تبوأت النرجيلة، أو الشيشة، مكانة خاصة في وجدان الشعوب العربية وانتقلت منهم الى العديد من أنحاء العالم، خاصة الغرب، بحيث صار منظرها مألوفا في شوارع مدن مثل لندن وباريس وغيرهما. ولا يقتصر الأمر على مقاهي ومطاعم «المناطق العربية» في هذه المدن وإنما صار المرء يراها حتى في بعض «حدائق الجعة» التي تخصصها الحانات لزبائنها في الهواء الطلق. وسواء في العالم العربي أو الغربي، تكفّل الشباب من الجنسين بأن تحظى النرجيلة بمقام «الموضة الاجتماعية» المختلفة عن بقية الصرعات في أنها ليست لموسم واحد. وفي لندن مثلا شهد عدد زبائنها نموا مضطردا حتى عندما قيل إن حظر التدخين في الأماكن العامة سيقضي عليها. فقد ارتفع عدد المقاهي والمطاعم التي تقدمها بنسبة 210 في المائة منذ صيف 2007 (وقت إعلان الحظر) حتى الآن. ويعود كل الى عوامل عدة ليس أقلها الاعتقاد السائد أن تدخين النرجيلة «أقل خطرا على الصحة» إن لم يكن بدون أخطار. لكن «منظمة الصحة العالمية» فجرت قنبلة إعلامية مؤخرا بتحذيرها من أن جلسة مع الشيشة لفترة ساعة واحدة تعادل في ضررها تدخين 100 سيجارة بأكملها. وشرحت المنظمة هذا الأمر بأن مدخّن السيجاير الذي يأخذ بين 8 و12 نفَسا من السيجارة، يستنشق بين 0.5 و0.6 ليتر من الدخان. لكن مدخن الشيشة لمدة ساعة يأخذ نحو 200 نفس فيستنشق بذلك قدرا من الدخان يتراوح بين 0.15 ليتر - لدي الذين يقولون إنهم لا «يبتلعونه» - إلى ليتر كامل عن كل نفَس. ونقلت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية عن البروفيسير روبرت ويست مدير وحدة أبحاث التدخين بجامعة يونيفيرستي كوليدج لندن قوله: «الأخطار المرتبطة بتدخين الشيشة مقلقة حقا لأن معظم الناس يعتقدون أنه أقل ضررا من السيجاير أو بدون هذا الخطر. لكن الدخان هو الدخان، وتزيد مخاطره الصحية بزيادة التعرض له». ويضيف البروفيسير قوله إن ثمة اعتقادا سائدا بأن دخان الشيشة نظيف لأنه يصفّى بالماء وكونها تحيله طيب والمذاق بالإضافة الى النكهة الطيبة (تفاح وفراولة الى آخره) التي يضفيها عليه دبس السكر. هذا خطأ لأن الدخان سواء جاء من سيجارة أو من شيشة يحوي نفس السميّات التي يُعرف أنها مسببة للسرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي ومختلف المشاكل الصحية المرتبطة بفترة الحمل. ويشرح هذا أيضا بقوله إن دخان التبغ - بغض النظر عن مصدره - يحوي عددا لا يمكن إغفاله من المواد المُسرْطِنة carcinogens التي تدمر الحمض النووي DNA في الخلايا. ويكفي وجود خلية واحدة تالفة لأنها تنقسم على نفسها وتتكاثر بسرعة عظيمة لتشكل ورما خبيثا... هذا هو ما يسبب السرطان». ويرد البروفيسير على المدافعين بأن ماء الشيشة ينقّي الدخان من الكيماويات والشوائب الضارة بقوله إن الأبحاث العلمية «لم تثبت هذا الزعم. وإذا كان الناس يعتقدون أن دخان النرجيلة أقل خطرا من دخان السيجارة، فعليهم إعادة النظر في هذا الاعتقاد لأنه غير صحيح. وهذا بالإضافة الى أن أثر الماء ربما جاء على عكس المرجو. فهو يجعل الدخان ناعم المذاق، وهذا يعطي المدخّن إحساسا بالأمان الزائف فيستنشقه الى أعماق في رئتيه لا يصلها دخان السيجارة «الحامي» بالقياس». ويضيف قوله إن لتدخين النرجيلة مخاطر جمة أخرى منها أن الناس يتداولون فم النرجيلة نفسه. وهذا ينطوي على مغامرة صحية خطيرة لأنه وسيلة فضلى لانتقال أمراض مثل السل والتهاب الكبد وغيرهما من العلل الخطيرة المعدية التي يمكن ان تقود الى الوفاة. ويتخذ التحذير أهمية خاصة في بريطانيا مع دخول فصل الربيع ووقوف الصيف على الأبواب، ذلك أن المقاهي والمطاعم التي تنوي الالتقاف على قانون حظر التدخين في الأماكن العامة تتيح لعشاق الشيشة مقاعد ومناضد على الأرصفة الأمامية في طلق الهواء حتى يستمتع بها هؤلاء مع مأكولاتهم ومشروباتهم... بدون إدراك لحقيقة أن جلسة ساعة واحدة معها تعادل تدخين 100 سيجارة.