لأن التكافل والتضامن هم إحدى القيم المحمودة التي تميز الحياة الانسانية عن غيرها، ويقول الفقيه الدستوري ليون ديجي في هذا الصدد: " إن التضامن الاجتماعي هو الذي يجب أن يصمد فوق شدة الأقوياء وضعف الضعفاء وفوق الفوارق الاجتماعية، فالإنسان هو من جهة عضو في الجماعة، وهو من جهة اخرى له كيان شخصي مستقل عن المجتمع له حاجياته الشخصية وميولاته الخاصة التي لا يمكن اشباعها إلا في ظل المجتمع"