أكد المشاركون في ندوة حول موضوع "الأسرة وتحديات العصر" احتضنتها مساء أمس الأربعاء قاعة "عبد الهادي التازي" على هامش الدورة 22 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، على ضرورة إيلاء اهتمام أكبر للمشاكل وتعقيدات العصر التي تواجهها الأسر المغربية اليوم، بالنظر لانعكاساتها على مستقبل نواة المجتمع. وفي هذا الصدد، قالت السيدة بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، إن موضوع الندوة أصبح مطروحا بإلحاح بسبب التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت تعرفها الأسرة المغربية في العقود الأخيرة. واستعرضت السيدة الحقاوي في السياق ذاته، الأدوار الرئيسية للأسرة في المجتمع المغربي وموقعها في دستور 2011 ، مشيرة إلى عدد من النصوص القانونية الرامية إلى حماية الأسرة، خاصة في ما يتعلق بالعنف الزوجي والوساطة والصلح من أجل تفادي التفكك الأسري. من جهته، أبرز السيد مصطفى محمد القباج ، أستاذ باحث في الفلسفة وعلوم التربية، أن الأسرة، باعتبارها البنية القاعدية للمجتمع، تواجه مشاكل وتحديات جمة أصبحت تفرضها عليها العولمة واستعمال التكنولوجيات الإعلامية الحديثة، معربا عن مخاوفه من تأثير ذلك خلال العقود المقبلة على الأسرة خاصة على مستوى القيم والعلاقات بين أفراد الأسرة ذاتها وفي إطار علاقاتها مع المدرسة، وهي ،في نظره، علاقات جد معقدة تستدعي من الباحثين وأصحاب القرار والمجتمع المدني التفكير بشكل أكبر في الموضوع. وبدوره، تطرق خالد السويدي عن المندوبية السامية للتخطيط للتحولات الديمغرافية التي عرفتها الأسرة المغربية منذ سنة 1960 ، مشيرا إلى أنها تتجه نحو تقلص عدد أفرادها مما يجعلها اليوم أسرة نووية حيث انتقلت من معدل 6 أفراد في 1994 إلى 4 أفراد في 2014 . وأشار في هذا الصدد إلى عدد من العوامل، منها تراجع الخصوبة وتأخر سن الزواج والتوجه نحو اختيار العزوبة التي تضاعفت في السنين الأخيرة وتراجع زواج الأقارب وكذا التغييرات الحاصلة في نمط الاستهلاك والتربية والتعليم. أما المختار الهراس، أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، فسجل أن نسبة الأسرة النووية في المغرب تصل حاليا إلى 72 في المائة، مما يدفع باتجاه تحولات عميقة في البنية التنظيمية للأسرة الكلاسيكية لفائدة تقلص المجال الأسري. وقال إن دراسات اجتماعية حديثة بينت أن أغلبية الأسر المغربية أصبحت أكثر ميلا إلى الحوار منه إلى علاقة السلطوية والطاعة، مؤكدا على ضرورة الاهتمام بحقوق الأسرة ككيان وبحقوق باقي مكوناتها. وقدم مجموعة من الإحصائيات التي تبرز التحولات العميقة التي أصبحت تفرض تحديات على الأسرة في المغرب، منها أساسا نمو نسبة المسنين مع حفاظ المجتمع المغربي على ارتفاع أعداد شبابه، معتبرا ذلك تحديا مزدوجا مخالفا لما تعيشه المجتمعات الأوروبية، التي ترتفع فيها أعداد الشيوخ مقابل تقلص قاعدة الشباب. ومن جهته، قدم فريد أمار عن مركز إشعاع للدراسات الأسرية عرضا تناول فيه نوعين من مظاهر البناء الأسري في المغرب يهمان الأسرة التعاقدية القائمة على قيم الرأسمال والاستهلاك، والأسرة التراحمية القائمة على مرجعيات أخلاقية. واعتبر من جانب آخر أن الأسرة المغربية تواجه حاليا تحديات جديدة مخالفة تماما لما كان عليه الأمر في السابق، مردها إلى نمط الحياة اليومية للأزواج والارتباط بالعمل خارج البيت طيلة أيام الأسبوع وهيمنة تكنولوجيا التواصل الافتراضي على التواصل المباشر بين الآباء والأبناء وتحول الأسر النووية في حد ذاتها إلى مقاولات بالتسيير المفوض خاصة في مجال التربية والأشغال المنزلية وكذلك هيمنة قيم الرأسمال، مما يحدث برأيه تأثيرات مباشرة على الأسرة. وقدم في هذا الصدد، جملة من المقترحات والتوصيات الرامية إلى تقوية أركان الأسرة المغربية، من بينها تبسيط المساطر المتعلقة بالالتحاق بالزوج أو الزوجة واعتماد التوظيف المحلي والجهوي وإكثار دور الحضانة بالمؤسسات والإدارة وتفعيل دور الرقابة على الإعلام في ما يتعلق بقضايا الأسرة.