أقبل المغاربة مؤخرا على شكل احتجاجي ضد الجشع والاحتكار والغلاء في الأسعار المفرط لدرجة المساس بالكرامة الآدمية للمغربي، أسلوب تراوحت تقييماته بين من وصفه بالحضاري الراقي، مما شجع على الانخراط الإرادي مقاطعة لما تعينت مقاطعته، في انتظار توسيع القائمة المعنية بالمقاطعة تلقائيا، وبين من جعل منه خيانة للوطن فعاد ليعتذر مُلْتَفًّا فما قُبِل اعتذاره. ولعل كل مغربي قاطع أم خَوَّن يعي تمام الوعي بالحتمية اللحظية لهذا الأسلوب لأسباب عدة نذكر منها: - كل مغربي يعلم أن ما يزخر به بلده من خيرات بَرًّا من معادن نفيسة، وأرض خصبة شاسعة وجوا بيئيا مناسبا للإنتاج، وبحرًا من خيرات لا عد لها ولا حصر على واجهتين من البلد تمتد لآلاف الكيلومترات، موهبة من الله لا يمكن للبلد إن حَسُنَ تدبيره أن تجد به المحتاج أوالعليل، ولا الفقير أوالمسكين.
- قبل ما سمي ربيعا عربيا اشتد الاحتقان، فجاءت الاحتجاجات وجاءت معها اعتقالاتها وتعسفاتها المنتهكة لحقوق الإنسان، وتلتها عملية الالتفاف الكبرى بإتقان، ليعود المتحكمون في اقتصاد البلد إلى إحكام القبضة أشد مما كان، فكانت النتيجة صناعة أبواق داعمة للالتفاف في الآن، مُسْكَتَةٍ بعد حين – في إشارة إلى حكومة الالتفاف لبن كيران-، فبها تم تمرير قوانين وقرارات ما كان لها أن تمرر لولى قمع الشعب وترهيبه، وصناعة الآماني المعسولة، بتغطية للصحة سموها راميدا - في أشارة إلى بطاقة الراميد - فكانت رَمَادًا ذر في العيون، و بإصلاح للمقاصة فكان قصا للمغاربة من الجيوب، وإصلاح للتقاعد فكان صناعة لتعاسة الموظف المغربي قبل تقاعده وبعده إن عاش حينا من الدهر.
- كل خطابات الإعلام الرسمي المغربي كانت تدافع وتحمد وتبجل على نعمة الأمن والأمان، لتحبط عزام المغربي وتضعه نفسيا أمام خيارين إما وضعا كهذا وإما كسوريا وليبيا ومصر فيما هم فيه قدوة من الدمار والتسيب والخراب بعد تسلط طاعون ما سمي بالربيع العربي. وما كانت لِتُقدر في المغربي عزته وأنفته ووعيه وكرامته فتضعه بين خياري الوضع هذا وما عليه اليابان والصين وألمانيا وأيسلاندا وسويسرا والدانمارك وسنغافورة وكوريا الشمالية وتركيا المسلمة وغيرها من الدول المتقدمة والتي قد لا تزخر بما يزخر به بلد المغرب الحبيب من خيرات الله الطبيعية وفضلها.
- جل المغاربة منذ زمان قد نقول أنهم لايصوتون – لوعي بالحكومة المحكومة- بالنظر إلى النسبة الضئيلة للمشاركة الانتخابية الواقعية التي يحددها خبراء السياسة في بضع عشر في المائة، لا التي يعلنا الإعلام المذكور، ليكون وزراء تلك الحكومة من ينعت المغاربة على الشاشة من قبة البرلمان بالمداويخ – كلمة لا توجد بالقاموس العربي – إلا أن معناها في الدارجة المغربية بعد هذا ليس كقبله، حيث سار المغاربة يعلنون بعزة وافتخار انتمائهم لشريحة المداويخ.
- المغاربة يفاجئون كل يوم بزيادات صاروخية في الأسعار فصبروا وهم الشعب الصبور، فيسكتون أمام الوعود والأماني الحكومية المعسولة، أملا في يوم يعاد فيه الاعتبار للمغربي كإنسان معتز بإنسانيته، فما يرون إلا تعنتا وزيادة بعد زيادة بمفارقات لا يقبلها العقل السليم، كأن يجد المغربي بدولة قطر ثمن قنينة زيت من الزيتون من إنتاج مغربي أقل ثمنا بكثير من ثمنها بالمحل التجاري أمام بيته ببلده، وأن يسمع انخفاضا كبيرا لثمن المحروقات عالميا يوازيه ارتفاع مهول محليا في عدم احترامٍ لأسعار السوق، متسائلا عن الهوة والفارق والمستفيد، والسارق والمسروق.كما يهاجر فيجد التفاح المغربي - على سبيل المثال لا الحصر- ببلجيكا مثلا أقل ثمن بكثير وأفضل جودة، من الذي يجده أمام بيته، ويشتري الحليب بثمن يضاعف ثمنه عند الفلاح أضعافا كثيرة بغض النظر عن فضل مشتقاته المرتفعة الثمن العالية هامشا في الربح. هذا فضلا عن ثمن بقية المواد الأساسية خضرا وفواكه وغيرها، التي تعرف تزايدا يوميا ولا تدخل لجهات حكومية أو غيرها تحمي المستهلك، ولا دور فعال لجهة مسؤولة عن تدبير المنافسة والحد من السيطرة على السوق.
- المواطن المغربي لا يرى في الحكومات المتعاقبة إلا هجوما شرسا على جيبه استغباءا له بل مسا بكرامته، مكتشفا التضامنات الاحتكارية بين رجال ونساء أعمال معدودون لرفع الأسعار تعسفا، فاختلت أمامه موازين العدل في ذلك حتى سارت الأسعار مجحفة للمبتاع مغنية للبائع.
لهذا وغيره ومنعا للظلم والاحتكار، وتزييف الحسابات، وترويج البضاعة بالكذب وغش المعامل، والتغابن، وتطفيف المكيال والميزان، واللعب بالأسعار وسائر أنواع الفساد الاقتصادي التي كان يضرب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الناس بالدرة منبها إياهم لتجاوزها، فالمغاربة لازالوا مقاطعين واقعا لثلاث من الشركات الكبرى والتي تتدخل في فرض الثمن بالسوق، وهذا ما دفعهم للإعلان رسميا عن تكبدهم لخسائر فادحة، لتبقى الوسيلة التعبوية في ذلك معتمدة كل وسائل التواصل الاجتماعي، غير ملتفتين إلى من يصفهم بالمداويخ ولا من يجرؤ على نعتهم بخائني الوطن من المسؤولين الحكوميين، موقنين أن الزمن سيكشف من خان الوطن وسرقه، كاشفا المُدَوِّخَ من المُدَوَّخ، مستأصلا بلطف ورفق أصل التدويخة حادا من وبائها.
وإلى ذلكم الحين في انتظار إحياء للعمل النقابي والنقابات بعد ما عرفته من موات أنهى التقليدية منها، وبعد ردع المعدودين على رؤوس الأصابع في شطب جيوب المواطنين بْلَا حَشْمَا بْلَا حْيَا – بلغة المداويخ -، مزيدا من الصبر والوعي الجماعي والرقي، - والله يَهْدي مَاخْلَقْ-.