تلفن لي أحد الأصدقاء بحر هذا الأسبوع ليخبرني أني انتهيت وأن كل ما أكتبه لم يعد مجديا وأن الواقع صار يتجاوزني، وقال لي بنبرة لا تخلو من شفقة على حالي، إن الأخبار أصبحت لا تحتاج إلى سخرية، وإنها ساخرة من تلقاء نفسها، وأنني علي أن أفكر من الآن فصاعدا بالبحث عن مهنة أخرى. سبب هذه المكالمة الهاتفية هو خبر نشره موقع كود ومواقع وجرائد أخرى، يتحدث عن اختفاء برج إيفل في نسخته الفاسية، وقد ظن صديقي للوهلة الأولى ومن خلال قراءة العنوان أني أنا الذي لفقت الخبر، ولم يكن يعتقد أن ذلك يمكن أن يحصل فعلا.
وقد قلت مع نفسي إن صديقي على حق، وأن أي تفكير في صحافة ساخرة لم يعد له من معنى، بعد أن أصبحت السياسة في المغرب تبز أي شخص يدعي أنه يتوفر على موهبة في هذا المجال وتتفوق عليه بعد أن أصبحت أسخر من السخرية، وكل من يحاول القيام بذلك من الزملاء فإنه يضيع وقته وجهده، ولن يجني من وراء ذلك أي شيء، ولن يضحك إلا نفسه في النهاية. فحين تستيقظ في الصباح وتسمع أن برج إيفل شباط اختفى، وحين تسمع أن البرج نفسه يوجد في فاس، وحين يصلك خبر أن شباط صاحب البرج يحلم بعلال الفاسي، وحين يصبح شباط زعيما لحزب الاستقلال، وحين تقرأ في الجرائد أن نبيل بنعبد الله شيوعي رغما عن أنفه، وأن الرميد يبكي على حال العدالة، فإنك والحالة هذه لا يمكنك إلا أن تذرف الدموع وتتألم وتتجهم وتشق الجيوب وتلطم الخدود، وتبكي أنت الآخر، وتفكر في تأسيس مشروع جديد لصحافة منتحبة وباكية، وكل من يريد الاشتغال معي بإمكانه أن يبعث لي من الآن نهج سيرته على إيميل الجريدة أسفل الصفحة، شرط أن يكون بكاء لطاما متجهما حزينا، وسيكون الراتب مغريا ويحترم الاتفاقية الجماعية، وكلما بكيتم معي أكثر أزيد في رواتبكم وأرقيكم.
وأعدكم أننا سنؤسس لصحافة جديدة ومختلفة ومهنية وتحترم ذكاء القارىء، ستجعل القراء يتوقفون عن مشاهدة قنوات الجزيرة في المقاهي ليبكوا معنا في هذا المأتم الكبير الذي سنبينه إدارة وصحفيين، وأعدكم أيضا أننا سنتوصل ومن خلال هذا المشروع إلى إرغام كل قارىء على شراء جريدة بدل قراءتها بالمجان في المقاهي، لأن جريدتنا الجديدة تتبلل بمجرد أن تشرع في تصفحها وقلب صفحاتها، وذلك بفعل الدموع الغزيرة التي سيذرفها القراء الأوفياء، وكلما انتهوا من صفحة يرمونها كي لا تبلل التي تليها، لنتخلص من المشكل الذي تعاني منه الجرائد الورقية التي لم يعد يشتريها إلا أصحاب المقاهي.
انتظرونا إذن في الأكشاك وترقبوا صدور عددنا الأول وعنواننا الذي سيحمل رمز الغراب والبومة، بشعار لكل قارىء صحفي يبكيه.