كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الريع الاقتصادي، خصوصا بعد إقبال وزارة التجهيز على نشر لائحة المستفيدين من "لكريمات"، رغم أن ما قامت به الوزارة هو فقط تطبيق لأحد مضامين الدستور الذي يرتكز على الشفافية والوضوح، خطوة سنصفق لها أكثر إن تم الأخذ بها مستقبلا مادام أن الماضي انتهى ولا يمكن لأي إنسان تصحيحه، والكلام في الماضي ما هو إلا مضيعة للوقت وتحايل على النقاش في صلب الموضوع والذي هو وضوح رؤية الحكومة في كيفية محاربة اقتصاد الريع على المدى القصير أي الحاضر والمدى البعيد أي المستقبل. اقتصاد الريع هو فقط جزء من الفساد الذي يعاني منه المغرب، فماذا عن الريع السياسي الذي يعتبر أكبر خطر يهدد المغرب وهو سبب سقوط أنظمة عربية بفضل الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي، فلا يوجد إصلاح دون محاربته بل يعتبر المدخل الوحيد لمحاربة مظاهر الفساد الذي تعاني منه الإدارة المغربية والمجالس المنتخبة. فعندما نرى زعامات سياسية تتشبث بمركزها الحزبي منذ عقود بل أصبحت تضع أفراد عائلاتها في مراكز جد متقدمة داخل اللوائح الانتخابية مستغلة الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب، وهكذا فلائحة الشباب والنساء تم استغلالها من طرف هذه الأحزاب لتمرير أبنائهم وزوجاتهم للبرلمان الذي أعطيت له صلاحيات واسعة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بهؤلاء سنراقب عمل الحكومة وسنشرع القوانين! خطورة الريع السياسي تتجلى في اغتياله لجميع مبادرات الإصلاح مادام أن المستفيدين منه يقف ورائهم فاعلون اقتصاديون ومسئولون يتغذون على نفوذ سلطة هذه الزعامات وهكذا ينتج لنا مسئولين خارج المراقبة و توظيفات مشبوهة داخل الإدارة بعيدا عن الكفاءة والنزاهة و مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المغاربة, وفاعلين اقتصاديين يتملصون من دفع الضرائب ويهدرون حقوق الشغيلة, والأخطر من كل هذا هو "الإجهاز" على كفاءة النخب السياسية بتمرير أشخاص بعيدا عن الأساليب الديمقراطية المعروفة سواء كانوا أفراد عائلاتهم أو أفراد تجمعهم بهم حماية المصالح الشخصية, وبالتالي تشكيل مؤسسات الدولة فارغة من أشخاص أكفاء قادرين على خلق مبادرات إصلاحية وإنتاج أفكار قادرة على تكسير هذا الجمود الذي لا محالة سيؤدي إلى السكتة القلبية إن لم يتم التصدي له. وإن كنا نؤمن بأن لا ديمقراطية بدون أحزاب، فإننا أيضا نؤمن أن لا أحزاب بدون تشبثها بالديمقراطية، وإلا فالصحيح القول أن لا ديمقراطية بدون هؤلاء الأشخاص، وكأن رحم النساء المغربيات عجز عن إنجاب رجال ونساء أكفاء قادرين على التضحية بأنفسهم من أجل هذا الوطن، بل ومن كثرة حبهم و عشقهم للكراسي أصبحوا يتوهمون أن غيابهم عن المشهد السياسي سيجعلنا نصلي صلاة الجنازة على هذا المغرب، والصحيح القول أن غيابهم سيجعلنا نصلي صلاة الجنازة على مغرب الفساد، وستحيى سواعد بيضاء قادرة على بناء هذا الوطن. إننا لا يمكننا إسقاط الفساد دون القضاء على الريع السياسي عبر التشبث بالديمقراطية الحقيقية داخل الأحزاب وليس الديمقراطية الوهمية التي أفرزت لوبيات تدافع عن تزكية طموحات هذه الزعامات مقابل حماية مصالحها ومنافعها، وهكذا تبقى الكعكة لهم وحدهم والهراوة لأبناء هذا الشعب ,فمتى سنقبر طموحاتهم التي أصبحت تغتال أحلامنا وأحلام وطننا!