أتذكر حرب العراق و شخصية صدام الذي شغل عقول الكثيرين. كان الكل يتحدث عن مخططاته وتهديداته و قوته أمام عجز أمريكا و حلفائها. لكن الجميل هو ما كان يتداوله الناس في الأزقة و المقاهي و أمام المساجد و في الحقول و السوق و في كل مكان. و الناس من مختلف الفئات و المستويات و الأعمار.فرغم ما كانت تقدمه القنوات التلفزية و الإذاعية من أخبار و تفاصيل وتحاليل وحوارات , فإن الناس كانت لهم أحاديثهم الخاصة وتحاليلهم الفريدة التي تختلف أحيانا مع الحقيقة جملة و تفصيلا. ذات يوم،عندما انتهى الناس من صلاة العصر،تجمعوا أمام جامع القرية البسيط و تبادلوا أخر الأخبار عن الحرب :قال احدهم أن صدام هدد بإبادة البشرية بإلقاء القنبلة النووية، وقال آخر إن أمريكا و حلفائها يريدون الاستسلام فيما استطرد آخر بأن صدام قال:"أنتم ثلاثة و ثلاثون دولة، فلو تحاربتم معي فرادى لهزمت كل يوم دولة".وأشياء أخرى أكثر غرابة. يتساءل المرء أحيانا: من أين أتى الناس بتلك الأخبار؟؟ هل لهم مراسلون في العراق؟ هل أحدهم عضو في حزب البعث؟ أم هل أحدهم يقطن في القصر الرئاسي مع صدام؟ لا شيء من هذا طبعا. لكن تأويل الحقائق و الفهم الخاطئ لها وعدم مواكبة الأحداث بكافة تفاصيلها هو ما يجعل الأخبار تأتي مزيفة و منقوصة فتنتشر كالنار في الهشيم. واليوم أكثر من أي وقت مضى، يتيه القارئ بين الأخبار المتناقضة والشائعات والتأويلات حتى لدى أشهر و أعته القنوات و الجرائد لأن غالبية الصحافيين لم تعد تتحرى الدقة وصدق الخبر بل ما يهمها هو الشهرة وبطبيعة الحال كسب أكبر عدد من القراء وجني الأموال. ومع عهد الربيع العربي,مع الأسف, حتى القنوات الرائدة في نقل الأخبار سقطت في عدة هفوات لا يقوم بها حتى المبتدئون. ولهذا و ربما لأسباب أخرى, كثرت الأخبار و الأقاويل المحيرة.فلم يعد معها المتتبع قادرا على التمييز بين الحقيقة و اللاحقيقة .بل أكثر من ذلك أصبح الناس يقبلون الخبر ويقبلون ضده.و الأمثلة كثيرة:فالكثير منهم يعتقد بعدم موت صدام و لا موت معمر ألقذافي ،بل هم أحياء يرزقون.و لا وجود في نظرهم لرجل اسمه بن لادن و هو ليس سوى حليف لأمريكا كما أن البعض يرى أن حركة 20فبراير ليست سوى صنيعة الدولة لخلق توازن سياسي و أمني أو بمعنى آخر خلق ثورة متحكم فيها...و الأمثلة كثيرة. ففي أحد الأيام لم أستطع قط أن أقنع صديقي بعكس ما قاله لي بأن إيران و إسرائيل ليست بينهما عداوة بل هما يتظاهران بالعداوة لتضليل العرب و المسلمين.و أكد أن إسرائيل لن تستهدف إيران أبدا لان لهما مخططات بعيدة وأهداف مشتركة للقضاء على العرب و المسلمين...وما بال العقوبات الاقتصادية و السياسية, هل يجب أن تضحي إيران إلى هذه الدرجة و ما الذي يجبرها على ذلك في وقت لم يعد فيه شيء مستورا؟ السياسة لعبة و فن من فنون المراوغة و التمويه و هي ليست سوى فرضيات و تكهنات و شائعات و خليط من الحقيقة و الكذب.أما الضحية فهم غالبية الناس.البعض لم يعد يثق بكل ما تناقله الجرائد و القنوات و هم يقرؤون العناوين بحيادية ودون اكتراث أو لملئ الفراغ، و البعض عزف كليا عن تتبع الأخبار و فضل عليها الأفلام و الرياضة فيما لازال البعض الأخر لا يجد بدا من متابعة ما جد في عالم الأخبار محاولة في فهم ما يدور حوله و تأويله حسب فهمه و معتقداته.