شهدت مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة تطورات هامة شملت مختلف مناحي الحياة خاصة في مجال الإعلام حيث حقق هذا الأخير قفزة نوعية، واحتلت وسائله المختلفة (الصحف ،الراديو ،التلفزيون.) مكانة مهمة ومكنت الإنسان من الحصول على ما يريده وذلك باستخدام التكنولوجيات الحديثة التي جعلت من العالم قرية صغيرة. ولعل أبرز هذه التكنولوجيات الانترنيت التي تعد وسيلة تفاعلية تتيح للمستخدم الوصول السهل للمعلومة وبسرعة فائقة أينما شاء ووقت ما شاء. لقد أتاح انتشار الانترنيت ظهور أنواع جديدة من الإعلام التي مكنت الصحافيين من التعبير بكل حرية ودون قيود، ومن بين هذه الأنواع الصحافة الرقمية التي ظهرت حديثا إلى الوجود لتشكل مشهدا إعلاميا جديدا، حيث أصبحت أقرب إلى القارئ، وسهلت عليه الاطلاع على أحدث الأخبار والمشاركة فيها عبر التعليق عليها، وساهمت في صنع رأي عام واع . إن الصحافة الرقمية هي نوع من الاتصال يتم بين مجموعة من الناس عبر الفضاء الإلكتروني الإنترنت تستخدم فيه فنون وآليات ومهارات وتقنيات المعلومات التي تناسب استخدام الفضاء الإلكتروني كوسيط أو وسيلة اتصال، بما في ذلك استخدام النص والصوت والصورة، والمستويات المختلفة من التفاعل مع المتلقي لاستقصاء الأنباء الآنية وغير الآنية ومعالجتها وتحليلها ونشرها على الجماهير عبر الفضاء الإلكتروني بسرعة. وتقدم الصحافة الرقمية لمستخدميها عبر مواقعها المختلفة باقة متكاملة من الأخبار سواء أكانت دولية أو وطنية أو جهوية أو محلية، بالإضافة إلى خدمات الصور والفيديوهات ومنها ما يقدم خدمة الراديو للاستماع إلى الإذاعات المتوفرة على شبكة الانترنيت، وخدمة تلفزيونية عبر قنوات خاصة بالموقع تقدم الأخبار والبرامج الحوارية واللقاءات السياسية والمقابلات، وبالتالي تجمع هذه المواقع بين ثلاثية الصوت والنص والصورة التي ترضي جميع الأذواق. ولعل أبرز ميزة في الصحافة الرقمية التي تجعل منها متفوقة على الصحافة الكلاسيكية هي التفاعلية، حيث تم الانتقال من خلالها من فضاء قائم على الثبات إلى فضاء متحرك ديناميكي، هذه الدينامية حققت التفاعل وأشركت المتلقي في العملية التواصلية وألغت هذه التفاعلية عمودية التواصل حيث لا يمكن الحديث عن المرسل والمرسل إليه فقط بل الواسطة ألا وهي الأجهزة الرقمية (الانترنيت)، فهناك تبادل للمعلومات بين المرسل والمرسل إليه الذي يتفاعل مع الجهاز الرقمي في علاقته بالانترنيت ثم من المرسل إليه إلى هذه الوسائط. والمرسل يتغير بتغير الوسيط، وكل وسيط جديد يخلق نوعا جديدا من المرسلين والمتلقين، كما يخلق أشكالا ومهن جديدة من التواصل والتفاعل، والوسيط هو الذي طور إمكانية التفاعل فهو الأداة أو القناة التي تستعمل بين طرفي التفاعل . وتبرز هذه التفاعلية في الصحافة الرقمية من خلال إتاحة هذه الأخيرة للمتصفح إمكانية التفاعل مع المواد المنشورة من خلال التعليق عليها، و إبداء أرائه وملاحظاته وذلك بشكل مباشر وفوري، وتوجيه النقد بكل حرية، وأعطت للقارئ فرصة التعبير عبر ارساله لمقالات وأعمدة الرأي، كما مكنته من أن يحدد لنفسه الشكل الذي يريد أن يرى به الموقع من خلال اختيار المواد التي يريد أن يطلع عليها بنفسه في الزمان والمكان الذي يختاره ووفق اختياراته الشخصية، وكذا حفظ المواد التي يريدها وطبع ما يشاء منها، والمشاركة في التصويت واستطلاعات الرأي، وتسمح بمعرفة عدد قراء كل مادة صحفية منشورة على الموقع. وتَوفر هذه المواقع الإلكترونية على صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في ظهور صحافة المواطن التي مكنته من المشاركة من خلال إرساله للصور والفيديوهات التي حصل عليها ونشرها على الموقع ليصحب بدوره فاعلا. وتشتغل الصحافة الرقمية بتقنيات حديثة، وتصاميم مواكبة للتطورات التي تحدث في مجال الإلكترونيات، سهلت عليها مواكبة الحدث لحظة وقوعه، وإمكانية تجديد معلوماتها كل دقيقة أو كل ساعة. واستخدامها لعنصر التبويب بالإضافة إلى الروابط التي تنقل القارئ من صفحة لأخرى إما داخل الموقع أو خارجه. ووفرت للمتصفح أرشيفا يطلع عليه كلما شاء، ثم ساهمت في التقليل من التكلفة خاصة بالنسبة للصحفي الذي يمكنه إجراء تعديلات على المادة وتحديثها عن طريق استخدام برامج خاصة للمعالجة. وأصبحت بعض الصحف تتسم بالعالمية حيت تعبر القارات دون رقابة وبشكل فوري فهي غير مقيدة، كما وسعت من هامش حرية الرأي والتعبير. وتتنوع الأجناس الصحفية في الصحافة الرقمية مثلها مثل الصحافة الكلاسكية (الورقية)، من خبر وتحقيق وتقرير ومقابلة صحفية، أما بخصوص الطاقم التحريري فتعتمد الصحافة الرقمية على صحافيين مهنيين لهم دراية بالبيئة الإلكترونية المتعددة الوسائط والخدمات حتى يتمكنوا من إخراج مادتهم الصحفية بشكل جيد وفي والوقت المحدد. فالصحافة الرقمية اليوم تعرف في العالم أجمع تطورا وتجددا وفي نفس الوقت صراعا تنافسيا، حيث الكل يعمل على اخراج مواقع جديدة إلى الوجود واستخدام اخر المستجدات في عالم التقنيات، ولكن رغم كل ذلك لازالت الصحافة الرقمية تعاني من مجموعة من التحديات التي تواجهها سواء على مستوى النشر أو العاملين فيها أو حتى على مستوى اخلاقيات مهنة الصحافة.