أظن أن المغني المصري حمادة هلال كان حاضرا في مؤتمر شبيبة حزب العدالة والتنمية، وإلا لماذا غرق عبد عبد العالي حامي الدين والوزير ادريس الأزمي في نوبة من البكاء، في وقت كان فيه رئيس الحكومة وهو يخطب يضحك كل من يستمع إليه. لاشيء كان بإمكانه أن يجعل المؤتمرين يذرفون الدموع وينوحون ويلطمون الخدود بذلك الشكل الذي رأيناه إلا حمادة هلال وأغنيته دمووووع دايما دموووع، حتى أنني وأنا أتفرج عليهم تأثرت كثيرا لحزنهم، ولو لم أكن أعرفهم لاعتقدت لأول وهلة أنهم في مناحة شيعية على سيدنا الحسين.
لكن، لا أحد من الصحفيين الذين غطوا المؤتمر رأى ذلك المغني المصري الحزين، وحينما نقلوا لنا أخبار كفكفة الدموع والعويل لم نعرف السبب الكامن خلف ذلك، ولا أتخيل أن عبد الإله بنكيران له هذه القدرة على جعل العيون تغرورق، وقد تحملت عناء مشاهدة فيديو مداخلته بالكامل لأعرف السر، فشعرت بالضجر من كلامه المكرور الذي يردده منذ مدة والذي لم يعد يثير أي أحد، ولم أجد فيه داعيا إلى كل هذا الألم والانفعال، ولم يبق لدي إلا احتمال واحد، وهو أن القياديين في حزب العدالة والتنمية الذين بدا إحساسهم مرهفا كانوا يضعون سماعات، وينصتون بتأثر إلى حمادة هلال، وإلا لماذا ظهر الأزمي يتألم ويبكي وإلى جانبه في لقطة واحدة وفي نفس المشهد زميله بوليف وهو يقهقه عاليا.
أي شخص يتوفر على ذرة إنسانية لا يمكنه إلا أن يشفق على حال حزب البكائين، وأن يوفر لهم المحارم الورقية ليمسحوا دموعهم، فلا يعقل أن يصوت عليهم المغاربة ويبوؤوهم المناصب السامية ثم يظلون رغم ذلك حزانى يفطرون القلوب، لأن المعروف أن من يبكي يجب أن تطبطب عليه وتطيب خاطره، وهذا لا يستقيم مع وزراء وقياديين يملكون السلطة، عليهم أن يعملوا هم على كفكفة دموعنا، لا أن ننشغل نحن بإسكاتهم وتخفيف حزنهم وانفعالاتم. لو كانوا أطفالا لعرفنا كيف نتصرف معهم، ولاشترينا لهم حلوى ولألهيناهم، أما وهم كبار ويحكمون، فإننا لا نفهم لماذا يبكون، وحينما كانت شبيبتهم تكبر وترفع شعارا ضد مهرجان موازين الذي مدحهم رئيسهم في وقت سابق، كان عليهم أن ينادوا أيضا بتوجيه الدعوة إلى حمادة هلال، ليحضر هذه الدورة من المهرجان، ليبكي الجميع على قدم المساواة.
حين صوت من صوت على حزب العدالة والتنمية، لم يفعلوا ذلك من أجل الحصول على حكومة تستدر العطف وتثير المشاعر الرقيقة، ولا من أجل تقليص العجز وملء الخزينة بالدموع، وأظن أنهم لا ينتظرون منا أن ننضم إليهم في هذه الحضرة، وأن نلطم معهم الخدود ونشق الجيوب ونكبر وننخرط في مناحة حكومية تعتبر التدبير الحكومي مثل مأتم كبير، تقاس به الإنجازات والفعالية بمدى القدرة على ذرف الدموع والنحيب المعمم.
يقول المثل ضربني وبكى وسبقني واشتكى، وكل يوم نكتشف وزيرا وقياديا جديدا من حزب العدالة والتنمية يبكي بحرقة، رجاء كفوا عن ذلك، لقد قهرتمونا وأدميتم قلوبنا، ولم نعد نتحمل حساسيتكم المفرطة، وعلى الأقل ابكوا في الوقت المناسب كي نصدقكم، لأنه لا يصح أن تبكوا أمام عرض ساخر يقدمه رئيسكم، لقد أفسدتم حتى معنى البكاء، رجاء ابكوا في منازلكم، فالبكاء حميمي وليس في الفضاءات العامة أو أمام الكاميرات، نحن لا نريد حكومة في برنامج تلفزيون الواقع، نريد حكومة تعمل وتكف عن الشكوى، وليس حكومة مظلومة وضعيفة ومتمسكنة تؤثر على المشاهدين ليبكوا معها، وإذا لم يبكوا ولم يعبروا عن حزنهم ويتضامنوا مع الدموع التي تهرقها بسخاء غريب فهم مشوشون، كما يحب أن يقول رئيسكم دائما، والذي إذا كان له من إنجاز يذكر، فهو كونه يستطيع في لقاء واحد وفي نفس الوقت أن يجعل البعض ينتحب ويبكي بحرقة كمن فقد عزيزا عليه والبعض الآخر يقهقه ويقع على قفاه من الضحك، وهي في نظري معجزة من معجزات الولي الصالح عبد الإله بنكيران، تكبييييييييييير!