في البداية يجب أن نقر أن هناك فائدة حقيقة لا يمكن إنكارها جناها الإعلام التقليدي من ظهور الإعلام الجديد، حيث تغير مضمونه وتحسنت وظائفه، مما أدى إلى تشكل مفهوم جديد للإعلام لدى الجمهور، خاصة وأن العديد من الفضائيات والصحف الورقية بل وحتى الإذاعات أصبحت تتوفر على مواقع على الشبكة العنكبوتية مكنتها من التواصل أكثر مع جماهيرها. كما باتت الصحافة التقليدية تعتمد وبشكل متزايد على وسائل الإعلام الجديد لجمع المعلومات وكشف الحقائق، من جهة أخرى مكنت شبكة الانترنيت إضافة إلى الكاميرات المتطورة والهواتف الذكية من إشراك كل مواطن في جمع الأخبار ونشرها والتعليق عليها فأصبح كل واحد من هؤلاء صحافيا بطريقة أو بأخرى بفعل الحرية التي تتيحها الشبكة العالمية. هذا الأمر وإن كان له جانب محمود يتمثل أساسا في تدفق المعلومات وفي تعزيز حرية الرأي والتعبير إلا أنه يسيء إلى الصحافة المهنية أو الاحترافية، نظرا لكون الأخبار والمواد التي تنشر في الإعلام الجديد هي في غالبيتها تتضمن مشاعر وآراء أصحابها وهو ما يتنافى مع الحيادية والموضوعية التي يتميز بها الإعلام الاحترافي، كما أنه لا توجد آلية لانتقاء المحتوى ولا يوجد من يحرر أو يقيم المادة المنشورة وهي أمور من شأنها أن تؤدي إلى تناقص مصداقية الصحافة ووسائل الإعلام بصفة عامة. إضافة إلى ما سبق فقد أدى اتساع نطاق الحرية التي يغديها غياب التأطير القانوني اللازم إلى زيادة جرائم التشهير والمس بالحياة الخاصة في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي حيث يحفل موقع الفايسبوك والتويتر وغيرها بالكثير من الصور والمحادثات المسجلة والفيديوهات في انتهاكات واضحة للحريات الشخصية سواء للأشخاص العاديين أو للشخصيات المشهورة في المجال السياسي، الثقافي والفني بشكل خاص. هذه المواد التي تنشر دون إذن مسبق من أصحابها تصبح في متناول الجميع نظرا للسرعة الفائقة التي تميز هذا النوع من الإعلام ويمكن أن يصل الاعتداء حد الابتزاز والمساومة بهدف الانتقام أو الكسب المادي غير المشروع، زد على ما سبق فإن المخاطر التي تهدد الخصوصية في المجال الإلكتروني لها صور وأشكال أخرى، ذلك أن استخدام الكمبيوتر في ميدان جمع ومعالجة البيانات الشخصية المتصلة بالحياة الخاصة للأفراد زاد من فرص الوصول إلى هذه البيانات على نحو غير مصرح أو مأذون به أو بطريق التحايل أكثر من ذي قبل. فمجرد ضغطة لا تستغرق ثوان على أزرار يمكن بواسطتها استدعاء كل ما يتعلق بدقائق الإنسان ليصبح كتابا مفتوحا وبوسع الصحافة أن تتلقفه وقتما شاءت وكيفما شاءت. لذلك يمكننا القول أن الاعتداء على البيانات أو المعطيات الشخصية هي المرحلة المتقدمة لانتهاك الحق في الخصوصية. كما يمكن أن توظف الحياة الخاصة من أجل التسويق السياسي للشخصيات العامة حيث يسمح هؤلاء للصحافة بنشر معلومات تتعلق بخصوصياتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل كسب دعم الجمهور والتقرب منه أكثر فتكون الصحافة هي الوسيلة التي يتخذها السياسي من أجل إبراز الجانب الإيجابي من حياته الخاصة للجمهور وهو ما يجعل الصحفي ينساق خلف ممارسات بعيدة عن الموضوعية والحياد سواء بحسن نية أو بهدف تحقيق الشهرة والربح المادي، ذلك أن التوظيف السياسي للصحافة قد تؤدي إلى إبراز أسماء صحفية كانت مغمورة مقابل الإطاحة بالخصوم السياسيين عن طريق انتهاك أسرار حياتهم وخصوصياتهم، لاسيما وأن الصحفي الذي يسمح لنفسه بنهج هذا السلوك غالبا ما يكون مدعوما من الجهة السياسية التي ينشر لصالحها وهي التي تحميه من تحمل مسؤولية تلك الممارسات.