أبرز بن يونس المرزوقي أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، على أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، لا يزال يخضع في هندسته إلى القانون الحالي طريقة صياغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب لم تراع العديد من مستجدات الدستور الجديد. ولتفسير ذلك ذهب الباحث الجامعي، إلى التأكيد على أن تقليص عدد أعضاء مجلس المستشارين في الدستور الحالي، كان ينبغي أن يتبعه تقليص في عدد أعضاء مجلس النواب. وقال المرزوقي إن تقليص عدد الأعضاء سيؤدي لزوما إلى إعادة النظر في التقسيم الانتخابي، وهو ما سيزعزع بعض "القلاع" التي شيدها "مفسدو" الانتخابات وحولوها إلى إقطاعيات تضمن لهم النجاح بسهولة. وقلل المرزوقي من السجال الدائر حول العتبة، معتبرا أن القضية الأهم في تحديد مسار الاستحقاقات الانتخابية يكمن في مسألة التقطيع الانتخابي. مشددا على أنه عن طريق التقطيع الانتخابي يُمكن قطع الطريق على مستعملي المال للتغرير بالناخبين والناخبات. وفيما يخض عملية الإشراف على المسلسل الانتخابي نبه المرزوقي على أن مسألة تحديد الطرف الذي ينبغي أن يُشرف على الانتخابات مسألة جوهرية في العملية الديمقراطية. ذلك أن هاجس البحث عن النزاهة والشفافية، يقتضي أن يكون هذا الجهاز محايدا حتى لا يؤثر أو يوجه العملية الانتخابية إلى نتائج محددة سلفا. هذا الحوار وإليكم نصه: ❒ سلمت وزارة الداخلية إلى الأحزاب السياسية مسودة القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، هناك من يناقش أولا مسألة تهيئ القوانين التنظيمية الخاصة بالاستحقاقات القادمة. ويذهب إلى أنه كان من المفروض تكليف لجنة مستقلة متعددة الأطراف تحت إشراف الوزير الأول لنهيئ مجمل الترسانة القانونية. كيف تقرأ هذا النقاش؟ وما هي في نظركم موقع وزارة الداخلية في عملية إنتاج تلك المشاريع؟ ❒❒ أعتقد أن مسألة تحديد الطرف الذي ينبغي أن يُشرف على الانتخابات مسألة جوهرية في العملية الديمقراطية. ذلك أن هاجس البحث عن النزاهة والشفافية، يقتضي أن يكون هذا الجهاز محايدا حتى لا يؤثر أو يوجه العملية الانتخابية إلى نتائج محددة سلفا. وأعتقد أن تجربة إشراف وزارة الداخلية بالمغرب على مختلف الاستحقاقات والاستفتاءات قد بدأت تستنفذ دورها. لقد لعبت هذه الوزارة دورا كان دائما محل نقاش بين الأحزاب السياسية من جميع الزوايا، ابتداء من الإعداد لعملية التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى غاية إعلان النتائج. إلا أن الأوراش الكبرى التي عرفها المغرب بدأت تفرض فتح هذا الورش المهم. فالمغرب من خلال الدستور الجديد مقبل على حكومة من نوعية أخرى، أي حكومة ذات صلاحيات تنفيذية حقيقية ومنبثقة من صناديق الاقتراع، ولذلك، فإنه ينبغي التحضير لمرحلة "الحكومة الحزبية" والتي يكون كل أعضائها منتمين إلى أحزاب الأغلبية. وفي هذا الصدد، فإن دورا جديدا ينتظر وزارة الداخلية التي ينبغي أن تتحول إلى وزارة عادية يسيرها مسؤولين منتمين إلى أحزاب سياسية. ولهذا، فإن الظرفية مناسبة للشروع في "تفتيت" وزارة الداخلية، وإزالة كل ما يُمكن أن يبقيها "وزارة سيادة". وفي هذا الصدد، فإن الشروع في سحب بعض المهام من وزارة الداخلية، مسألة إيجابية جدا، وبالضبط يجب الشروع في سحب المجالات التي لها علاقة بالشؤون السياسية. إن الدور الذي تلعبه هذه الوزارة في مجال تأسيس الأحزاب السياسية، وفي الإشراف على الاستحقاقات هي من بين الأولويات في هذه الظرفية. فكيف نتصور وزارة داخلية "حزبية" تلعب هذه الأدوار في دولة لا زالت فيها الممارسة الديمقراطية غير مترسخة بشكل كاف؟ وكيف نتصور إشراف أغلبية حزبية على انتخابات تشريعية؟ إن الظرفية مناسبة لفتح هذا الورش الكبير والاستراتيجي، وإلا فإن وزير الداخلية القادم (المنتمي مستقبلا بالضرورة إلى حزب سياسي) سيكون في وضعية أسمى من رئيس الحكومة نفسه. حقيقة إن هذا الطرح يستلزم عملا جبارا، لأن الأمر لا يتعلق بعملية سهلة. فالتراكمات جعلت وزارة الداخلية تحتكر كل المساطر المتعلقة بالاستحقاقات، كما أنها هي التي تحضر النصوص المرتبطة بها، ولذلك فإنها تمتلك وسائل التوجيه والتأثير، وهي مسألة ينبغي إيجاد حل لها عن طريق إسناد هذه المهام إلى لجنة مستقلة، ذات حصانة مؤكدة، بشكل يجعلها غير خاضعة لأية تعليمات أو ضغوط حتى من الأحزاب نفسها، مع تمكينها من وسائل العمل ووضع "الإدارة الانتخابية" تحت تصرفها، ومنحها صلاحية رفع دعاوى أمام القضاء عن كل مخالفة تسجلها. وفي هذا ضمانة أخرى أكيدة عن صحة المسلسل الانتخابي. ❒ تحدث جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش على أولوية الانسجام مع جوهر الدستور في إنتاج القوانين التنظيمية. هل تعتقدون أن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب ينسجم مع جوهر الدستور؟ فالبعض يتحدث عن وجود بصمات تناقض روح دستور 2011؟ ❒❒ إن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، لا يزال يخضع في هندسته إلى القانون الحالي. حقيقة أنه يتضمن بعض الإيجابيات، لكنني لا أعتقد أن عامل الوقت سيسمح بإعادة النظر فيه جذريا. فالعديد من المقتضيات مرتبطة بالنظام العام الوارد بمدونة الانتخابات، وبالتالي فإن الأمر يستلزم فتح النقاش حول العملية الانتخابية برمتها، وتحديد المبادئ الأساسية المشتركة في كل الاستحقاقات قبل الخوض في التفاصيل الخاصة بكل نوع منها. إن المشروع المطروح للمناقشة لا زال نصا غير نهائي، وسيعرف تعديلات عديدة من خلال النقاش الجاري حوله، لكن ذلك لا يمنع من القول أن طريقة صياغته لم تراعي العديد من مستجدات الدستور الجديد. فمثلا رغم أن النص الدستوري يتحدث عن المواطنين والمواطنات، عن الرجل والمرأة، فإن النص ليس فيه أدنى إشارة إلى الناخبات، ولا المرشحات، ولا وكيلات اللوائح، ولا رئيسة مكتب تصويت، ولا ممثلة للعامل أو لوزير الداخلية... إنه نص موجه إلى الرجل دون أي اعتبار للنساء؛ كما أن النص يستلزم نقاشا واسعا حول بعض مقتضياته والتي سنشير لبعض منها لاحقا في موضوع اللائحة الوطنية، والعتبة. ❒ مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب أقر الزيادة في عدد مقاعد مجلس النواب، بزيادة 70 مقعد خاص باللائحة الوطنية. هناك من يقول بأن هذا الرفع يفرغ كثيرا من المضامين الجيدة التي جاء بها دستور 2011 حيث أن تشكيل لجان تقصي الحقائق أصبحت من الناحية العددية تتطلب 132 من أصل 395 بدل 325 في الحالة الحالية وكذلك الدفع بعدم دستورية القوانين يتطلب في المشروع الجديد 79 بدل 81 . أليس ذلك إفراغ لمضامين الدستور من محتواها؟ ❒❒ يتكون البرلمان الحالي من 325 عضوا بمجلس النواب، و270 عضوا بمجلس المستشارين، أي ما مجموعه 595 عضوا، لذلك، فإن تقليص عدد أعضاء مجلس المستشارين في الدستور الحالي، كان ينبغي أن يتبعه تقليص في عدد أعضاء مجلس النواب، أو على الأقل المحافظة على نفس العدد حتى تكون الفعالية أكبر. وأعتقد أن مسألة العدد ينبغي النظر إليها أساسا من زاوية توسيع الدوائر ليصبح الوصول إلى البرلمان مبني أساسا على عمل التنظيمات الحزبية المنظمة ولا يفتح أية إمكانيات لشراء الذمم واستعمال المال. فتقليص عدد الأعضاء سيؤدي لزوما إلى إعادة النظر في التقسيم الانتخابي، وهو ما سيزعزع بعض "القلاع" التي شيدها "مفسدو" الانتخابات وحولوها إلى إقطاعيات تضمن لهم النجاح بسهولة. ولكن مع ذلك، إذا كان من الضروري الرفع من العدد، فإن ذلك يجب أن تتم مناقشته بشكل متوازي مع التقطيع الانتخابي. ❒ يطرح مسألة نمط الاقتراع، في رأيكم ما هو نمط الاقتراع القريب من طبيعة الحياة السياسية في المغرب والممكن التوافق حوله؟ ❒❒ إن اختيار نمط اقتراع معين، يجب أن يراعي فعلا طبيعة الحياة السياسية للمجتمع. وفي هذا الصدد، فإن الوضع الحزبي ببلادنا، يستلزم مؤقتا الاستمرار في اعتماد النظام اللائحي. إنه الوسيلة الوحيدة القادرة على عقلنة المشهد الحزبي، خاصة إذا تم رفع العتبة.إن تأسيس الأحزاب السياسية حق للمواطنين والمواطنات، ولا يُمكن حرمانهم من هذا الحق، لكن ليس من الضروري أن نضمن لكل هذه الأحزاب تمثيلية بالبرلمان. وهكذا فإن الاقتراع الفردي الأكثري بالدورة الواحدة لم يؤد إلا إلى تزايد عدد الأحزاب السياسية رغم أنه في تجارب أخرى أدى إلى ترسيخ الثنائية الحزبية، وبالتالي لا يُمكن التفكير في الوقت الحالي في الرجوع إليه. إما النظام اللائحي النسبي الحالي، فإنه يُمكن أن يُعطي نتائج إيجابية في حالة إدخال بعض التعديلات عليه. وإذا كان المجال هنا لا يسمح بالتفاصيل، فإني أفكر مثلا في الاقتراع اللائحي النسبي وفق أكبر معدل وليس وفق أكبر بقية، كما أنه يُمكن التفكير في لائحة وطنية وفق الاقتراع اللائحي النسبي حيث يفوز كل حزب بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها ولوائح محلية وفق الاقتراع اللائحي الأكثري حيث يفوز الحزب الذي يأتي في المقدمة بكل المقاعد، أو حتى التفكير في نظام مختلط يمزج بين لائحة وطنية ودوائر فردية موسعة... وعندما يُصبح المشهد الحزبي معقلنا، فإن الاقتراع الفردي في دورتين يبقى مسألة معقولة. ويبقى القول أن اختيار أسلوب معين يقتضي بالضرورة فتح نقاش موسع حوله. ❒ تشكل نقطتي التقطيع الانتخابي والعتبة من المواضيع المختلف حولها بين الفرقاء. هل هناك مسارات أكثر ديمقراطية للحسم في هذين المعطيين؟ ❒❒ مسألة العتبة غير ذات أهمية من الناحية الأكاديمية. فعندما يتم تصنيف الأحزاب حسب النتائج المحصل عليها، فإن الحاصل الانتخابي يكون عاليا كلما كان عدد الأصوات المعبر عنها مرتفعا وعدد المقاعد التنافس حولها منخفضا، لذلك فالأمر يتعلق بنقاش سياسي.أما مسألة التقطيع الانتخابي، فهي مسألة في غاية الأهمية، لأنها هي أساس التحكم في النتائج. أعطيك مثالا واحدا: كيف تتصور عملية التأثير في الناخب أو توجيهم من قبل الإدارة الانتخابية إذا كانت غير متطابقة مع الحدود الإدارية؟ هل يُمكن الحديث آنذاك عن عملية تزوير؟ لا أعتقد ذلك، وهنا تكمن أهمية لجنة مستقلة للإشراف عن الانتخابات تلك التي لا تهمها الحدود الإدارية بل فقط التوازن السكاني العددي. إن الأحزاب السياسية مدعوة إلى مناقشة هذا الموضوع بما يكفي من التفاصيل. فعن طريق التقطيع الانتخابي يُمكن قطع الطريق على مستعملي المال للتغرير بالناخبين والناخبات. ❒ إنتاج النخب إحدى المطالب الرئيسية التي وردت في خطاب العرش، في رأيكم ما هي المداخيل الرئيسية لتكوين نخب سياسية وحزبية قادرة على تمثل مضامين الدستور الجديد؟ ❒❒ مشكلة النخب السياسية والحزبية، تحتاج فقط إلى التدبير الحزبي الجيد. فكلما كانت المشروعية انتخابية داخل التنظيمات السياسية كلما كان المجال مفتوحا أمامها. لا يُمكن أن نستمر في الاعتماد على مشروعيات عفى عنها الزمن، بل يجب الاحتكام إلى العملية الديمقراطية لوحدها، ويجب أن نربي فينا ثقافة "الامتناع" حيث نمتنع عن الترشيح بعد فترة معينة حتى ولو ألحت "القواعد" على ذلك، إضافة إلى بعض الإجراءات التي تمكننا من ربح ثقة الأطر والفعاليات الكثيرة في هذا البلد، ولا تنتظر إلا وضوح العملية الديمقراطية سواء تعلق الأمر بالدولة أو بالأحزاب السياسية. فمثلا، دائما هناك نقاش حول تعادل الأصوات: الأكبر سنا أم الأصغر سنا؟، أنا أتسائل لماذا ليس الأعلى شهادة؟