ترددت كثيرا قبل أن أشرع في كتابة هذه السطور التي سأنجز بها عمودي لهذا الأسبوع الذي يصادف الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك. فالموضوع ليس بجديد على أحد،غير أني وجدت أنه من واجبي تسجيل موقفي مما يعرض على المشاهدين المغاربة من تفاهة يسميها البعض إبداعا، في حين لا أجد فيها سوى استحمارا للمشاهد المغربي، وسطوا على المال العام تحت يافطة الإنتاج التلفزي، بعد الذي وقفت عليه من آراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تعبر عن سخط المغاربة مما يعرض على قنوات القطب العمومي من رداءة، يراد من خلالها الدفع بالمستوى الفكري، والتثقيفي، واللغوي للمغاربة إلى الأسفل، في وقت يعرف فيه الإنتاج التلفزي العربي، وخاصة لتلك الدول التي تعاني الحروب والدمار، رقيا ملحوظا، وطفرة غير مسبوقة. ولعل سيطرة من يظنون أنهم مغاربة أرقى وأوعى من غيرهم على المنتوج الإعلامي السمعي والبصري ببلادنا، من عائلة "الزيرو" و"الزين اللي فيك"، جعلنا نهاجر إعلاميا إلى دول عربية أخرى، لنعيش مع أهلها في أمن وسلام، بعيدا عن التفاهة والرداءة والكلام الساقط، ونحن من كنا نحصد الجوائز في مهرجانات الإذاعة والتلفزيون على مدى سنين، قبل أن يتحول الوضع إلى تقهقر على مختلف المستويات. و الحقيقة أنني كنت يائسا من أي تحسن محتمل في منتوج تلفزيوناتنا هذه السنة، بما أن نفس الشركات المحصور عددها في اثنتين أو ثلاث، هي نفسها التي تستولي كل سنة على صفقة إنتاج البرامج الرمضانية، وقد أحكمت إقفال الأبواب جيدا أمام غيرها، لتنفرد بالمال مقابل أتفه الأعمال. غير أنني لم أكن أتوقع أن التفاهة وقلة الحياء ستصلان إلى مستوى برنامج يسبق وقت الإفطار بساعة، حيث تجتمع الأسر على الموائد، لتخضع إلى عقاب جماعي من صبي أقل ما يقال عنه أنه "مُومُّو بالرّضّاعة" منحته قناة نحترمها جيدا، كما نحترم العاملين بها وكلهم زميلات وزملاء نقدرهم كثيرا، فرصة عرض مسخرة حركاته، وسوقية كلماته، وأكذوبته الإعلامية التي أبهر بها التافهون أمثاله . الصدمة كانت قوية، والبرنامج ضرب في الأعماق كل المجهودات التي بذلتها هذه القناة لتنال احترام المشاهد المغربي، الذي صار يعيش معها على إقاعين متناقضين، بين " تاريخنا مجدنا " و" إعلامنا مهزلتنا ". هكذا إداً صرنا نعيش أجواء رمضان الروحانية، وطقوسه الدينية، التي كانت فيما مضى يغلب عليها طابع اللمة العائلية، حول مائدة الإفطار متنوعة الأطباق، بمصاحبة موسيقية اعتدناها تراثا أندلسيا، أو مديحا وسماعا صوفيا، قبل أن تنتقل بنا تلفزتنا عبر التاريخ إلى مسلسل ألفناه كل رمضان " محمد رسول الله"، تعرفنا من خلاله إلى قصص الأنبياء والرسل، لتنقلنا بعده إلى جو الفكاهة والمرح، مع اسكيتشات لقدماء الفكاهيين المحترمين الذين كانوا يُضحكون دون خدش للحياء، أو تقليل للاحترام، فكان ارتباطنا بالتلفزة الوحيدة آنذاك وثيقا. أما اليوم، فأسفي وحسرتي على ماضٍ جميل نحِنُّ إليه، وحاضر لا يشرف شعبا أبان في كثير من المحطات أنه أرقى بكثير مما تعرضه قنواته العمومية، وأنضج من هؤلاء الذين يحصدون الملايين بمنتوج تلفزي يثير الغثيان. إنها الغيرة التي تدفعنا لقول مثل هكذا كلام، والحسرة على هدر المال العام، والاستهزاء بالملايين من المغاربة الذين لا يجدون مفرا من التفاهة لمتابعتها، أما من أنعم الله عليهم بصحن هوائي وجهاز استقبال، فقد هاجروا المغرب تلفزيا إلى بلدان أخرى، تحترم قنواتها عقول مشاهديها، تاركين السيتكومات المستنسخة والحَامْضَة، والكاميرا الخفية الغبية وما خفي فيها، والمسابقات البليدة، و نَانٍّي يَا مُومُّو، وسير حتى تجي، وساعة في الجحيم...، فمع قنواتنا العمومية، صار الوقت كله جحيماً.