في المغرب هناك أصناف من البشر؛ يكفي أن تستيقظ في الصباح الباكر وتتوجه نحو الشارع العام لترى شتى الأصناف، فأول صنف قد تلتقي به في صباحك الباكر هم أولئك الذين يحترفون التسول. هذا الأخير الذي أضحى مهنة في هذه البلاد السعيدة أصبحت له شروط عديدة لا يعرفها سوى القليل. فلكي تكون متسولا يجب أن تعرف كل العبارات التي بإمكانها أن تؤثر في قلوب المارة، كي يمدوا أيديهم إلى جيوبهم ويعطوك بعض السنتيمات، مثل: "ها العار أخويا.. واحد درهم..عفاك .. خويا". قد لا تملك في جيبك سوى ذلك الدرهم لتقرر مع نفسك أن تمنحه لهذا الأخير كي تُدخل البهجة إلى قلبه في هذا الصباح. لن يصل المساء حتى تسمع بأن الذي تصدقت عليه يملك في حوزته خمسة منازل للكراء وأن أبناءه في ايطاليا واسبانيا، لتكتشف أنك أنت الفقير الوحيد في هذه البلاد وليس ذلك المتسول. تتذكر أن ما فعلته في سبيل الله عَلك تنسى الأمر. هناك صنف آخر يمشي في الطريق ويسب ويشتم، وحده المسكين يتألم ويحاول أن يُفرغ كل ما بداخله من مشاكل. قد يرتدي ملابس نظيفة ويحمل معه محفظة أنيقة، لكن من يراه يحسبه أبله لأنه يصيح وحيدا. صنف آخر يضحك طوال حياته، لست أعرف من أين استورد ذلك العنصر الزائد الذي يضحكه، " سوا طلعات سوا نزلات.. مكاين باس" هذا الصنف هو الصنف الوحيد الذي يمكنه أن يعيش في هذه البلاد سعيدا. من شدة الفضول ترغب في أن تكون مثله، لكنك ستصاب بخيبة أمل لأنك لن تجد ذلك الطرف الذي يحز في نفسه ويضحكه. فمن الصعب جدا أن تضحك ما دام نصف المغاربة مشردين في الشوارع والنصف الآخر ما يزال برنامج مختفون يكتشفهم إلى حدود اليوم، والبقية التي تسميها الحكومة 30 مليون مغربي، كل في واد يهيمون. صنف آخر دائما يبكون ويتألمون، منهم من يبكي علانية في الشارع العام ومنهم من يتألم في صمت ومعظمهم يموتون بأزمات نفسية وسكتات قلبية. هؤلاء هم المغاربة الحقيقيون الذين ذاقوا مرارة العيش، وتُجبرهم الحكومة على التسجيل في اللوائح الانتخابية والاقتطاع من رواتبهم الهزيلة. هذا الصنف مساكين احتاروا ما بين خيانة الوطن وخيانة أنفسهم. صنف آخر يعيش في البرك والجبال والقفار، لا يعرفون حتى شاشة التلفاز (من حسن حظهم، حتى لا يروا من يبيع لهم الوهم ويكذب عليهم). كل ما يملكون من معرفة هو أن السماء تمطر وأن الأرض تنبث زرعا إذا أمطرت السماء غيثا. ويعرفون أيضا أن السماء لم تعد تمطر، لأن أهل المدينة يفسدون ولا يصلحون، أما هم فلا ذنب عليهم. صنف آخر يعيشون في المقاهي والعلب الليلية، كل ما يبحثون عنه هو إشباع غرائزهم الجنسية والبحث عن اللذة، كأن الله خلقهم فقط من أجل إرضاء ما بين أرجلهم. ناسين أن الله عز وجل خلقهم لغاية أخرى ولسوف يلقون غيا. صنف آخر يحترف التيه فقط، المسكين هذا الصنف وجد نفسه في هذه الأرض، وأنسب سوء حظه إلى سوء القدر كي يطمئن. علق الأمل على الجدران بجنب شواهده العليا الغير معترف بها دوليا. لا يعرف ماذا سوف يفعل، فقرر أن يبحث عن لقمة عيش حتى يغادر هذه الحياة بأخف الأضرار. فالتيه في بعض الأحيان يكون أفضل من التفكير بكثير، لأنك إذا ما حاولت التفكير في يوم من الأيام، ستكتشف شتى الأصناف التي تحدثت عنها سالفا وستجد أنك تعيش في بلد التناقضات لترتكب جريمة شنعاء تسقط فيها أبرياء ضحايا معك. فمن فضلكم ما دمتم في المغرب فتيهوا ولا تفكروا.