السياق العام: هناك مثل يقول: "كم من ديك يظن واهما وزاعما أن الشمس تشرق بسبب صياحه"، وقياسا على هذا يعتقد الكثير ممن يسمون أنفسهم شيوخا، أن الإسلام محفوظ بصياحهم ورمي الناس بأقذع النعوت، وسبهم وشتمهم، وأعطوا بذلك لأنفسهم الحق في منح سوء السيرة الدينية لمن يغضبون عليهم، وحسنها لمن تهوى أنفسهم، دون أن يعرضوا مواقفهم على الشرع للتأكد من مدى صحتها أو بطلانها. علما أن الله يعبد عن علم، وهو الحافظ للدين وحده، ولا يجوز لأي كان وتحت أي دثار المشيخة، والدفاع عن الدين بدون سند شرعي. فكيف يجب تصحيح هذه الظاهرة؟ وبأي منهج علمي يتعين تعديل مزاعم أصحابها؟ وما عواقب الفتنة وأثرها في الحضارة الإنسانية؟ أثار قرار منع السلطات الأمنية لخياطة البرقع في المغرب كثيرا من الجدل، دفع بعدد كبير من عامة الناس إلى شحذ ألسنتهم وأقلامهم، للدفاع عن الإسلام خوفا عليه بسبب هذا المنع !! وبما أن التفكير عبادة، يحث عليها الشرع الحكيم ويقرها العقل السليم، فإننا سنعرض هذه الظاهرة على خطوات المنهج العلمي الإسلامي، للوقوف على بطلانها:
1- القرآن الكريم: جاء في قوله تعالى: " يدنين عليهن من جلابيبهن"، فلفظ يدنين ظني وليس قطعيا، أي محددا وواضحا قياسا على قوله سبحانه: " أو لامستم النساء" فلفظ لامستم ظني الدلالة، وهناك من فهم منه المصافحة ومن فهم منه الجماع.
2- السنة النبوية: علاقات القرآن بالسنة متعددة، ومن بينها علاقة توضيح وبيان، فلما وصلت أسماء بنت أبي بكر سن البلوغ، صحح لها الرسول "ص" كيفية ارتداء لباسها بسنته الفعلية، وحدد المناطق التي ينبغي كشفها ومنها الوجه. والسنة الفعلية أعلى مرتبة من السنة القولية باتفاق العلماء.
3- المذهب المالكي: الأصول المتفق عليها في المذهب المالكي لا تقل عن تسعة وهي: القرآن، السنة، الإجماع، القياس، الاستحسان، العرف، إجماع أهل المدينة، المصالح المرسلة وسد الذرائع. فما المقصود بسد الذرائع كقاعدة من قواعد المذهب؟ الذرائع هي الوسائل، ويقصد بسد الذرائع النظر إلى ثمرات الأفعال ونتائج الأعمال. فإذا كانت الوسيلة تؤدي إلى فعل الخير، فهي مباحة وحلال. وإذا كانت تنتهي إلى الشر والضرر، فهي ممنوعة وحرام.
ومن هنا نقول أن البرقع أصبح متاحا للجميع، كوسيلة يمكن الاختباء وراءها لارتكاب أفعال مضرة بالجميع، بغض النظر عن الحمولة السياسية التي تنم عن التعالي واحتقار الآخر، واعتباره مقصيا ومستبعدا من باحة الفضيلة. لذا يجب منعه وعده وسيلة ملغومة مؤذية بالجميع.
4- مقاصد الشريعة الإسلامية: من المعلوم أن الشريعة الإسلامية ترتكز في مراميها البعيدة الحفاظ على الضروريات الخمس: الدين، النفس، العرض، العقل والمال.
وحفظ الأنفس موكول للسلطات المكلفة بنشر الأمن. ومن واجبها منع كل ما يلحق الضرر بالأنفس سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد. لذا من واجبات هذه السلطات الحفاظ على نلك الضروريات الخمس وصد كل مسيء إليها.
5- فقه الواقع الاجتماعي: من باب ومنطلق قاعدة سد الذرائع، ينبغي منع فتاوى أناس لا يفقهون جيد الفقه المسطور ولا الإجتماع المنظور فالعمران والاجتماع داخل المدن حديثا، مفارق للاجتماع في البوادي قديما. ومن المعلوم أنه كلما ازدحم البشر كثرت الانفلاتات والمزالق. والسلطات الأمنية هي الأكثر فهما للواقع المجتمعي ومكامن الجريمة فيه.
لذلك تعتبر أحكامها وآراؤها هي المعتمدة في هذا الباب، وهي التي رأت في ارتداء البرقع وسيلة للتستر خلف الجرائم بمختلف تلويناتها. حفاظا على صيانة الضروريات الخمس المنصوص عليها في مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يتوجب معه على كل مسلم غيور فعلا على دينه، حب بلده الأمين وتجنيبه الفتنة الناتجة عن سوء التفكير والتعبير وسوء التقدير لما فيه مصلحة حسن التعمير...