بنكيران نسيج وحده. مهما حاولوا، ومهما قلدوه، فلا أحد بمقدوره أن ينافسه. لا شباط ولا لشكر ولا إلياس العمري بإمكانهم أن يبكوا في تجمع جماهيري كما يبكي بنكيران. سيكون منظر شباط مضحكا وهو يفعل ذلك، ولا أحد يتخيل ادريس لشكر يذرف الدموع، ولا إلياس العمري وهو يكفكف دموعه بكلينيكس، ويزيل نظاراته، ثم يضعهما من شدة التأثر. هذه موهبة لا تتوفر لأحد إلا رئيس الحكومة، وهبة ربانية منحها له الله. يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا، وبيدأ كلمته متأثرا ودمعه يجري على خده، وبقدرة عجيبة يتحكم في نفسه، وينتقل إلى موضوع آخر. روعة. فنان حقيقي. ولا يجاريه أحد في هذا المجال. معارضوه دون استثناء لا يتوفرون على هذه الملكة، ويهزمهم بالضربة القاضية، لأن لا أحد منهم يملك سلاح الدموع هذا. لا أحد منهم غامر بتجريب البكاء أمام الحشود الغفيرة، وحتى لو فكروا، فإنهم لا يستطيعون. ويبكي بنكيران بنجاح، ودموعه تصيب القلب في مقتل. يبكي في الوقت المناسب. في البداية. في المستهل. كما كان يفعل الشعراء في الماضي. ويبتكر المقدمة البكائية. كل شيء مهيأ له بعناية. ولأن الصفوف الخلفية قد يفوتها أن ترى دمعه، فهو ينتحب من أجلها حتى يصلها الصوت، والذين لا يسمعون، يخرج لهم ورق الكلينيكس، ويمسح به دمعه. وكأن شيئا لم يكن. وكأن بنكيران لم يبك، يقفز بخفة إلى الموضوع مباشرة، ويتحدث عن البانضية، ويضحك. لا مسافة بين الضحك والبكاء، وكأي ساحر، يحول الدموع إلى قهقهات. هاهاهاهاها، والحشود دائما مشدودة إليه، ومتأثرة، وخاضعة. وحينما يبكي تبكي معه. وحينما يضحك تضحك معه. وهو في قمة التأثر، وهو مغيب وفاقد للقدرة على التحكم في مشاعره، يخرج منه بنكيران الثاني، اللماح والشرس والمؤلم، والذي يوجه الطعنات إلى خصومه من الدشيرة، لتصلهم في الرباط. حالة نادرة بين البشر، ولا يمكن أن تتكرر، وهي التي تجعل منه متفوقا على خصومه السياسيين. فمع كل الدهاء الذي يتوفر عليه شباط ولشكر والعمري، فهم يعجزون عن البكاء واستمالة الأنصار بالدموع، بينما يفعل بنكيران ذلك بسلاسة وسهولة. أي شيء يمكن أن يبكيه: لافتة مكتوبة على عجل تبكي رئيس الحكومة رقصة شعبية في الدشيرة تجعله ينتحب شغب أطفال يلعبون في اللقاء الجماهيري يبكيه الريح تبكيه المطر يبكيه ومنظر المتعاطفات وهن يطللن عليه من الأسطح يبكيه ويبدأ خطابه بالبكاء وينهيه بالموت، وبين ذلك يعيش مائة حالة نفسية، وينتقل من حالة إلى أخرى كساحر، وكلاعب ماهر، وكممثل بارع يتقمص كل الحالات ويلعب كل الأدوار في عرض واحد. وأثناء ذلك يستحضر الله، ويستحضر السماء وأمطار الخير التي لم تهطل كما هطلت منذ ثمانين سنة مباركة ومستقبلة وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة. ويستحضر معجزته ومعجزة حزبه ومعجزة المغرب، وتهافت الأبناك علينا وتنافسها على منح القروض لنا، في وقت تمتنع عن منحها للآخرين. ويستحضر النساء ويدافع عنهن، ويتحدث عن المعلمات في الغابات، مع السباع والوحوش. والحشود الغفيرة تؤكد أنها تفهمه حينما يسألها هل فهمته. وهو يبكي وهو يضحك وهو يرقص وهو يلعب كل الأدوار بنجاح مبهر بينما منافسوه يحاولون تقليده ويفشلون فليس متاحا لأي أحد أن يبكي في الوقت الذي يشاء وفي المكان الذي يشاء إنها الموهبة والقدرة على التأثير وعلى تنويم الناس والموهوبون قلة والفنانون تميزهم هذه اللوثة التي يفتقدها زعماء الأحزاب الأخرى وحتى وهم يحاولون وحتى هم يسعون إلى مجاراة رئيس الحكومة ويفعلون كل ما يفعله إلا أنهم يقفون ويتراجعون حين يبكي بنكيران ويستسلمون لقوته لأنهم يعرفون أنهم لو جربوا البكاء فإن العالم كله سينقلب على قفاه من الضحك بينما بنكيران يستطيع نعم يستطيع ويبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا.