سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسماء وازنة تختبئ وراء مأذونيات المقالع واستغلال رمال الصحراء والصيد البحري والفلاحة قانونيون يكشفون غياب قانون يضبط «الكريمات» ويحددون التلاعبات التي تقع في عمليات الاستفادة منها
الكشف فقط عن «الكريمات» الخاصة بالنقل أثار ضجة عارمة، ماذا سيحدث لو كُشفت لوائح المستفيدين من «كريمات» أخرى تدر أموالا طائلة، بينها مأذونيات استغلال المقالع والصيد في أعالي البحار؟ الضجة ستكون، حتما، أكثر حدة، إذ تشير مصادر عدة إلى أن أسماء المستفيدين من «كريمات» الفلاحة والصيد البحري والمقالع أثقل بكثير، وتشمل أسماء وازنة تستفيد من ملايين الدراهم شهريا، والتي تتمخض عن استغلال مقالع حجارة ورخام وحتى الرمال. «المساء» تكشف الوجه الآخر، الذي لم يظهر بعد، من اقتصاد الريع، والأنواع الجديدة للرخص الاستثنائية، التي ما زالت تمنح حتى اليوم. سئلت شخصية نافذة بالصحراء المغربية، متحدرة من عائلة ظلت تستفيد من امتيازات خاصة، عن تبرير لاستغلاله المفرط لرمال الصحراء التي يقوم ببيعها لاستعمالها في مواد البناء فكان جوابه: «وما هو الضرر في أن أستغل هذه الرمال الكثيرة والتي تتجدد باستمرار بفعل التصحر وزحف الرمال؟»، جواب واحد فسر به هذا الرجل، وهو أحد النافذين سلطويا وسياسيا بالصحراء، استغلاله لرمال يملكها المغاربة جميعا. أجوبة أخرى تأتي على ألسنة أشخاص ظلوا يستفيدون من مأذونيات استغلال ثروات مغربية طيلة سنوات، مكررين جملة «هذه الكريمة عبارة عن هدية منحت لي ولا يمكنني رفضها». الأدهى من ذلك هو أن هذه «الكريمات» تحكم مصير مستهلكين مغاربة وتتحكم في أثمنة منتجات فلاحية وسمكية ومواد بناء، يسير دفتها مستفيدون معينون. أهم هذه المأذونيات تتعلق برخص استغلال المقالع، والتي تضم مقالع رمال، سواء كانت صحراوية أو شاطئية، ومقالع حجارة، كما هو الحال بالنسبة إلى مأذونيات استغلال الحجارة بتزنيت، والتي يسيطر عليها رجال نافذون بعينهم، يشرفون على تسيير المدينة ولهم مناصب سلطوية بها. هذه المأذونيات تكون غالبا محل نزاع قضائي، خاصة إذا كانت واقعة ضمن الأملاك المخزنية أو الأوقاف. وهنا تتشابك الأمور ويتدخل رجال نافذون في نظارة الأوقاف والإدارات العمومية للتصرف في حق الاستفادة من استغلال هذه المقالع، كما هو حاصل بمكناس، حيث توجد عدة مقالع في دائرة النزاع بسبب وجود تلاعبات تنظر فيها، حتى الآن، الضابطة القضائية، ويشتبه في صلة نافذين ومسؤولين عن الأوقاف بها. من بين المأذونيات أيضا رخص استغلال قوارب الصيد في أعالي البحار، والتي تكترى، عادة، لمهنيي صيد بحري مقابل أموال ضخمة. بعض هذه المأذونيات تمنح دون استغلال، وهو ما يقلص من فرص استغلال الموارد البحرية للمغرب بشكل أمثل، ويضر بالاستهلاك الداخلي للأسماك. تدخل ضمن اقتصاد الريع، إلى جانب المأذونيات، كل ما يدخل في نطاق التفويتات والرخص الاستثنائية. هذه الرخص تشمل جميع المجالات، أبسطها مجال التعمير، حيث ما زال يحصل مسؤولون نافذون، حتى اليوم، على رخص استثنائية لتجهيز أو بناء مشاريع سكنية لا تشملها تصاميم التهيئة الحضرية. أما أعقد أشكال التفويتات الريعية المشبوهة، فهي التي تتعلق باستغلال أرض فلاحية وتفويت أخرى في إطار بيوعات الأراضي الداخلة في نطاق الأملاك المخزنية، والتي منحت، بموجب هبات خاصة من الملك الراحل الحسن الثاني، لفلاحين صغار، بعيد الاستقلال، قبل أن تسيطر عليها شخصيات نافذة ويبتلعها فلاحون كبار. الوضع يبدو، إذن، معقدا جدا، واقتصاد الريع يظهر مثل شبح يصعب ضبط تحركاته والسيطرة عليه. هذه الصعوبة مردها، حسب عارفين بالقانون، إلى أن المأذونيات و»الكريمات» وجميع أشكال اقتصاد الريع، ليست لها نصوص قانونية خاصة تنظمها، وتخضع لمنطق تكييف قانوني ضبابي. هذا ما أوضحه بوشعيب الراشيدي، المحامي المختص في المنازعات التجارية، والذي أكد ل»المساء» أن «الكريمات» يصعب ضبطها لأنها خاضعة لقواعد عامة وليس لقوانين محددة، تعطى بموجب مسطرة محددة ووفق شروط معلومة، لكنها لا تحترم، «المأذونيات تمنح أساسا لذوي الاحتياج من معاقين وأشخاص غير قادرين على العمل والإنتاج ولا دخل لهم، كما أنه صدر قرار سابق باستفادة معطلين مجازين من رخص ومأذونيات، لكن هذه الشروط لا تحترم، وهو ما يفسر استفادة شخصيات غنية أصلا من الكريمات»، يوضح الراشيدي. الراشيدي يبرز أيضا أن هذه «الكريمات» ظلت تمنح في إطار السلطة المخولة للملك، ووفق أبحاث تجريها مصالح العمالات، وهو ما يجعل الاستفادة منها خاضعة للتلاعب، بدليل أن القضاء نظر وما زال ينظر في قضايا متورطين في التلاعب بهبات ملكية و»كريمات» يتدخل في الحصول عليها وسطاء مقربون أو مبعدون من الملك. ليس هناك قانون يضبط «الكريمات»، حسب الراشيدي، لسبب بسيط هو أن هذا النوع من الامتيازات خاضع لتكييف قانوني ضبابي وزئبقي، مبني على اجتهادات قضائية تكيفه ضمن العقود والتعاملات والالتزامات، دون أن ينص عليها قانون العقود والالتزامات، «مثلا هذه الكريمات لا تورث، ولكن أبناء المستفيد أو زوجته يحصلون على حق الاستفادة منها نظرا لأن العادة جرت بذلك. أيضا في حال الرغبة في فسخ عقود كراء كريمات حافلات أو طاكسيات، مثلا، فإن المحكمة المدنية الابتدائية العادية هي من تنظر في ملفات الفسخ هاته، وتتعامل معها كعقود كراء عادية»، يردف الراشيدي. وصف «الكريمات» الغامض والهلامي يوافق عليه نعمان صديق، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، والذي يؤكد ل»المساء» أنه ليس هناك قانون صادر عن البرلمان ينظم منح المأذونيات، «هناك مجموعة من القرارات التي تصدرها وزارات النقل والتجهيز والفلاحة والصيد البحري والداخلية، وأخرى صادرة عن الملك، تتيح حق استفادة أشخاص من «الكريمات». ليس هناك تقنين واضح وصارم ولا يتم وضع شروط واضحة للاستفادة، كأن يتم منح المأذونيات بناء على طلبات عروض لمهنيين في قطاعات معنية بها»، يقول صديق. الغموض أيضا يكمن في الصيغة القانونية التي تمنح بموجبها هذه «الكريمات»، فهناك مأذنويات يتم تفويتها أو مَنُّها أو وهبها، كما أن هناك «كريمات» تكفل لأصحابها حق الاستفادة من مداخيل عمل حافلات على طول خطوط طرقية وليس داخل حافلة واحدة. توزيع المأذونيات، حسب صديق، خضع أيضا طيلة سنوات لمنطق حسابات سياسية، «في عهد الوزير الاستقلالي كريم غلاب منحت عدة كريمات. هناك كريمات منحت وفق قرابات عائلية أو علاقات وفق سياسة تؤدي إلى إغناء الغني وتفقير الفقير»، يؤكد الصديق. المحامي ذاته، أوضح أن غموض هذه المأذونيات سبب يفسر ورود قضايا عدة على المحاكم الابتدائية المدنية متعلقة بالاستفادة منها أو كرائها، يتم البت فيها بناء على اجتهادات في ظل غياب قوانين دقيقة، «غياب القوانين يفسر النقاش الدائر داخل مراكز القرار بالمغرب، والهادف الآن إلى تقنين هذا المجال، إذ يرتقب إصدار مشاريع قوانين تنظم مأذونيات استغلال مقالع وحافلات وصيد في أعالي البحار وفلاحة، قبل عرضها على البرلمان لمناقشتها والتصويت عليها»، يضيف المحامي.