يعتبر اقتصاد الريع من أبرز مظاهر الفساد بالمغرب، فهو يستنزف ميزانية مهمة من الاقتصاد الوطني وبالتالي يحرم العديد من المواطنين المحتاجين والمعوزين من الاستفادة من خيرات هذه البلاد. وإذا كان الشباب قد رفع شعار "عدالة اجتماعية" من خلال الحراك الذي تعرفه حركة 20 فبراير، فالمراد منه أن يستفيد جميع المواطنين من خيرات هذا البلد وأن نخرجها من عنق الزجاجة وتوزيعها على أساس الاستحقاق بكل نزاهة وشفافية. اقتصاد الريع لا يعني بالضرورة لكريمات بشتى أنواعها أي كريمات الحافلات وسيارة الأجرة بصنفيها الكبيرة والصغيرة، بل يشمل استغلال المقالع ورخص الصيد البحري و الاستفادة من صفقات عمومية بطريقة غير مشروعة والتلاعب والتحايل على القانون حتى تستفيد جهة معينة أو أفراد من ثروة دون وجه حق. والأكيد أن المؤسسة الملكية لها الرغبة الجدية في معالجة هذا الإرث والعبء السلطوي الأسطوري التاريخي، حيث كانت توزع الهبات على أشخاص لمجرد أنهم كتبوا بعض الأشعار يمجدون فيها السلطان أو البلاد. المؤسسة الملكية بالمغرب برهنت على أنها مع صوت الشعب وأنها تريد بناء مؤسسة ملكية حديثة على غرار ملكيات الدول الديمقراطية، هذه الرغبة ترجمت من خلال اللائحة التي أعلنت عليها وزارة التجهيز والتي كشفت عن المستور في ما يخص الأشخاص المستفيدين من هذه الكريمات، و تعبر عن الفوضى و العبثية والفساد الذي يستشري في هذا القطاع أي قطاع النقل بنظرة خاصة، وفساد عدة قطاعات متداخلة التي تمثل الأشخاص الذين استفادوا من هذه الامتيازات بنظرة عامة كقطاع الرياضة و قطاع الثقافة....... هذا الفساد يجعلنا نتساءل كيف لأشخاص معينين يستفيدون من هذه الكريمات دون غيرهم, رغم أن هناك زملاء لهم في نفس القطاع يعيشون في التهميش والإقصاء ؟ إن محاربة اقتصاد الريع لا يمكنه أن يتحقق دون معالجة جذرية لعدة قطاعات بالمغرب كخطوة أولى، وذلك عبر هيكلتها في إطار ضوابط قانونية ومعايير محددة تضمن لجميع المندمجين فيها العيش الكريم دون تفاضل أو تمييز. فهل من الممكن على سبيل المثال أن يكون محاربة اقتصاد الريع مدخلا أساسيا لهيكلة قطاع النقل، وما تعانيه الشغيلة في ما يخص غياب التغطية الصحية والاجتماعية، وكذلك وضع حد للنقل السري والفوضى العارمة الذي تستفيد منه لوبيات الفساد! إن الحكومة بإعلانها عن لائحة المستفيدين من كريمات الحافلات تكون قد خطت خطوة صغيرة لمحاربة اقتصاد الريع، وفي نفس الوقت فهي كبيرة وتعبر على أنها ماضية في تنزيل مضامين الدستور الذي يرتكز على الشفافية والوضوح، بل وتعتبر هذه الخطوة من أهم الركائز الأساسية لإنجاح مشروع الجهوية الموسعة الذي ينتظره المغاربة كنقلة أخرى نحو المزيد من التقدم والازدهار، فهذه الثروة الاقتصادية ستعتبر من أهم الروافد الاقتصادية لإنجاح هذا المشروع إن تم إخضاعها "للجهوية"، بحيث كل جهة ستستفيد من عائدات هذه الرخص وذلك في إطار خلق توازن داخل الجهة وبين الجهات، وبالتالي خلق فرص الشغل للساكنة حتى يعيش الجميع بالكرامة وتحقق العدالة الاجتماعية. وبكل جرأة إنه من غير المعقول أن تعيش بعض القرى في الفقر المدقع وهي ترى مقالع للرمال تدر على أصحابها أموالا طائلة ولا يفصلها عنها سوى بعض الكيلومترات! إن بناء دولة الحق والقانون يتطلب تضافر الجهود بين الجميع، وأن نتشبث جميعا بمظلة القانون حتى يصل الحق إلى من يستحقه بعيدا عن مظلة الفساد التي لا تخلق سوى فوارق اجتماعية صارخة و تنبت مشاعر الحقد بين أبناء الوطن الواحد، ويبقى الأهم هو أن ندرك أن نجاح أي خطوة إصلاحية لا يمكنها أن تتحقق دون "وعي جميع المغاربة" بأهميتها حتى ينخرط الجميع بكل تلقائية ونختصر الزمن مادام أن المصلحة العليا للبلاد أكبر من المصالح الشخصية.