تنظم الانتخابات المقبلة ل 7 اكتوبر في سياق شعاره العريض إمكانية عودة "مسالة التحكم" واستعمال "المال الحرام" واستغلال "الدين في السياسة"في الانتخابات التشريعية المقبلة. وهو امر تؤكده تدخلات وخطابات وتصريحات زعماء الأحزاب الكبرى والمحورية بالبلاد.واعتقد ان تخوف هؤلاء الزعماء من تدخل "سلط التحكم "و"المال" و"الدين" في الانتخابات التشريعية المقبلة يفسره رغبة هؤلاء الزعماء التنصل الاستباقي من نتائج غير متوقعة لأحزابهم في هذه الانتخابات من جهة ، وعدم الاعتراف بمسؤوليتهم عن هذه الممارسات المشينة من جهة اخرى. والمتتبع لتصريحات زعماء الأحزاب السياسية وتخوفاتهم من سياق إجراءالانتخابات التشريعية المقبلة سيدرك حساسية هؤلاء الزعماء اتجاهإمكانية عودة "منهجية التحكم" واستعمال "المال الحرام""واستغلال الدين " في هذه الانتخابات. لكن المثير في الأمر ان هؤلاء السياسيين يتحدثون عن سلط التحكم والمال والدين في الانتخابات وكأنها تمارس في كوكب اخر و يقوم بها كائنات تعيش على كوكب آخر ولا يعرفها احد في حين ان قادة كل الاحزاب السياسية تعرف– جيدا- من يتحكم في صناعة الخرائط وتعرف الأحزاب التي تزكيأصحاب المال الحرام وتعرف –أيضا- الأحزاب التي تستغل الدين في السياسة. لكن مشكلة قادة احزابنا انها تنقصها الشجاعة الفكرية والسياسية لتسمية الأشياء خوفا على مصالحها الخاصة على حساب المصالح المؤسساتية والعامة. وأمام الحضور المكثف لمفاهيم عودة "منهجية التحكم" و"استعمال المال الحرام" واستغلال "الدين في السياسة" في تصريحات وخطابات جل زعماء الأحزاب السياسية شهورا قليلة على تنظيم الانتخابات التشريعية ل 7 اكتوبر سنحاول تقديم هذه المقاربة المتواضعة في الموضوع. الانتخابات والأحزاب والتحكم: شهورا على اجراء استحقاقات 7 اكتوبر 2016 عاد الحديث عن مسالة "التحكم" بشكل مثير ،ويقصد به صناعة الخرائط الانتخابية بهدف التمكين لحزب او لأحزابمعينة الفوز بالانتخابات التشريعية المقبلة عبر التحكم في مدخلاتها ومخرجاتها .وقد يتخذ هذا التحكم أشكالا منها: إخراج تقطيع انتخابي وقوانين تنظيمية على المقاس- دفع الأعيان وأصحاب المال الترشح باسم حزب ما - دعم السلطات لمرشحي حزب ما- صمت السلطات على مرشحي حزب ما أثناء خرقهم للقوانين المنظمة للانتخابات - فرض تحالفات معينة تخدم أجندة مخدومة قبل/بعد الانتخابات- صمت السلطات على استغلال وسائل الدولة لمرشح حزب ما قبل واثناء الحملة الانتخابية – الضغط على بعض الاعيان واصحاب النفوذ للترشح بحزب ما بدل اخر-تواطئ رجال السلطة من مقدمين وشيوخ وقواد وباشوات وعمال وولاة مع مرشح حزب معين. والغريب في الأمر هو ان كل زعماءالأحزاب الكبرى بالمغرب تتخوف من مسالة عودة "التحكم" في الاستحقاقات التشريعية المقبلة: عبد الاله بنكيران وحميد شباط والياس العماري ونبيل بنعبد الله وصلاح الدين مزوار وامحمد لعنصر واصفين هذا التحكم بالخطير على المسار الانتخابي وعلى الديمقراطية التمثيلية وعلى المؤسسات المنتخبة دون تقديم اي ادلة مادية تبرهن على هذا التحكم او اتخاذ مواقف اتجاه جهات التحكم او اللجوء للقضاء . لكن المقلق في هذا السياق هو الاستعمال المفرط لمفهوم التحكم في تصريحات رئيس الحكومة الذي تشرف حكومته على العمليات الانتخابية في شخص وزيري العدل والداخلية، وتصريحه بوجود حكومتين في المغرب: واحدة علنية وأخرى غير معروفة تتخذ القرارات الكبرى. وهنا نتسائل يا رئيس الحكومة المحترم ما دام الأمر كذلك لماذا أنت باق في الحكومة؟ لماذا لاتصارح جلالة الملك بالامر وتستقيل؟ واذا كانت الحكومة غير المعروفة تتخذ القرارات الكبرى فهل حكومتك تدبر القرارات الصغرى؟واذا كان الأمر كذلك لماذا التزمت السلطات العليا بالبلاد الصمت اتجاه هذا التصريح الخطير لرئيس الحكومة الذي يفرغ محتوى دستور 2011 الذي لا يعترف الا بحكومة واحدة يعينها جلالة الملك وتفرزها صناديق الاقتراع حسب ما ينص عليه الفصل 47:"يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. " وبالمناسبة،أقول ان الاستعمال المفرط لزعماء الأحزاب لمفهوم "التحكم" في الصراعات الحزبية قد أفرغ الدستور من محتواه وأصبح تهمة جاهزة يلقي بها كل طرف على الطرف الآخر.والأكيد ان استمرار تبادل مسالة"التحكم" بين أحزاب "العدالة والتنمية"، و"التقدم والاشتراكية"، و"الأصالة والمعاصرة"، و"الاتحاد الاشتراكي"، و"الاستقلال" و"التجمع الوطني للاحرار" يمكن ان تكون تكلفته باهضة بالنسبة للمشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة من جهة ، و يؤثر سلبيا على هيبة الدولة ومؤسساتها ويزيد من نفور المواطن من السياسة من جهة أخرى. الانتخابات والأحزاب والمال: يعتبر عدد من الباحثين استعمال المال الحرام في الانتخابات احد اخطر آليات إفسادالاستحقاقات الانتخابية وانتاج مؤسسات فاقدة للشرعية. وقد يتخذ حضور هذا المال أشكالا في العمليات الانتخابية منها : تمويل الانتخابات بطرق مشبوهة- الضغط على رجال الأعمال وتخويفهم وتهديد مصالحهم لتمويل حملات انتخابية معينة- ايهام بعض المرشحين بالتدخل لصالحهم لدى السلطات – دفع اموال لزعماء الأحزاب للحصول على التزكية كوكيل للائحة- استعمال المال الحرام في الحملات الانتخابية- توظيف المال الحرام لشراء أصوات الناخبين –تحويل الحملة الانتخابية لسوق للبيع والشراء في الاصوات – استغلال مسؤولي الجمعيات التنموية المستفيدة من المال العام لخدمة اجندة حزب معين- تجاوز السقف المالي المحدد للحملات الانتخابية الخ . وبالمناسبة ، نؤكد ان استعمال المال الحرام في الانتخابات المغربية هو ظاهرة بنيوية معقدة لصيقة بالفعل الانتخابي تتوزع المسؤولية فيه بين الدولة و الاحزاب ذاتها والمواطن، لكنالمسؤولية الكبرى تتحملها الاحزاب السياسية لكونها تتسابق على منح التزكية للكائنات الانتخابية الفاسدة والاكيد ان استعمال "المال الحرام"يعد أحد أصعب التحديات التي تواجه الانتخابات البرلمانية المغربية المقبلة، خصوصا في ظل اتساع رقعة الدوائر الانتخابية وتزامن تنظيم الانتخابات مع عطلة الصيف والاعياد والدخول المدرسي لذلك فمن غير المعقول دستوريا وقانونيا وسياسيا ان تقبل الدولة تزكية المرشحين الفاسدين لكونهم يشكلون خطرا على مسار التجربة الديمقراطية الهشة وعلى المشاركة الشعبية وعلى هيبة المؤسسات. الانتخابات والاحزاب والدين: عادت معادلة الدين والسياسة الى الواجهة مع قرب الانتخابات التشريعية المقبلة فهناك من الاحزاب من يتهم حزب البيجيدي باستغلال الدين ويتاجر به لأغراض سياسيوية خاصة في موسم الانتخابات ،وهو ما يطرح في العمق اشكالية كيفية تامين "مَدَنية" الانتخابات التي نقصد بها مبدأ المواطنة وتكافئ الفرص وسلطة القانون وابعاد الدين عنالسياسة الذي يتخذ اشكالا منها : توظيف الدين في استجداء أصوات الناخبين- استغلال المساجد في الدعاية الانتخابية- استغلال الائمة والوعاظ في الحملات الانتخابية -إقحام الدين في تبرير السياسة العمومية-. توظيف الأعمال الخيرية و الاجتماعية و الانسانية لخدمة الأجندة الانتخابية- استعمال الصدقات وعمليات الإحسان تحت غطاء جمعيات دينية موازية – توظيف المقدس في الحملات الانتخابية – الاستثمار في الخطاب الديني الخ. ويثير تقارب قادة حزب العدالة والتنمية مع قادة جماعة العدل والاحسان - خصوصا قادة الجناح الدعوي في الجماعة- الكثير من التخوفات والتساؤلات حول علاقة الدعوي بالسياسي عند حزب العدالة والتنمية لكون هذه العلاقة تمثلقوته الضاربة التي تقوي موقعه بالمشهد السياسي وتجعله يحصد على رصيد انتخابي مهم من الاصوات خصوصا وان قوة وتأثير الجماعة في الراي العام اليوم يفوق بكثير قوة وتأثير كل الاحزاب السياسية . لكن يجب الاشارة هنا الى ان الدستور المغربي والقانون التنظيميل لاحزاب السياسية يمنعان استعمال الدين في ومقدسات االبلاد في الحملات الانتخابية لان استعمالها يعد فسادا للفعل الانتخابي. وخلاصة القول انه مع اقتراب كل استحقاقات انتخابية تعود كل الأحزاب السياسية للحديث عن مسالة "التحكم" واستعمال "المال الحرام" واستغلال "الدين في السياسة" لكنها تبقى في العمق مجرد ادعاءات وتهم مجانية غير مبنية على اسس مادية في حاجة للبرهنة والاستدلال.وفي غياب الادلة المادية على هذه الادعاءات يمكن اعتبار ذلك مجرد تكتيكات تواصلية هدفها المس بسمعة الحزب الخصم وتضليل الراي العام على حساب ربح بعض الاصوات ، صحيح ان قضايا " التحكم " وتوظيف "المال الحرام" واستعمال" الدين في الانتخابات"تعد اليات افساد للعملية الانتخابية التي تنظم في واقع -هو في الاصل - فاسد اقتصاديا واعلاميا وسياسيا .لذلك نقول اذا كان تبادل تهم الفساد الانتخابي بين الاحزاب السياسية يعود بقوة – وبكيفية موسمية- مع كل استحقاقات انتخابية ، فإنه من اللازم على الكل دولة واحزابا ومواطنين ان يقتنعوا بان محاربة إفساد الانتخابات خصوصا والمشهد السياسي عموما يجب ان تتحول الى تدبير يومي لان المؤسسات المنتخبة والنخب التي تفرزها هذه الانتخابات لا يمكن أن تكون إلا فاسدة لان منهجية تعامل الدولة والاحزاب والمواطن مع كل اشكال الفساد في في الزمن الانتخابي وغيره تعد هي بذاتها جزءا اما من الفساد او التواطئ معه. وصدق من قال يمثل المال عصب الحرب، وتمثل السياسة بكل أوجهها ومظاهرها الداخلية والخارجية استمرارا لهذه للحرب لكن بأدوات ناعمة وسلمية يمثل الزمن الانتخابي الفضاء المفضل للفاعل السياسي لممارسة هذه الحرب.