أشعر بغلط,, يحدث ذلك,, أدرك أن هناك غلطا ما في هذا الكون,, أجل يا صديقي , في هذا الكون خلل ما ,, أنظر في بيتك هذا المساء اجتمعت كل هذه المتناقضات .... يتوسد صدرها الدافيء المثخن بأوجاع الماضي .. المتحفز لمزيد من الأوجاع الآتية مع ضباب زمنهم الموبوء .. تحضنه بحنان.. تمتد أناملها الرقيقة تمسح دمعه اليبلل ذقنه الكث .. و هناك في المدى المقابل يحوم نظرها الممتليء بدمعها حول أصدقائه الذين جاؤوا لوداعه و هم منتشون بكؤوس النبيذ...غارقون في ضحكاتهم المفزعة .. فينساب دمعها , دمعة , دمعة حتى يفيض الكأس... لا يخلو هذا الكون من غلط .. غلط كبير,, تهز رأسها مؤكدة قوله.. هل ترين ؟ أرى جيدا كيف يودعونك و أنت الصديق الرائع ,,,, أرى , يا أنت المخدوع في سراويلهم , كيف ينتشرون في المكان رائحة كريهة لزمن مخنث.. كم كانوا قريبين مني ,, حتى ذاك المنتشي الراقص , كدت في زمن ما أومن أنه عزائي الوحيد في وجعي .. لكنه خيبني.. أرى جيدا كم تحتقره نظراتك و لم أفهم لماذا؟ لا يجب ان تفهمي. الآن أكتشف كم تختلفان .. كيف اجتمعتما؟؟ يا صغيرتي البريئة , يكفي أن تعرفي أنك الطهر الوحيد في هذا المكان العفن.. يشهق في بكائه المكتوم .. ينتفض صدره كطفل محموم .. و يغيب .. يغيب هناك بين تخوم الذاكرة الموجوعة.. تضغط بذراعيها صدره فيسري في يديها نبضات قلبه المرتعش ألما من الكان .. و رعبا من اليكون.. و يغرق رأسه في عنقها,,فيسربله شعرها ببعض الحنان الطفولي .. و بعض الحب الأبوي الذي افتقده طويلا ,, طويلا,,, يسكنه الهدوء ,, يغرق في عرقه ,, و تبدأ شفتاه في تفجير رؤاه المفجوعة... تلفها كوابيسه الشرسة . فيعيدها من شوقها المسكون بالدهشة و الحيرة ,,, و تنشطر لحظتها الحائرة المتسائلة بين هؤلاء الغارقين في فوضاهم الجارحة , و بين هذا الذي يستقدم لحظة الانتهاء اشتهاء لأنه يرفض بقوة أن يعود الى المكان الموبوء .,, و رغبة في مفارقة هؤلاء الملتصقين به.... تخترقها حماه,, ترتعش و صدرها الصغير يحضنه بحب .. ايه أيها الزمن الشرس ,تنفلت متوثبا لتدمير الأنفس الجميلة .,, الأنفس التي تحمل عبق الطهر و رؤى تفجير السائد الموبوء بالجحود , باللامبالاة ,,, بالصمت المهين لأحلامها الصادقة ,, لآلامها التي توسد القلب بوجع ,, و رغم ذلك تنبت الثورة أغصان زيتون خضراء بين الضلوع , لتقلب كل الموازين و تخلق عالما أجمل,,, و زمنا أطهر,, ايه , يا صديقي , كم تتعذب روحك الغادية في حلمها الى اللانهاية ,, يفيض صدرها وجعا أعمق ,, أكبر ,, و تحترق لحظتها حتى لكأن المسافة تمتد بها الى ما قبل الميلاد,, ربما تستطيع الولوج في زمن آت فتولد كائنا آخر بلا نبض, بلا وجع , بلا كان , بلا يكون ,, و يعود الى لحظته ممتلئا رعبا , هزءا , فيتكسر فزعه على انبعاث أصواتهم اللاهية,, المسافرة في عالمها المرسوم بزجاجة نبيذ,, فتأتي ضحكاتهم مزجا ممسوخا و تختلط رسومهم لتبدو رسما واحدا باهتا , يحفه الضباب و الغيم و الصقيع.... يلتفت اليها .. ينظر في عينيها باصرار.. تحضن راحتاه وجهها بحب صاف كصفاء تلك اللحظة .. أدرك كم تتألمين ياصغيرتي ما يكون ألمي و هذا المك يحيلك دمارا و يحاصرك في لحظة مغلقة لا أبشع و لا أوجع,, للألم مذاق واحد.. لكنه يصبح سخيفا عندما نكتشف أنه من أجل تفاهة لا منتهية.. كم أحبك يا صغيرتي لكنه لم يستطع الوصول اليك... لأنه جبان ,, و الجبناء لا يعرفون كيف يحبون أبدا.... الجبناء ,, بل الخونة ,, أرسل آها مزقت حجب الكون ,, و ضاع مع هذيانه ,, بل صحوته , لأن الكان زمنه الحقيقي المسكون بحلمه الجميل في الحب لكل البشر ,, لكن اللحظة الرديئة تخترق كل الرؤى الجميلة , فينبعث من رمادها بخور الأرواح التائهة بين الحين و الأبد ,, و تئن الذكرى بألف ألف وجع عبر مرايا الأزمنة المهترئة , لتعود به الى لحظات الايمان الأولى بأنه بعث لصنع كينونة طهر أبدية,,, تنسى خيبتها .. تحتقر ألمها .. و يتضاءل ذاك الواهم بمعاناة لا وجود لها حتى يبدو كلا معنى ... بل كم هو محزن عندما يحاول أن يصنع من نفسه نسخة من صاحبه , فيكون مسخا رديئا .. و تتواصل مع عمقه المدمر , تعانق فيه كبرياء الرجال الذين تحيلهم معاناتهم المتجذرة بأسسها الصحيحة الى كتلة ألم تمتد لتحوي زمنه المضى و تكهرب زمنه اليأتي,, و يحدث التناغم بين نبضه و نبضها , فينفتح جرحه منذ لحظة الزرع الأولية في فضاءات الضباب الاغترابية , لتنبت الثورة حبا متمردا ,, ألقا متميزا ,و طهرا يمزق كل العباءات الخاوية الا على أرواح مريضة بولائها للسلطان .... و يسافر فيها اليها .. لأن دفئها يذيب كل جليد الكون و ينقله الى زمن اغترابه , بل الى زمن منفاه بعيدا عن حضن الوطن ,,, هناك,, هناك في مدن الضباب كان نبضها الدافق حبا يسافر اليه,, يسند كتفيه المتعبين كي يستمر في افتكاك مكان لهما تحت الشمس ,, و تمطر الذاكرة حروفه اليها ,, كثير السنوات عشناها ألما ,, قهرا,, عذاب انتظار و حلما صغيرا للحظة لقاء,, لحظة انعتاق ,, كان على القدر أن لا يجمعنا في عالم موبوء ,, في زمن التمزق الحر على صفحات صحف ليست لنا , و لكنها بالكاد تعنينا فحاولنا و كان اللقاء لنا بالمرصاد .. لقاء بيننا تم , لكنه لم يكن مرئيا كما الحلم , بل كان بين الزوايا هنا أو , هناك بين الأحرف التي تؤلمنا و تسعدنا أحيانا ,, هناك حيث التقينا ذات يوم كنت و بقيت أجمل النساء و العذارى اللائي أحببت و لا زلت أحب,,,, غاليتي ,, لا تنتظري عودة الغائب الذي ابحر .. فهنا في هذا المستنقع الذي يحيا فيه تكثر رواسب الأيام بكل ما فيها من آلام , أحزان , أشواق .. صدقيني .. كم أتألم حين أكتب اليك عما أعانيه , حزنا كان أو فرحا , شوقا أو قرفا , حنينا أو احتراقا .. فلا شيء في كل معاناتي هنا في مدن الضباب يستحق أي اهتمامك منك ... سيدتي .. انها لعنة القدر الذي يتربص بنا حتى فاجأنا بالاقتراب نحو اتساع فجوة البعد الذي كتب علينا منذ أن أعلنا ميلادنا ,, فما نحن فاعلون ؟؟,,, لن أعود , فلا تنتظريني.. و مهما حدث استمري في بعث حروفك ,, فهي التي باتت قاسمنا المشترك , و يبقى حبنا قصة أطهر من كل المقدسات وكتب لها أن تحيا في رحم الغربة و تتحول الى مرثاة دائمة.. ماذا أكتب بعد؟ لا شيء ,, لا شيء أبدا .. انني أصبحت مجرد آلة تعجز عن النبض لها أن تنتحر على أعتاب المنافي , لأن المركب صودرت و لن تعاد , و هذا المنفى يمتد بي الى حدود النهاية ,, و هذا الكون يبدأ بممارسة الصمت الأبدي , فقد فقد كل قدراته على الكلام و الاحساس.... لذلك كان علي أن أبدأ أنا الآخر بانهاء طفولتي لأصبح رجلا ,, لكني اكتشفت أن الرجولة ستضيع قدرتي على الكلام لأصبح جبانا.. و يكفيني الآن أني مازلت أدرك من هي أمي ... لذلك عفوك سيدتي قررت أن أبقى طفلا ,, هكذا علمتني المنافي لينتصر قراري و أتعلم على يديك كيف أفك غموض هذا الزمن .... ينتفض بين غفوة و صحوة و كانه يعود الى نفس اللحظة البشعة ,, نبض هناك و نبض هنا ,, عين عليها في عمق الزمن الذي ولى , و عين على اللحظة الهاربة نحو سقوط أبشع .... و رجفة تبحر به الى عولم الثورة الساكنته الى الأبد , فتبعثه حلما ورديا متجاوزا كل المتاهات , و العذابات الى لحظة عري حقيقية يعترف فيها بين يديها الطاهرتين أنها وحدها الى آخر المنتهى , و أخرى تقوده الى الآتي المتربص به ليخنق كل ومضة قد تنبع من عمقه لتبعث الحلم الكان ... أولا ثانيا و أبدا ,, هذه الليلة سيمتد الانتظار ,, فلا داعي يا صديقي أن تؤرخ للحنين الذي سوف يأتي حينما يكون آخر الشمس بانتظارك... و هناك وراء كل الاحتمالات ..لا داعي أن تجعل من حلمك نبوءة للأطفال ,, فالأطفال أطهر منا , و أعقل منا , و هم يعرفون كيف يقررون متى يحبون بدون سؤال ... ايه .. يا صديقي .. أرى الآن بوضوح كيف تتسع في دمائك حلقة التوحد بالألم , و تتقلص ذاكرتك , تصبح دائرة صغيرة جدا , جدا ,, لتكون فيها أنت المبتدأ و أنت المنتهى... يرفع عينيه بثقل كل الأزمنة الحمقاء , بجنون هاديء ,, يبتسم لذاته المتورطة في جريمة الحلم و الأمل , و كأنه لا يدري أن لكل حلم مدى يتسع في أعين من نحب .. تعانقه بنظرة حانية ,, و تسقط دمعة , دمعتان ,, : أيها الطفل الساكنك يا صديقي , لا تجعل من حلمك المضى حلمك اليأتي , لأن ليالي الصقيع ستمتد , و سترهق أصابعك بحمل الشموع ,, فلا توهم نفسك بفصل خامس يكون مزيجا لفصول السنة يأتي بعد أن تشعل سجارة , تكون الأولى أو الأخيرة .. لا يهم ,, يبقى أن عينيك قادرتان على بعث شمعة واحدة تحترق منذ الأزل.... يقذف بعض الحنين الى لوحة و لا أروع ,, جبل , قرية , بحر عظيم ,, و طفل ضيعه اليتم يغازل البحر بالحب , بالطهر .. و أمل في الأفق البعيد الذي سيأخذه ذات يوم الى عالم أنقى ,, أطهر , يسكنه ببراءة الطفولة .... تتراجع نظراته كي تنزوي تحت جفنيه تخبيء دمعة تأبى أن تسقط.... يشعر بحرقة المنفى داخله .. يقول كل ما يشاء.. يتمتم تعاويذ لغة أخرى ..ربما لغة الانعتاق من لحظته هذه .. تتعاطف مع دمعته التي تظل حبيسة مآقيه .. هو كأس ما بعد كل الأعداد ,, و ما قبل مالا نهاية .. ربما الأولى ,, ربما الأخيرة .. لا ندري.. انه الشوق في لحظة بوح .. يضم الزجاجة الفارغة ,, المملوءة الى صدره ,, رفيقته اللامسؤولة ,, يقبلها بغل حار.. آه لم يتكلم الزجاج ,, يقذفها في لا اتجاه ,, هكذا كي يجعل من فوضاه مكانا لحلم .. هناك ,, تناديه أغنية ,, قبل اللحظة ربما كانت تافهة و لكنها الآن تعيد نفس الدمعة ,, و يصبح الحضور غيابا , و شهوة المصالحة مع كل الاحتمالات تراود نفسه... فجأة يثور .. تحنو عليه أكثر ,و تضمه أكثر ,, انها ثورتك الأولى و الأخيرة ,, لم يعد مهما . يا صديقي ,, كان هذا ذات أمس ,, و سيكون ذات غد ,,, هذا أولا ,, ثانيا و أبدا ,, و يبقى الحلم حلم.... و أنت أنت ... و يصبح الوطن علامة استفهام ,,,, أو ,,,, ربما.....