يسألونك عن المواطن المغربي؛ قل هو مواطن مثالي نموذجي تتمنى كل بلدان العالم أن يصير مواطنوها مثله؛ في حبه لوطنه ولطفه وإيمانه المطلق بالقضاء والقدر، وقدرته على التكيف مع كل الأوضاع، ومدى تشبته بالحياة رغم تعاسته الفائقة، كما أوضحت ذلك التصنيفات العالمية الأخيرة التي قاست مؤشرات سعادته المفتقدة؛ لأنه منذ صرخة وضعه إلى حين أنة نزعه لم يذق إلا طعم الشقاء والمعاناة والكدح، شعاره في الحياة "إلى خيابت دابا تزيان"
ويسألونك عن المغرب؛ قل هو بلد الخيرات والكرم والغنى الحضاري والعراقة التاريخية والتعدد الثقافي، وبلد الثروات المتعددة التي يحتكرها "التماسيح" ويتهافتون على تقسيمها فيما بينهم باسم يافطة الممارسة السياسية أو بتعلة الدين والثقافة أحيانا. تماسيح لا تزيدهم تعاسة المواطن إلا تعنتا واستقواء كمثل هِرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد، تماسيح أفرغت كل الصناديق لترتفع مؤشرات سعادتها، تماسيح لا تخاف لومة لائم مادامت متيقنة أن شعار عفا الله عما سلف سيجُبُّ كل فظاعاتها تجاه الوطن والمواطن.
ويسألونك عن أسباب تعاستنا؛ قل مهما حاولنا عدها والتفصيل فيها حال عجز اللغة عن تحقيق ذلك وتاهت عبارات الوصف وسط قتامة المشهد. فكيف لنا أن نكون سعداء وصحتنا قد صارت مطلبا عزيزا بعدما كانت حقا إنسانيا، وصارت أجساد مرضانا مشاعا بين جشع الأطباء وتربص مختبرات التحليل ورداءة الخدمات الصحية في تلك المجازر التي باتت تنعت بالمستشفيات، وصار الجزارون ببلوزاتهم البيضاء يمتصون ما تبقى من دماء المرضى للتفاخر على بعضهم البعض في اقتناء الفلل الفاخرة وقضاء العطل في أرقى الفنادق الدولية المصنفة وركوب فاره السيارات وملاحقة آخر صيحات الموضة، كما صار الموت أرحم بمرضانا من تلك المواعيد الطبية المؤجلة، وصارت ظلمة القبر وسواده ملاذا آمنا من قساوة البلوزة البيضاء وجشعها وموت الحس الإنساني ونكران الذات فيها.
وكيف لنا أن نلحق بركب السعادة وتعليمنا لا كباقي الأنظمة التعليمية؛ قرارات ارتجالية وغياب البحث العلمي وبرامج لا تصيب الهدف ومناهج لا بوصلة لها وميزانيات تهدر...
تعليم يشكل ثقلا على ميزانية الدولة ويعد قطاعا غير منتج تُتَحيَّنُ الفرص للتخلص منه؛ لا ينتج غير الفشل ولا يكرس إلا الجهل والاتكالية والغش وغياب القيم. تعليم متفاوت السرعات
بتفاوت درجات الأداء وبتفاوت الطبقات؛ تعليم يكال للمشتغلين به التعساء من أبناء الطبقات الفقيرة بمكاييل الإساءة والتنكيت والتفقير الممنهج حتى يتقوقعوا في اليومي والمكرور والمبتذل. تعليم كمي خاضع لإملاءات خارجية تتقصد التجهيل والتخلف؛ إملاءات تتغيا مخرجاتها إنتاج أجيال مستلبة ومروضة تتهافت على الاستهلاك دون أن تعير انتباها للعلم والمعرفة والعمل الفكري والاشتغال الثقافي الذي صار نسيا منسيا.
أما إن سألوك عن حق السكن؛ فقل هل السكن في وطننا حق أم مطمح عسير وحلم مستحيل؛ يقض مضاجعنا ويجافينا النوم كلما فكرنا فيه وحدثتنا به نفوسنا في غفلة منا، فلوبيات العقار بفعل مضارباتها واحتكارها السوق قد عمقت مآسينا وضاعفت من درجات تعاستنا عندما طوحت بنا قسرا في مجاهل البنوك وصيرتنا عبيدا لها؛ لا نتحرر منها إلا برحمة الموت الذي خلصنا قبلا من سماسرة الصحة الذين يطربون لسقمنا ويتربصون بجيوبنا الفارغة التي أنهكها الغلاء والاقتطاعات البنكية التي امتصت دماءنا مقابل تملك مقابر إسمنتية لم تزدنا إلا تعاسة.
وكيف تجيب إن سألوك عن البلوكاج؛ فقل لهم نعم لقد انتهى البلوكاج الحكومي، لكن هناك بلوكاجات كثيرة لم تنته بعد وما زالت مصدر شقائنا ومعاناتنا؛ فمواطننا التعيس البسيط بحكم قلة ذات يده وضعف حيلته تقوم إداراتنا ببلوكاج مطالبه وتعطيل مصالحه ومماطلته وإثقال كاهله الهزيل بالإجراءات البيروقراطية التعجيزية، ودفعه في أحايين كثيرة إلى استقطار ما تبقى من دريهماته قصد تحصيل (حقه) الذي صار في وطننا مطلبا.
لكن إن سألوك عن السعادة؛ فقل إحساس السعادة عندنا من علم ربي، وما أوتينا من علم إلا قليلا؛ لأنا لم نذق طعمها ولا خبرنا كنهها ولا حصلنا أسبابها؛ ما دامت حقوقنا أحلاما مؤدى عنها ومصالحنا أوهاما؛ فلا صحة تشفي ولا تعليما ينمي ولا سكنا يريح ولا عدلا يعدل و لا إدارة تتفانى في خدماتها ...