قبيل الانتخابات التشريعية المقبلة، سارعت الأحزاب السياسية إلى إعلان مواقفها سرا وجهرا من مجموعة من الملفات المطروحة، أبرزها العتبة الانتخابية التي يرى البعض ضرورة الحفاظ عليها في حدود 6 في المائة، مثل حزب العدالة والتنمية، بينما دعا البعض الآخر إلى رفعها إلى 8 أو 10 في المائة مثل حزب الاستقلال، في حين هناك من يدعو إلى خفضها أو حذفها كالاتحاد الاشتراكي، ويسانده في ذلك حزب الأصالة والمعاصرة والأحزاب غير الممثلة في البرلمان، ومن يطالب بعتبة إدماجية تحافظ على التنوع والتعدد داخل المؤسسة التشريعية، وهو الرأي الذي يقول به حزب التقدم والاشتراكية. ويسعى كل حزب إلى تبرير وتعليل موقفه، بغض النظر عن تموقعه الآني داخل المشهد السياسي، فالذين يقولون بالحفاظ على نسبتها كما هي مضمنة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب والمحددة في 6 في المائة، أو الداعون إلى رفعها، يرون أن العتبة الانتخابية تحمي المشهد السياسي من البلقنة وتساهم في إنتاج حكومة قوية مشكلة من ثلاثة أو أربعة أحزاب. ويعتبر حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، أن المتضرر الأكبر من تخفيض العتبة هي الحكومة التي ستكون ضعيفة في حال تشكلها من عدد من الأحزاب، حيث قال، في تصريح ل»المساء»: «إن تخفيض العتبة لا يطرح مشكلة بالنسبة للمعارضة لأنها تكون خارج التسيير، ولكن سينعكس لا محالة على وضعية الحكومة التي لم تسلم من عدد من المشاكل رغم تكونها من أربعة أحزاب، فما بالك بأكثر». الأمين العام لحزب الاستقلال يرى أن تخفيض العتبة أو حذفها سوف يؤدي لا محالة إلى بلقنة المشهد السياسي وتشتت الأصوات، وعدم فرز أغلبية قوية قادرة على التدبير والتسيير. موقف «الاستقلال» انتقده بشدة حزب «التقدم والاشتراكية» على لسان أمينه العام، نبيل بنعبد الله، واعتبره يغرد خارج السرب، لا سيما أن هناك من يرى ضرورة حذف العتبة، ومن هؤلاء حزب الاتحاد الدستوري، حيث يرى الناطق الرسمي باسم الحزب، حسن عبيابة، أن «وجود العتبة في قانون انتخابي من حيث المبدأ هو غير دستوري لأنه ضد تكافؤ الفرص بين الأحزاب، ولكونها تقصي حوالي مليون صوت بسبب وجود عتبة 6 في المائة، كما أن الحساسيات السياسية التي تمثل التنوع السياسي الذي يكفله الدستور تبقى خارج المؤسسات، رغم أنها تقبل العمل السياسي وتمارس الآليات الديموقراطية عن طريق العملية الانتخابية»، يقول عبيابة، كما أنها «لا تعكس التوجه الحقيقي للناخب المغربي، فمثلا قد يحصل نائب برلماني على 4000 صوت في دائرة معينة بأكبر بقية، في حين يقصى برلماني آخر في دائرة أخرى رغم حصوله على 5000 صوت بسبب العتبة»، وفق رأي الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الدستوري، الذي وصف العتبة ب»غير الديمقراطية وغير المنصفة وأنها ترغم على المواطن أحزابا ضعيفة من حيث الأصوات المعبر عنها في الانتخابات لا تتجاوز مشاركة الناخب فيها 40% في أقصى الحالات وتمكن أحزابا بعينها من أن تحكم بالعتبة بدل الدستور الملزم للجميع». وبدوره يرى أحمد بلغازي، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، ضرورة حذف العتبة الانتخابية، لأنه من غير المعقول، وفق رأيه، الذي أكده ل»المساء» أن يفوز حزب بمقعدين بعد حصوله على 5000 صوت، في حين يفشل حزب في الحصول على مقعد واحد رغم حصوله على 4000 صوت، وهو ما يستوجب المراجعة الشاملة لنظام العتبة الانتخابية. ومن بين الملفات المطروحة اللائحة الوطنية للنساء والشباب، ففي الوقت الذي تقترح أحزاب الرفع من تمثيلية النساء وتعديل القانون بما يضمن لهذه الفئة المشاركة في ولايتين عوض ولاية واحدة، هناك من يرى أنه آن الأوان لحذف هذا الإجراء الاستثنائي «الكوطا» واعتباره ريعا سياسيا يحول دون تكافؤ الفرص، وأن من يريد المشاركة في الانتخابات عليه «النزال» في اللائحة المحلية عوض الاحتماء بلائحة تضمن له الحصول بسهولة على مقعد انتخابي. هذا جزء من عدد من القضايا التي ستتضمنها، لا محالة، مذكرات الأحزاب السياسية التي ستوجهها للحكومة، منها ما هو عام كاستعمال المال في الحملة الانتخابية وإشكالية الدعم المالي وحصص الإعلام العمومي، ومنها ما سيكون محط نقاش وخلاف بين المكونات السياسية من قبيل العتبة واللائحة الوطنية، وهو النقاش الذي دأبت الأحزاب السياسية على إثارته مع اقتراب كل استحقاقات انتخابية، ليكون قرار الحسم لوزارة الداخلية مدعومة بالحكومة والأغلبية داخل البرلمان، غير أن التقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع سيكون خارج النقاش ولا جديد بشأنه، كما قال بذلك محمد حصاد، وزير الداخلية. المشاركة السياسية هاجس كل استحقاق انتخابي والأحزاب في قفص الاتهام مندوبية لحليمي: ثقة 68 في المائة من المغاربة في الأحزاب منخفضة أو منعدمة في غمرة الاستعدادات لإجراء الانتخابات التشريعية والمشاورات السياسية التي يقودها رئيس الحكومة بشأن استحقاقات السابع من أكتوبر، يعود هاجس المشاركة السياسية ليطرح نفسه من جديد، في ظل ثاني انتخابات تشريعية تنظم بعد اعتماد الدستور الجديد. خلال الاستحقاقات الجماعية الأخيرة، بلغت نسبة المشاركة حوالي 53.67 في المائة، وهي نسبة لا تعكس طبيعة المرحلة المتسمة بتنزيل مضامين الدستور، وبضمانات قوية للدولة بعدم التدخل في العملية الانتخابية قصد توجيهها وترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك. بيد أن الفاعل السياسي، باعتباره محور العملية الديمقراطية، لازال عاجزا عن تحقيق اختراق كبير لإحداث نوع من المصالحة بين المواطن والشأن السياسي، سواء من خلال التأطير والاستقطاب إلى الأحزاب السياسية، أو إقناع المواطن بجدوى العملية الانتخابية ومدى قدرة الصوت الانتخابي على «خلط الأوراق». هذا الإشكال يرتبط أولا بطبيعة الخطاب السياسي الذي ينفر المواطن من العملية برمتها. وهنا نحيل على الاتهامات التي تبادلها السياسيون في أوج حملة الانتخابات الجماعية، والتي وصلت حد الاتهام باستعمال أموال المخدرات، واستعمال المال للوصول إلى المواقع السياسية، ومنها عضوية مجلس المستشارين. هذه الاتهامات تجعل المواطن في حيرة من أمره. فالأحزاب السياسية التي يفترض فيها أن تروج لخطاب سياسي «جاد»، ينبني على التنافس من خلال البرامج والوعود الصادقة، أضحت تلعب على وتر «الأخلاق السياسية» و»الاتهامات الخطيرة»، التي يبقى مكان الفصل فيها هو القضاء. لكن الأخطر من ذلك هو توجه بعض الأطراف الحزبية إلى التشكيك في العملية برمتها، ومن ذلك موقف ادريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ذهب إلى حد الحديث عن «الطعن السياسي» في الانتخابات. هذه التصريحات جاءت في الوقت الذي أعطت الدولة ضمانات قوية بعدم التدخل، ولاحظنا كيف أن وزارة الداخلية سارعت إلى إجراء حملة تنقيلات وإعفاءات في صفوف عدد من رجال وأعوان السلطة، ومعاقبة كل من حاول التدخل بأي شكل من الأشكال في العملية. رسالة مفادها أن العملية الانتخابية ستنحصر منافساتها بين الأحزاب السياسية، التي تتحمل في المقام الأول مسؤولية النخب التي ستتقدم بها إلى الانتخابات، في ظل تنامي وعي المواطن لمواجهة محاولات «التلاعب» بصوته الانتخابي عن طريق عمليات شراء الذمم. كل هذه التحديات تأتي في الوقت الذي كشف الحراك المغربي سنة 2011 ارتفاع وعي الشباب بالعملية السياسية والديمقراطية، بشكل مهد لتعديل دستوري عميق فتحت بشأنه مشاورات واسعة. هذا يعني أن فكرة «العزوف» لا تنبني على منطق «عدم الاهتمام»، بل بشكل مباشر على مفهوم الجدوى من العملية الانتخابية، ومدى قدرة الفاعل السياسي على إحداث التغيير المنشود. ومادمنا نتحدث هنا عن إشكالية الثقة في الفاعل الحزبي، فلابد أن نعود إلى دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط بشأن «أكثر المنغصات والأحاسيس السلبية للمغاربة». فالبحث أشار إلى أن68 في المائة من المغاربة يرون أن ثقتهم في الأحزاب السياسية منخفضة أو منعدمة. كما أن 64 في المائة من المستجوبين عبروا عن ثقة منخفضة أو منعدمة تجاه المجالس المنتخبة، في حين تصل نسبة الأشخاص الذين لديهم نفس الإحساس تجاه البرلمان إلى 57.2 في المائة. كل هذه الإشكاليات تطرح على الفاعل الحزبي مسؤولية كبيرة في إقناع المواطنين أولا بضرورة التسجيل في اللوائح الانتخابية، باعتبارها شرطا أساسيا للمشاركة في العملية الانتخابية. وهنا لابد أن تلعب الشبيبات الحزبية دورا أساسيا في استقطاب المواطنين، خاصة أن الانتخابات الأخيرة أكدت فعالية هذه التنظيمات في رفع عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية. بيد أن المعطى الأهم، إلى جانب التسجيل في اللوائح، هو ضرورة إقناع المواطنين بالإدلاء بأصواتهم في يوم الاقتراع، بغية التأثير في المشهد السياسي وطبيعة الحكومة والبرلمان في السنوات الخمس القادمة، عوض ترك المجال فارغا، بشكل قد يجعل بعض المتربصين باللعبة السياسية يلجؤون لبعض الممارسات الفاسدة، رغم صرامة الإجراءات المتخذة وموقف الدولة الحازم تجاه حماية العملية الانتخابية. انتخابات السابع من أكتوبر ستكون ثاني امتحان لحزب العدالة والتنمية، والأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، لاختبار نجاعة الاختيارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة. وقبل الوصول إلى يوم»الامتحان»، يبدو أن الصراع سيكون قويا حول عدد من القضايا الخلافية، ومنها نسبة العتبة واللائحة الوطنية للشباب والكوطا المخصصة للنساء. لوبي الفساد الانتخابي يستعد للعودة بعد هدنة نسبية في انتخابات 2011 الأموال القذرة شبح يلاحق الانتخابات التشريعية والداخلية والعدل تبحثان عن «حالات التلبس» في كل عملية انتخابية يعرفها المغرب تطل ماكينة الفساد والإفساد برأسها لتفرض للمنخرطين فيها مكانا في دائرة التنافس، وتتمكن من حصد آلاف الأصوات التي تعبد الطريق لمرشحين وجدوا في المال القذر طريقا سهلة للوصول إلى مناصب المسؤولية في المجالس المنتخبة أو الحصول على صفة برلماني. ورغم أن الدولة ومعها وزارة الداخلية تحاول في كل مرة منح صك البراءة لمجمل الاستحقاقات بالحديث عن «حالات معزولة» لمسح الصورة القاتمة، التي رافقت تاريخ العمليات الانتخابية بالمغرب بشكل جعل مؤشر النزاهة العالمي لسنة 2010يضعه في مراتب متأخرة فيما يتعلق بشفافية الانتخابات والتمويل السياسي، إلا أن التخوفات والاتهامات بحدوث فساد انتخابي وإنزال للأموال وشراء للذمم تبقى واقعا و فزاعة حقيقية للديمقراطية، وضربة قوية للتنافس الشريف، بعد أن فشلت جميع التدابير المعلنة في لجم مثل هذه الممارسات التي تحولت إلى عرف انتخابي. ولعل بعض الممارسات التي رافقت الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، والأحداث التي طبعت انتخاب رؤساء المجالس والغرف جعلت عددا من الهيئات السياسية تستبق النقاش حول الانتخابات، لتعبر بشكل صريح عن تخوفها من أن ينزل لوبي الفساد الانتخابي بكل ثقله، بعد أن تم تحجيمه نسبيا في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2011 بالنظر لخصوصية المرحلة، بحكم أن الدولة كانت تسعى لطي صفحة الحراك الشعبي وخلق أرضية مناسبة لتفعيل مضامين الدستور الجديد وبالتالي فإن «الخواض» الانتخابي بقي محصورا في نطاق ضيق. هذا التخوف ترجم إلى أسئلة حارقة لاحقت كلا من محمد حصاد وزير الداخلية ومصطفى الرميد وزير العدل، ليقرا بشكل صريح بأن تعقب المال الموظف في شراء أصوات الناخبين «أمر صعب»، وأنهما يبادران بمجرد توصلهما بشكاية تتعلق بشراء الأصوات إلى تفعيل الإجراءات دون التمكن من ضبط حالات تلبس، ما يعني رفع الراية البيضاء في مواجهة أهم وسيلة لشراء الأصوات وإفساد الانتخابات. مطالب بعض الأحزاب بضرورة وضع آليات مشددة وذات فاعلية من أجل التصدي للفساد الانتخابي أعادت إلى الواجهة التشخيص الذي كانت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة قد أعدته حول نواقص مكافحة الفساد السياسي بالمغرب، والذي نبه إلى أن المغرب لازال أمامه الكثير للوصول إلى إجراء محطات انتخابية أكثر شفافية ومصداقية رغم وجود بعض التحسن. التشخيص خلص إلى نقطة في غاية الأهمية بعد أن أكد وجود مسؤولية مشتركة بنسب متفاوتة بين الأحزاب والمترشحين باسمها، والسلطة وممثليها، والمواطنين باعتبارهم ناخبين ووسطاء أحيانا، كما وضع اليد على وجود تفاوت بين مدونة الانتخابات والقانونين التنظيميين والمدونة الجنائية بالنسبة لمدة العقوبات ومبلغ الغرامات وهو التفاوت الذي كشفت الهيئة أنه غير قابل للتبرير، بحكم عدم وجود فرق في أفعال الإرشاء والارتشاء وتسخير الممتلكات في الحقل السياسي أو في غيره من المجالات، وكذلك اعتبار الرشوة في المدونة الانتخابية جنحة بسيطة لا تستلزم رغم خطورتها، سوى عقوبة حبسية من 6 أشهر إلى سنة وغرامة بين 5آلاف و 20ألف درهم. كما وقف التشخيص على كون تسخير الممتلكات العمومية في الحملة الانتخابية يعامل قانونيا على أنه مجرد مخالفة لا تستدعي سوى عقوبة حبسية من 6 أيام إلى شهر وغرامة من 1000 إلى 5000 درهم على خلاف أفعال الاختلاس أو استغلال النفوذ المجرمة بالقانون الجنائي. ونبه التشخيص إلى عطب أساسي يحد من فعالية أي إجراء يستهدف محاربة الفساد الانتخابي والسياسي في ظل عدم سريان مقتضيات مشروع القانون المتعلق بحماية الضحايا والشهود والخبراء على المبلغين عن جرائم الفساد الانتخابي، مما يشكل حسب التشخيص تساهلا غير مبرر مع مظاهر الفساد السياسي والانتخابي وعقبة أساسية أمام آليات مواجهته. من جهة أخرى فان الفساد الانتخابي لا يمر عبر صناديق الاقتراع فقط، بل ينطلق مبكرا من حروب التزكيات التي تشهدها بعض الأحزاب من طرف بعض مناضليها الطارئين ممن يرغبون في الحصول على رخصة برلماني لأغراض خاصة، وهو أمر كان محصورا على بعض الهيئات السياسية قبل تنتقل عدواه إلى أحزاب كانت تحظى بالاحترام بعد أن أسقطت بدورها الفيتو الذي كانت ترفعه في وجه أصحاب الشكارة قبل عقدين من الزمن. ورغم أن الانتخابات الجماعية و الجهوية الأخيرة عرفت إحالة ملفات عدد من المشتبه فيهم بالفساد الانتخابي إلا أن هذه السابقة اعتبرها البعض مجرد فرقعة إعلامية أدت مفعولها لوقت قصير، قبل أن تنفجر فقاعة الصابون التي رافقتها مع صدور قرارات بحفظ المتابعة في حق عدد من تم التشهير بهم علانية، في حين تم تقزيم المتابعة في حق آخرين، الأمر الذي جعل عدة علامات استفهام تطرح حول الخلفيات الحقيقية لإصدار بلاغ تم بث مضمونه في وسائل إعلام رسمية، قبل أن يتم طي هذه الصفحة، علما أن الأمر كان يتعلق بناخبين كبار تم وضع هواتفهم تحت مسطرة التنصت قبل أن يتم حصد عدد منهم وإحالتهم على التحقيق. هذه الطريقة التي اعتمدت مع الناخبين الكبار ورغم أنها شكلت في بدايتها مفاجأة مدوية خلقت انطباعا بأن يدا من حديد ستلاحق الفساد الانتخابي في جميع تمظهراته، إلا أن الواقع ووفق التصريحات الأخيرة لكل من وزير العدل والداخلية يثبت بأنها ستكون غير مجدية أو ذات مفعول ضعيف في الانتخابات التشريعية التي تشهد نشاطا محموما لسماسرة الأصوات و»الشناقة»، وتتسع رقعتها الجغرافية والتواصلية لتتجاوز الناخبين الكبار إلى أحياء المدن الهامشية والبوادي حيث يسهل اقتناص الأصوات وجمعها من خلال ضبط لوائح بأرقام البطائق الوطنية، بشكل يجعل بعض المرشحين يشرعون في إحصاء الأصوات التي حصلوا عليها قبل وضعها في الصندوق يوم الاقتراع. وفي انتظار الآليات التي سيتم تفعيلها من طرف وزارة الداخلية والعدل لمحاصرة مفسدي الانتخابات، فإن الثابت أن آلية الفساد الانتخابي تطورت، علما أن بعض الممارسات أصبحت عرفا جاريا العمل به بعد أن تم التطبيع معها من طرف بعض المرشحين الذين لا ينتظرون توقيت الحملة، بل يشرعون مبكرا في نشاطهم الخيري بحضور الجنائز والتكفل بمصاريفها وتغطية نفقات العقيقة والختان وجميع المصائب الطارئة التي تلحق بسكان دوائرهم الانتخابية. عباس بوغالم * : على المجلس الأعلى للحسابات تحريك كل الآليات للقطع مع الفساد الانتخابي قال إن أوجه إفساد العملية الانتخابية بالمغرب متعددة باعتقادك هل نضجت الظروف السياسية والمجتمعية والحزبية لإجراء انتخابات تشريعية يعول عليها لتكون حاسمة في القطع مع ما عرفه المسلسل الانتخابي بالمغرب من مظاهر فساد وبلقنة؟ أعتقد أن مسألة تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد لا ينبغي أن ترتهن بتحقيق أي شرط من الشروط المرتبطة بإنضاج الظروف السياسية أو الحزبية، لأن مسألة تنظيم الانتخابات في آجالها القانونية المحددة هي من المبادئ والأعراف وقواعد الممارسة السياسية التي ينبغي احترام آجال انعقادها، لأن في احترام هذه الآجال، احترام لإرادة الناخبين في ممارسة دورهم الانتخابي والرقابي، من خلال تجديد تزكيتهم للأحزاب الفائزة أو اختيار أحزاب أخرى. أما مسألة إنضاج الظروف السياسية في صورتها المثلى فمما لا يمكن إدراكه آجلا أم عاجلا، ويبقى الشرط الأساس في إنضاج المناخ السياسي مرتبطا بتحقيق مزيد من التراكم على مستوى إجراء هذه الانتخابات واحترام مواعيد إجرائها، فمن خلال ضمان تكرار هذه الممارسة الانتخابية، يمكن أن نتجاوز مجموعة من السلبيات والنقائص التي كانت تشوب الانتخابات الماضية، وبالتالي الرقي بالممارسة السياسية وبالعملية الانتخابية، لأن الممارسة الديمقراطية في جوهرها هي تمرين ديمقراطي ممتد في الزمان. – تحدث كل من وزير العدل ووزير الداخلية عن صعوبة ضبط حالات تلبس فيما يتعلق بالتصدي لمفسدي الانتخابات، ألا ترى أن هذا الخطاب يخلق أجواء غير مطمئنة، وما هي الآليات التي يتعين تفعيلها للقطع مع هذه الظاهرة؟ أعتقد أن أوجه إفساد العملية الانتخابية بالمغرب متعددة وتتخذ أشكالا وصيغ كثيرة، ويظل توظيف الأموال الحرام والحلال في شراء الذمم وأصوات الناخبين أحد أوجه إفساد العمليات الانتخابية، وهذا واقع مجمع عليه، لكن إذا كان ما صرح به الوزيران يعكس جزئيا نوعا من الصحة، بسبب غياب الإثباتات في بعض الحالات، فهو ينطوي على الكثير من المغالطات من جهة ويحمل في طياته الكثير من المخاوف بخصوص الحرص على ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة، أولا مسألة ضبط عمليات إفساد العملية الانتخابية ليست من الصعوبة المستعصية على الرصد من قبل الإدارة ومختلف أجهزتها، وبالتالي إمكانية التدخل لوضع حد لمثل هذه الممارسات، والأكيد أن جزءا من عمليات إفساد الانتخابات الجماعية والجهوية السابقة كانت تتم تحت جنح الظلام، لكن الأكيد أيضا أن جزءا كبيرا من هذه الممارسات كانت تتم في واضحة النهار دون أن تحرك الإدارة ساكنا للقطع مع هذه الممارسات. ثانيا إن مثل هذه التصريحات لا يمكن إلا أن تؤول بشكل سلبي وتعطي انطباعا بأن الإدارة ومختلف الأجهزة المعنية تظل عاجزة عن وضع حد لمختلف عمليات إفساد الممارسة الانتخابية وهو ما يشكك في مصداقية ونزاهة هذه الانتخابات، والأكثر من ذلك سيعتبر هذا بمثابة مؤشر دال على غياب الإرادة الحقيقية للقطع مع مختلف أوجه إفساد العملية الانتخابية. وبخصوص الآليات التي ينبغي تفعيلها للقطع مع هذه الظاهرة، أولا ينبغي توفر شرط الإرادة السياسية الحقيقية والصادقة للحد من ظاهرة إفساد العمليات الانتخابية بما فيها توظيف الأموال، ثانيا على مختلف الأحزاب السياسية أن تجدد العزم على ضرورة ضمان نزاهة الانتخابات والعمل على تحقيق هذه النزاهة الانتخابية عبر ميثاق أخلاقي بين مختلف هذه الأحزاب السياسية. ثالثا تحريك آليات الرقابة، التي يتوفر عليها المجلس الأعلى للحسابات، من خلال مراقبة صرف الأموال في الحملات الانتخابية. – هناك نقاش محموم وصراع حول العتبة، كيف تفسر انخراط أحزاب لها وزن تاريخي مثل الاتحاد الاشتراكي في صف المطالبين بتخفيض العتبة، وما الذي يجعل العتبة مسألة حساسة بالنسبة لباقي الأحزاب؟ في البداية جرت العادة في المغرب أنه غداة كل انتخابات إلا ويعاد فتح النقاش حول مجموع الترسانة القانونية المنظمة للعملية الانتخابية، وفي كل مرة نجد أن الحوار والنقاش يتم من خلال تصريف مواقف واختيارات تخدم أطرافا حزبية معينة، أي أن كل طرف سياسي إلا ويقدم خيارات وبدائل تخدم مصالحه وامتيازاته، والحال أنه ينبغي أن يكون هناك حد أدنى من التوافق حول إرساء دعائم وأسس إجراء هذه العملية الانتخابية بالشكل الذي يتيح إمكانية التنافس السياسي الحر وفق قواعد متفق ومتعارف عليها. وهذه التوافقات تتجدد حسب طبيعة المرحلة واللحظة السياسية التي تعرفها الدولة، وأيضا حسب الرهانات والتطلعات المأمولة، وهذا لا يشكل بدعا في التجارب الديمقراطية. في هذا الإطار يمكن القول إن فتح النقاش حول موضوع العتبة له ما يفسره وهو مرتبط بشكل أساسي بتعدد الأحزاب، التي يمكن أن توصف بأنها صغير أو جديدة، وبالتالي استشعار خطر عدم ضمان تمثيليتها في المؤسسة البرلمانية، وهذا ما يفسر مناداة بعض الأحزاب بتخفيض نسبة هذه العتبة، الأمر الذي ينطبق على حزب الاتحاد الاشتراكي وما يميزه أن الأمر مرتبط بالانحدار الذي عرفه على مستوى النتائج المحصل عليها في الانتخابات الجماعية والجهوية، وبالتالي أضحى يستشعر تهديدا بعدم ضمان تمثيليته في الانتخابات القائمة، وهو ما سيشكل ضربة قاصمة لحزب القوات الشعبية، في هذا السياق يمكن قراءة هذه الخطوة الاستباقية من خلال المذكرة الموجهة للحكومة. لكن ما يلاحظ هو حدة انقسام الأحزاب السياسية إزاء موضوع هذه العتبة، فنحن أمام أربعة اتجاهات: هناك أحزاب تطالب بالرفع من نسبة هذه العتبة، وهناك أحزاب تنادي بالحفاظ على نسبة العتبة القائمة 6%، في مقابل وجود أحزاب تطالب بتخفيض هذه العتبة إلى حدود 3%، وأحزاب أخرى تطالب بإلغاء العتبة نهائيا. والغائب هو عدم وجود مقاربة متوازنة في إطار ما ينبغي أن يكون، النقاش الحالي حول مسألة العتبة لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى السقوط في فخ اختصار واختزال كافة الإشكاليات المرتبطة بالعملية الانتخابية بالمغرب في موضوع العتبة، فالإشكالات المرتبطة بالعملية الانتخابية هي إشكالات بنيوية ترتبط بمنظومة الانتخابات عموما وبالمناخ السياسي والبيئة التي تجرى فيه هذه الانتخابات، فحين الحديث عن مسألة العتبة غالبا يرتبط الأمر بموضوع عقلنة المشهد السياسي الحزبي في مقابل واقع البلقنة السياسية التي يعرفها المغرب، والحال أن واقع هذه البلقنة سيظل في المغرب بغض النظر عن نسبة هذه العتبة، لأن ما يمكن أن يحد من هذه البلقنة هو وضع هذه العتبة على المستوى الوطني وليس المحلي كما هو موجود في العديد من التجارب الديمقراطية، وبالتالي فنسبة العتبة ارتفاعا أو انخفاضا على المستوى المحلي يكون لها فقط تأثير جزئي على مستوى التمثيلية. أما إذا كانت هناك إرادة حول ضمان تمثيلية بعض الأحزاب الصغرى، فالأمر لا يشكل بدعة في الممارسة الديمقراطية لكن على أساس توافق مختلف الفرقاء السياسيين بالشكل الذي يحقق التوازن ما بين ضمان تمثيلية هذه الأحزاب مع تحقيق حد أدنى من العقلنة على المستوى الحزبي، الذي يعد شرطا للعقلنة على مستوى الممارسة الديمقراطية عموما. – هل المناخ السياسي الحالي يسمح بالتكهن بما ستفرزه صناديق الاقتراع، وألا يطرح من جديد التخوف من عزوف المواطنين؟ العديد من المؤشرات المرتبطة باللحظة السياسية الراهنة، التي تسبق إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل، توحي بأن هذه الانتخابات ستتخذ طعما خاصا بالنظر إلى حد التنافس بين مختلف الأحزاب، الذي سيطبع ولاشك هذه الانتخابات، وهذا ما يلاحظ انطلاقا مما أضحى يميز الممارسة والخطاب السياسيين لمختلف الفاعلين السياسيين، ففي جميع الحالات مسألة التكهن بما ستفرزه صناديق الاقتراع ربما لن تحيد عما هو متوقع في ضوء الانتخابات السابقة، وبالتالي فالأحزاب التي ستتنافس على مواقع الصدارة تظل هي نفسها الأحزاب التي تصدرت المراتب الأربع في الانتخابات السابقة. طبعا مسألة إقبال المواطنين على العملية الانتخابية رهين بالظروف التي ستجرى فيه هذه الانتخابات، وبالمناخ السياسي الذي من شأنه أن يحفز مجموعة من المواطنين حول الانتخابات، ورهين أيضا بحجم الضمانات التي من شأنها إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعلى رأسها القطع مع كافة ممارسات الإفساد التي تتعرض لها العمليات الانتخابية، والتي تعتبر الشرط الأساس لإضفاء المزيد من المصداقية على هذه الانتخابات وبالتالي استرجاع الثقة في الممارسة السياسية عموما من قبل المواطنين، أما في حال غياب هذه الضمانات فلا شك أن ظاهرة العزوف السياسي والنفور من الانتخابات ستزداد استفحالا. – ألا ترى أن تفعيل «الكوطا» أمر يتناقض مع الديمقراطية التي تقتضي التنافس بشكل شفاف، علما أن الأمر لا يعدو أن يكون «ريعا» يستفيد منه مقربون من قياديين حزبين؟ من الناحية المبدئية والنظرية مسألة تخصيص الكوطا لفئة أو جهة معينة لا شك أنه أمر يتناقض مع الممارسة الديمقراطية ومقتضياتها، التي تستوجب التنافس المتكافئ والمفتوح أمام الجميع. لكن من جهة أخرى مسألة الكوطا تطرح في سياق ما يصطلح عليه بالتمييز الإيجابي الذي من شأنه إحداث نوع من التوازن على مستوى بعض الاختلالات التي تعرفها تمثيلية بعض الفئات، من قبيل إشراك وإدماج المرأة في العمل السياسي والانخراط بشكل أوسع في الممارسة السياسية، وبالتالي الإسهام في صياغة مجموعة من القرارات السياسية والسياسات العمومية، طبعا هذا نقاش قديم جديد في نفس الآن، ولكن غالبا ما يطرح حسب السياقات التي تمر بها بعض المجتمعات، وحسب ما ينبغي تحقيقه من وراء مثل هذه الإجراءات الاستثنائية، نحن في المغرب اعتمدنا نظام الكوطا بالنسبة للمرأة وأيضا لائحة بخصوص فئة الشباب، ففي مراحل معينة لا بأس من مثل هذه الإجراءت، ولكن ربما الصيرورة الديمقراطية تقتضي من جهة أخرى العودة إلى الحالة العادية والطبيعية من خلال إيجاد آليات تحقق تكافؤ الفرص والمساواة ما بين كافة المواطنين حتى لا نخرق مجموعة القواعد الدستورية وروح هذه القواعد الدستورية، مع إيجاد بدائل أخرى لإدماج المرأة أو الشباب من داخل الأحزاب نفسها من خلال التأكيد على مجموعة الآليات والإجراءات، التي من شأنها دمج النساء جنبا إلى جنب مع الرجال، وأيضا إدماج عنصر الشباب في لوائح وقوانين الأحزاب السياسية، وبالتالي تجاوز هذا الاختلال بدون اللجوء إلى هذه الإجراءات الاستثنائية وبدون خرق مضمون وروح الدستور، وبالتالي تحقيق الممارسة الديمقراطية بما تعنيه من تكافؤ للفرص والمساواة وتحقيق التنافس المفتوح أمام الجميع. وهكذا قد نضع حدا لكل شبهة قد ترتبط بعمليات تفعيل هذه الإجراءات الاستثنائية والتي تصنف في الغالب في غطاء الريع السياسي. -تصرف 30 مليار سنتيم من أموال المغاربة على الحملة الانتخابية وهي الملايير التي تقدمها الداخلية كدعم للأحزاب لتغطية النفقات، هل تعتقد أن الحملة يكون لها تأثير في تحديد المرشح أو الحزب الذي يصوت عليه المواطن بشكل يبرر صرف كل هذه المبالغ؟ ينبغي الإشارة أولا إلى أن مسألة دعم الأحزاب السياسية لا تقتصر على دعم الحملة الانتخابية فقط، بل هناك دعم لهذه الأحزاب على أساس نسبة تمثيليتها في المؤسسة البرلمانية، وهناك دعم خلال مرحلة عقد هذه الأحزاب لمؤتمراتها، إضافة إلى دعمها إبان مرحلة الحملة الانتخابية. المشكل ليس في تخصيص الدعم للأحزاب السياسية، ففي جميع الديمقراطيات هناك دعم للأحزاب بالنظر إلى مجموع الوظائف التي تنهض بها هذه الأحزاب، وبالتالي لابد من أجل تحقيق الديمقراطية من تكلفة معينة، لكن الإشكال في المغرب يرتبط بعنصر الحكامة والترشيد لهذه النفقات، وهذا محط نقاش واختلاف كبير ما بين ما يسمى بالأحزاب الكبرى والأحزاب الصغرى، فهناك بون شاسع بين ما يقدم لكلا الفئتين من الأحزاب، وبالتالي في غياب مجموعة من المعايير التي تراعي مختلف الأدوار والوظائف المنوطة بمجموع الأحزاب السياسية، هناك إحساس من قبل بعض الأحزاب الصغرى بنوع من الإجحاف على مستوى ما يخصص لها من نفقات، وبالتالي لا بد من إيجاد آليات ومعايير جديدة يتم من خلالها صرف هذا الدعم المخصص لهذه الأحزاب للحد من الفوارق الكبيرة بين مختلف هذه الأحزاب، على أساس صرف هذه الأموال تحت مجهر الرقابة. وبالتالي ينبغي إعادة النظر في موضوع دعم الأحزاب في ضوء مقوم الحكامة التي أكد عليها الدستور الحالي، ضمان دعم هذه الأحزاب بشكل واضح وشفاف يجعل هذه الأحزاب في منآى عن شبهة توظيف أموال الشعب في غير الوجهة التي من أجلها تم تخصيص هذا الدعم لهذه الأحزاب.