"لم لا نغلق المستشفيات بسبب الأخطاء الطبية؟" مقترح سيلاقي بالتأكيد استهجان أغلب سكان العالم بسبب منطقه الاستئصالي الذي يتهرب من البحث عن حلول مناسبة للآفة بالاستئصال التام. لكننا لا نلحظ هذا الاستهجاء إزاء مقترحات من نفس النوع أذا ما تعلق الأمر بالفن أو الرياضة بسب ضعف وعي مجتمعاتنا بأثر مثل هذه المجالات على الأفراد والمجتمع عامة. المسرح والسينما والأدب والموسيقى والرياضة ما هي إلا مضيعة للمال والوقت في نظر أغلب قاطني الدول المتخلفة. مناسبة هذا الكلام هو هاشتاغ لا يلبث أن يظهر كلما لقيت الرياضة الوطنية وبالأخص كرة القدم أزمة أكانت إقصاء للمنتخب الوطني أو الأندية أو فضيحة فساد في دهاليز الجامعة الملكية. #أوقفوا_البطولةهاشتاغ انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي عقب أحداث الشغب التي عرفتها ملاعب بلادنا مؤخرا وآخرها المصادمات بين فصيلين من مشجعي نادي الرجاء البيضاوي بمركب محمد الخامس بالبيضاء يوم السبت 20 مارس أو ما اصطلح عليه إعلاميا بال"السبت الأسود". حوادث آلمت كل من شاهد صورها بسبب عدد الضحايا من قتلى وجرحى وحجم الخسائر المادية . يقف المشاهد مصدوما وهو يرى ما يشبه حربا أهلية تشع بحقد لا متناه. فكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ جواب هذا السؤال قد تجده بين دفتي كتاب د.مصطفي حجازي الموسوم ب " سيكولوجية الإنسان المقهور" الذي أعطى فيه المؤلف تحليلا وافيا لمثل هذا السلوك وأسبابه. فسكان الدول المستبدة حسب د. حجازي ونظرا لعيشهم تحت القهر الدائم من الدولة والمجتمع والمدرسة يحاول التنفيس عن هذا القهر من خلال العنف المعنوي كالنكات والتهكم أو من خلال عنف مادي يمارسه على الفئات الهشة كالنساء والأطفال أو حتى الحيوانات، كما يلجأ لتدمير الممتلكات العمومية التي يراها امتدادا للسلطة . من هنا يجب ألا نستغرب إقدام فئات من الشباب على تكسير كراسي الملاعب فهو سلوك متجدر فيهم يمارسونه في المدرسة بتكسير الطاولات وفي الشارع ب "الشخبطة" على الجدران وتدمير العلامات المرورية وقد يترجم هذا العنف على شكل صراعات قد تبدأ بالتنمر وتنتهي بالضرب والجرح أو حتى القتل. وما حجم الخسائر في الملاعب مقارنة بالحالات اليومية مما ذكر أعلاه إلا نتيجة لتواجد عدد كبير من الشباب (وغالبا من الفئات الأكثر تعرضا للقهر المادي والمعنوي) في مكان واحد وفي ظروف تؤجج هذه الصراعات. هل هذا تبرير لما حصل ويحصل في ملاعبنا؟ من دمار في ملعب "أدرار" إلى جرحى في الملعب الكبير بالملعب الكبير لطنجة وصولا إلى قتلى في مركب محمد الخامس. بالطبع لا، بل هو مجرد تحليل للأسباب الكامنة والتي وجب علينا الالتفات إليها إذا ما أردنا حلا مستداما للمشكلة. لكنه بالطبعلا يعفي المذنبين من مسؤولياتهم القانونية.
إذا ما نفذنا المقترح الاستئصالي وأوقفنا البطولة سيتوقف العنف في ملاعب كرة القدم ،نعم. لكن الشباب اللاهث وراء متنفس سينتقل إلى ملاعب أخرى وفضاءات أخرى يمارس فيها عنفا أكبر للانتقام من حالة الحرمان التي دُفع إليها. وقد لاحظنا جميعا أن كل الملاعب المذكورة عرفت حالة العَود إلى الشغب بعد عقوبات المدرجات الفارغة لعدد من المباريات وبشكل أكثر حدة. فما الداعي لتجريب المجرَّب؟ في ظل رفض الدولة توفير مزيد من الحرية للشباب عبر فسح المجال للتعبير الحر من خلال الرياضة المدرسية والمسرح المدرسي ومن خلال تفعيل دَور دُور الشباب ودور الثقافة وتأطير ملاعب القرب التي أصبحت منتشرة في الأحياء والقرى لكنها إما تركت مهجورة أو عرضة للاستغلال غير المنظم، ومع عجز (أو رفض) الدولة عن محاربة البطالة والهدر المدرسي والمخدرات بأنواعها فإني أقترح أن نستفيد من تجارب دول سباقة في كل ما يتعلق بكرة القدم كإنجلترا مثلا والتي قضت بصفة شبه نهائية على شغب الملاعب من خلال: • تأمين الملاعب ببنيات تحتية تسهل التحكم في الولوج إلى المدرجات بدل تلك الأسوار المثقوبة أو القصيرة التي يسهل تجاوزها. • فرض اقتناء التذاكر أو الولوج للملعب بالبطاقة الوطنية. (حل سيقضي كذلك على تجار السوق السوداء). • تأهيل المدرجات بمقاعد مرقمة ومدرجات مقسمة إلى مربعات. • منع دخول القاصر إلا مرفوقا ببالغ مسؤول عنه. • تأمين تغطية شاملة بكاميرات المراقبة للمدرجات مع متابعة آنية لبثها لتطويق أي حادث في بدايته وكذلك للتعرف على المذنين قصد المحاسبة بدل الاعتقالات العشوائية والعقاب الجماعي للأندية والجماهير. • فرض عقوبات قاسية في حق إي مخالف . وهنا أعطي مثالا بعقوبة النزول إلى أرضية الملعب وهي ظاهرة لا تزال حاضرة في الملاعب العالمية ،خصوصا إسبانيا، لكنها شبه منعدمة بالدوري الإنجليزي بفضل عقوبة السجن بالإضافة لغرامة ثقيلة والأهم الحرمان من دخول الملاعب مدى الحياة. المرجو عدم مجابهة المقترحات أعلاه بعوائق من قبيل: "الفرق كبير بين الشعب الإنجليزي المتحضر والمغربي الهمجي. ولنتذكر "الهوليغانز" الانجليز وما كانوا يحدثونه بالملاعب من دمار ولا زالوا كلما رافقوا فرقهم إلى دول أخرى حيث القوانين أقل ردعا. حلول وغيرها يمكن أن تقضي على ظاهرة تقتل وتعطب وتدمر البنى التحتية الرياضية وتسيء لصورة بلد يسعى لتنظيم تظاهرات عالمية. لذلك ندعو المسؤولين عن القطاع لتشغيل العقول أو على الأقل الاستفادة من الغير .