في البداية كان لزاما أن ابرر ما سأكتبه في هذا المقال ذلك انه لولا ذلك الهجوم ،المعهود كل سنة للتلفزة المغربية بقنواتها الثلاث ، وقت الفطور الرمضاني لما نقرت نقرة واحدة على ازرار الحاسوب بهذا الخصوص، لأدافع عن كياني الفكري وخصوصيتي وهويتي التي تهدد في عقر داري ،وكثر من امثالي الذي لهم غيرة على مأل الوطن ويتحسرون لأمره كلما حلت به مصائب مثل تلك البرامج التلفزيونية التي تحط من القيمة الأخلاقية والتربوية والفكرية للمواطنين ولا تساهم في ادنى حدودها في الرفع من مستوى الوعي والمواطنة بقدر من تنزل به الى اسفل سافلين من الكلام الساقط والممارسات الدنيئة والمخلة بالآداب. والأمر من ذلك هو ان هذه القنوات التلفزية التي تنغص علينا "حلاوة" الحياة نمولها بالدريهمات التي نحصل عليها، كل وفق ظروفه المالية ،التي في كل الأحوال صارت اكثر فاكثر انحصارا بينما صار الأغنياء وذوي النفوذ تفتح لهم الأبواب لأنهم يعرفون الطرق التي تؤكل بها الكتف بأقصر الطرق . هذا ولم اكن اكتب في هذا لولا الاستفزاز الذي نتعرض له يوميا وفي سائر الأيام سواء كان رمضان او شعبان ، لأن تلفزيوننا او بالأحرى تلفزيونهم ، لأنه لا يعبر بتاتا عن أحوالنا ولا عن مشاعرنا ولا عن فقرنا وظروف تطبيبنا إن وجدنا بابا نلجه في غالبيتنا إلا على حساب الكثير وبمشاركة الكثير من الأبناء والعائلة في تضامن اصبح يقل من كثرة الثقل الذي استفحل وطؤه . لقد كنت صائما عن الكتابة منذ مدة لأسباب عديدة منها ان هامش الحرية بدأ يتقلص اكثر فاكثر ، حتى اصبحت الرقابة الذاتية تطغى اكثر من الرقابة الرسمية التي قدمت اشارات واضحة لمن" يطلق العنان" للتعبير وما يجري في الساحة كفيل كدليل لا يحتاج الى برهنة . ولكن الشاشة الفضية اصبحت نارا تحرق الأخضر واليابس من فرط القبح والانحطاط الثقافي والأخلاقي. لم اكن لأكتبت حرفا منتقدا لهذه النافذة التي تفتح في وجوهنا وعقولنا لولا انها تقتحم مجالنا البصري والفكري فتسطو على ما تبقي من بعض القيم النبيلة لتبدلها بممارسات دنيئة لا علاقة لمجتمعنا بها خاصة في الجانب الذي يتعلق بتربية اطفالنا رجال الغد، يا حسرة . وفي جوانب عديدة تدخل لبيوتنا دون استئذان وتستبيح خصوصيتنا بل قد تقلل الحياء بكلام تافه وساقط .فشهر رمضان مناسبة لتهيئ برامج تناسب هذا الشهر الذي تغلق فيه الحانات ويتم الإمساك عن الإتيان بممارسات تخل بالأداء الديني للمواطنين على الأقل على العلن وكل المجتمع يلبس لباس القنوت والتقوى ، والله يعلم ما في القلوب ، إن رمضان وغير رمضان وقت للتأمل والتدبر فيما حولنا والاعتبار وحتى لو جاء وقت الترفيه كنا قضيناه في ما هو منمي للذوق ومبدع وفي نفس الوقت يخدم قضايا البلاد والعباد يعالج من هنا ويحمل رسائل من هناك وليس ضياع الوقت الثمين في التهريج والتفوه بكلام ساقط في منبر تلفزي يوجه لكافة الناس خاصة في وقت اصبح العالم قرية صغيرة ، يشاهدنا الداني والقاصي ، أم ان كما قيل "من اين يمضي الخيط يمر الشريط " فممثلينا في القبة البرلمانية اعطوا المثل في الكلام الساقط بل والتعري في واضحة النهار ، وما فعلته التلفزة المغربية ليس الا تطبيقا لما فعله بعض مشرعينا ، من اين ذلك من هناك حيث القرار يتخذ وحيث المستقبل يصنع او بالأصح كان يجب ان يكون كذلك . . إن التلفزيون المغربي بقنواته الثلاث عبارة عن ثالوث يحمل في طياته اهدافا غير الأهداف المعلنة في دفتر التحملات ، فالبرامج كلها تدل على ذلك ، برامج فكرية – على قلتها- فارغة و بعيدة كل البعد عن الواقع المغربي وعن مستجدات الزمن الحاضر، سواء في الأدب أو الأغنية أو حتى المواضيع الاجتماعية والتربوية ، ليس لذوي الاختصاص حضور سواء من جانب الضيوف او أصحاب الدار للإعلاميين او" المنشطين" ، فالعيب كل العيب ان نتقدم على ذوي العلم والمعرفة ونحن لا نفقه شيئا او حتى أن نبذل جهدا في البحث والسؤال، إن كنا لا نعرف ولا احد ولد متعلما كلنا نولد صفحة بيضاء . فالصورة والكلمة سلاح فتاك إن استعملتا بطرق منحرفة وغير محددة المعالم والأهداف. لذا وجب الحرص على النطق بالكلمة البناءة والهادفة وليس اطلاق العنان للكلام كيفما كان وكأن المخاطب لا يفقه شيئا او انه لا اعتبار لك له ايتها التلفزة وبالأحرى ،ايها القائمين عليها ، والمخططين لبرامجها من اجل القيام بالواجب الذي من اجله يقوم الشعب المغربي بتحويل اموالا طائلة لتملآ لكم الحسابات البنكية الجارية وغير الجارية . هل من الضروري ان نفتح عيوننا ونحن نفطر بأولى التمرات ان نضعها في حفاظات الرضع ؟ اليس هذا من المقزز ؟ هل استغلال فترة الذروة لهذا المستوى من الانتهازية والوصولية من اجل اشهار ومردود مالي تضرب عرض الحائط كل القيم ونرمي بكل الاعتبارات في الواد؟. اليس في التلفزيون المغربي رجل عاقل؟ ويقول "كفى من الابتذال" الا يشاهد رئيس الحكومة التلفزيون المغربي بقنواته الثلاث؟ ام انه لا حول ولا قوة له ازاء هذه الألة الرهيبة التي تدخل كل البيوت ، ام تترك على حالها لترضي القائمين عليها لأنهم سيتم احتياجهم في يوم التصويت لتزغرد الشاشة لعلان وفلان وتطبل لهذا وذاك. طبعا لن تسمح من يعارض توجهاتهم للظهور. ام انهم يفسدون علينا الساعات لنهجر مشاهدة هذه القنوات و"نحرق" كما يفعل ابناؤنا في عرض البحار لأن الأفاق مسدودة في وطنهم،؟ ام انهم يعلمون كمية الرداءة التي يشحنوا بها برامجهم عمدا وقصدا حتى يبدلوا ما تبقى لنا من ذوق او رؤية او ابداع ويحولوا كل جميل فبنا الى قبيح قصدا وعمدا حتى يظل القبح يسود كل الأمكنة والأزمنة في فضاء هذا الوطن العزيز علينا والذي لا نغيره بكل الأوطان ولا بديل لنا ألا هو ولا غيره ، رغم ما يفعلون رغم ما يحاولون لإبعادنا عنه فنحن هنا كالأشجار قائمون ونابتون لن تقتلعنا برامجكم المنحطة ولا مخططاتكم التي تهدف للتجهيل واساليبكم الملتوية لصناعة مواطن خنوع وتابع يفتح فاه لفكاهة غير هادفة ولا تعالج ولا تقوي الإنسان المغربي لتزيد مناعته وحبه للوطن وخدمته بكل اخلاص بدون غش ولا ممارسات دنيئة كالسماح بالرشوة في معاملاته وخرق القانون لدرجة يصبح من يفعل ذلك هو من يتم تقديره واعتباره ومن يستقيم لكل القواعد ينبذ ويبعد ولا تسلط عليه الأضواء . أن المجال البصري والتلفزي بالخصوص مجال مليء بالمفارقات والتناقضات بين برنامج واخر وحتى الأخبار السياسية والاقتصادية والوطنية والدولية يتم صياغتها وفق منظور غير مفيد للمشاهد بقدر ما يتلقى معلومة مبتورة في كثير من الأحيان. فكل ما في التلفزيون المغربي يكشف عن عقلية لا تساير العصر ولا تقبل ما هو ابداع وفن بقدر ما تبحث عن القبح في تجلياته الضخمة لتقدمه للمشاهد وكانه ينتقم منه هو على إخلاصه لوطنه وحبه لرؤية صورته الحقيقية على تلك الشاشة التي يؤدي ثمن مشاهدته حتى ولو كانت معطلة
على مواكبة طموحات المشاهد الذي يطمح لرؤية قناة يفتخر بها لأنها تعبر عن رغباته لمشاهدة افلام ترقى به للتفكير والتعلم ومسرحيات من الأدب الرفيع العالمي ومسرح وطني يعالج ثقافتنا وعاداتنا ويرسل عبرها باقات من الرسائل لنشر الحب بيننا وليس العداوة وبث سلوك الذئاب بين أطفالنا وكل مجتمعنا ، إن التلفزيون وسيل سهلة وسريعة لتمرير الرسائل ونشر الوعي في مجتمع اغلبه جاهل ، طبعا جهله ليس نابع منه بقدر ما هو نتيجة السياسات التعليمية والإعلامية المتبعة منذ عدة حقب سياسية ، فعوض استخدام الشاشة للتوعية وتنبيه الغافلين الى الاحترام المتبادل وسط المجتمع في الحي والمدينة والدرب وبين الأجيال وليس القفز على كل تراثنا وثقافتنا الشعبية التي تحمل في طياتها الكثير من القيم الجميلة وفي كل المناسبات وليس تلك الصور والحركات التي تملآ القنوات بما هو لا علاقة له بالفكر والثقافة والعادات المغربية ، في صور من فكاهة ضعيفة المحتوى وحمولة فارغة لا تبقى منها اي شيء كالفقاعة لما تصطدم بصخرة الواقع . فالوعي ينتشر عبر بث تحاليل سياسية واقتصادية واجتماعية عبر خبراء متخصصين في المجال ، اما ما تقوم به قنواتنا في هذا المجال هو التعاقد مع نفس الأشخاص الذين يكررون نفس الكلام على مر الزمن ومهما كانت التغيرات في الخارج والداخل ومهما تجاوزت الأحداث تلك النظرة الى الأمور مما يجعل المتتبع لهؤلاء في اخر المقطورة وكانه في الزمن الغابر ، أن التحليل السياسي له شروطه منها ان يكون المحلل محيطا بكل خيوط موضوع التحليل وله دراية بالقضايا المشابهة للمقارنة بالمناطق الأخرى حتى ينفتح المتتبع على العالم ولا ينحصر في الرقعة الضيقة ، والتحليل هو تشريح لكل جوانب الموضوع وليس كلاما او دردشة غير مسؤولة ، فالمحلل كالطبيب يفحص يشخص بالتدقيق ثم يعالج بإعطاء الحلول والتساؤل عن المستقبل ، مستقبل ذلك الموضوع عنوان التحليل ، كيف يمكن تفادي هذا أو تقوية ذلك ؟ والتحليل السياسي او الاقتصادي والاجتماعي مقارنة ومقارعة للحجة بالحجة وسرد الآراء وتثمين رأي الراجح عن باقي الآراء وبالدليل والبرهان ، فالتحليل ليس كلاما يطلق هكذا بل هو منطق وتسلسل ذهني يقنع ويضيف معرفة لما هو معروف وليس سردا لمعلومات لا تضيف شيئا للمشاهد او المستمع بل هو حفر في عمق الفكر وطرح الأسئلة الكبرى . إن التحليل هو مشروع قائم الذات في الموضوع المحدد سواء كان انتخابات تشريعية او رئاسية ، فالمحلل يجب أن يكون يمتلك كل ادوات التحليل ، اي يمتلك مفاتيح القضية رهن التحليل لتفكيك لغزها وعقدتها وتبسيط اشكاليتها للمشاهد بفك رموزها ودراسة الظرفية وطرح توقعات مع الإشارة الى التغييرات التي قد تطٍرا بين الفينة والأخرى حتى يمكن تيسير اتخاذ القرارات الاستراتيجية حول الموضوع محل التحليل . وكما قال "ماكس ويبر" " التحليل هو علم هدفه الفهم من خلال التأويل النشاط الاجتماعي ، حتى يمكن تفسير التسلسل السببي لسير هذا النشاط وكذلك اثاره" . كل هذا من اجل تكريس وطنية التلفزيون بمعنى التوفر على جهاز يغرس جدوره في الواقع المغربي مع الانفتاح على الخارج مما يتماشى مع تنمية الوعي وتقويته ، نعم نريد تلفزة تستعمل لغة الحقيقة والوضوح عوض لغة التسويف والتزويق والتطبيل والنفخ في الأقزام وتقزيم من لهم قدرات قادرة على اعطاء بكل سخاء للوطن الكثير .نريد تلفزة مساهمة في تسريع عجلة التنمية الفكرية والسياسة والاقتصادية من خلال برامج توعوية وتحليلية وادبية وتربوية وبرامج وافلام ومسلسلات تحمل قيما وافكارا تبعث على إعادة التفكير فيما نحن عليه . لا احد يهرب من وضع متكامل الأركان ، لا احد يكره الجمال ، فالجمال نعمة ، وهو يدفع الى الخلق والإبداع لذا احرصوا على جعل الشاشة المغربية جميلة تبعث على الأمل بل وتساهم في خلقه وتقويته في صفوف شبابنا وابنائنا الذين سدت امامهم كل النوافذ في التعليم في الشغل في الترفيه ، لذا نحن مع تلفزيون غارق في الوطنية وحب الوطن من خلال زرع الأمل وتنمية العقول وليس رميها في عالم الغيب والشعوذة نحن من اجل تلفزيون بناء لعقول سليمة ومواطن صالح لنفسه ولبلده .