يعدّ البرنامج الحكومي الذي قدمه، الأربعاء المنصرم، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لمجلسي البرلمان نسجاً على منوال الحكومة السابقة. ففيما يخص الجانب الصحي: بدل توظيف الأطر الصحية، ما تزال الدولة تصرّ على مفهوم "التعاقد"، كما تصرّ مرة أخرى على طرح موضوع "الخدمة الإجبارية" على الطاولة. ويشير البرنامج المذكور إلى أن الحكومة ستعمل على فتح النقاش من أجل إرساء نظام "الخدمة الصحية الإجبارية الوطنية" علماً أن هذه الأخيرة أشعلت احتجاجات الطلبة والأطباء المقيمين والداخليين فور إعلان الحسين الوردي عنها منذ سنتين. وقد أحرج، حينها، المشروعُ الدولةَ وطنيا ودوليا، ما اضطر الوزير الجديد/القديم إلى سحبه أمام الزخم الطلابي وبوادر "السنة البيضاء". وكان يقضي ذلك الإجراءُ بإلزام الأطباء بالعمل لمدة سنتين في "المناطق النائية" مباشرة بعد تخرّجهم، دون إدماجهم في الوظيفة العمومية. ما يلاحظ كذلك في البرنامج الحكومي الجديد هو إقحام صفة "الإجبارية" في هذا التدبير، في الوقت الذي كان الوردي يتبرّأ من التوصيف قائلا إنها "الخدمة الصحية الوطنية" وكفى. ما يعني أن صاحبنا لم يتّعظ بما وقع ويطمع الآن في جولة إعادة حتى يسجل بالقوة (أو بمساعدة الحكّام مثل ما يحدث في مباريات كرة القدم هذه الأيام) الهدف الذي عجز عن تسجيله في الولاية السابقة. ويبدو أن عنوان الولاية القادمة في المجال الصحي هو "التعاقد" حيث أنه المصطلح الأكثر تكراراً عند الحديث عن تعزيز الموارد البشرية. فالبرنامج الحكومي يؤكد على العقود محددة الأجل لانتداب الأطباء، سواء كانوا في القطاع الخاص أو العام، قصد حل مشكل الخصاص في الأطر الصحية بالمناطق النائية. ويذكر أنه منذ أصدر الوردي القانون الذي يمكّن "مول الشكارة" من اقتحام الميدان، لم نَرَ أحداً يفتح مصحة واحدة فيما يسمى ب"المناطق النائية". ومن هنا، يتضح أن استراتيجية الوزير تقوم على الحلول الترقيعية، عوض إعطاء القطاع المكانة التي يستحقها، وذلك عبر تخصيص الميزانية الكافية والكفيلة بإخراج الصحة من المستنقع الذي تعيش فيه. قد يقول قائل: "إن مفاتيح القرار ليست بيد الوردي". أي نعم، ولكن ذلك لا يعفيه من المسؤولية السياسية، ولو كان "عبداً مأموراً".