ربما ليس هذا الوطن الذي أردت الانتماء إليه, العيش تحت كنفه و الخضوع لسلطته. ربما حلمك في الهجرة لا ينتهي و السفر بأي حجة, و تتوق لقضاء ليلة واحدة خارج سمائه. لكن أليس لهذه الأرض تنتمي, ربما لا تجيد الفرنسية و لا الإنجليزية لكنك تتقن لغتها بمهارة و تعرف تقاليدها و عاداتها عز المعرفة. ربما تجول العالم بحثا عن بلد أفضل و ستجده لكنك لن تجد كوطنك, لن تجد رائحة خبزه كل صباح و لا كأحاديث النساء بين الأزقة , لن تجد جارا يدق عليك طالبا القليل من الملح و لا أم لازالت تحتضن ولدها و عمره أوشك على الثلاثين. لن تسمع زغاريد و أهازيج لأن حفل زفاف يقام في الحي المجاور ، لن تمر من جانب مدرستك الابتدائية متذكرا أحلى الأيام و لا ذكرى من حبك الأول ... ربما ستجد فرصة لتحقيق أحلامك لكنها لن تجد نفسك, ستجد بلدا يبهرك و يزين كل شيء أمامك. حضارة جديدة , أناس لا يشبهونك , مناخ لم تعتد عليه وأسلوب حياة مختلف , ستسكنه لكنه لن يسكنك أبدا. ستهرول نحو أي مطعم يقدم شيئا من بلدك و تدمع عينيك كلما صادفت أحدهم يتكلم لهجتك. على هذا الوطن ما يستحق الحياة لأنه يمنحك هوية و جنسية تعرفك بين الأغيار . لأنك كلما ضعت سيجدك و يستقبلك من جديد. لأن فصله عنك كفصل جسدك عن روح. الوطن الذي تؤمن بقضيته كيفما كانت حتى لو لم تفصح عن ذلك , الوطن الذي تحفظ تفاصيله , و يحفظ ذكرياتك و خطواتك حتى عثراتك. ستفصل بينك و بينه محيطات و قارات لكن رائحة ترابه عالقة في أنفك, ضحكات أطفاله , ثلوج جباله , حركات شوارعه ... أمور كلها ستزيد الشوق إليه و توسع مفهوم المواطنة عندك فالمواطنة أقوى من كل القيم لأنها ببساطة تضمها جميعها "الحب , الوفاء , الانتماء , الوحدة المشتركة , المأوى ... " المواطنة التي علينا تجسدها كل يوم بعيدا عن عيد الاستقلال أو ذكرى المسيرة الخضراء, المواطنة التي تفرض عليك المحاولة حتى آخر نفس و ليس الهروب من أول موقف. الوطن الذي يجمعنا و إياه حبل سري لا ينقطع أبدا , الوطن الذي يستحق الحياة بكل معانيها هو: نحن