مقابلة خاصة مع خليل الدليمي، رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس الراحل صدام حسين يوم 9 أبريل الماضي حلت ذكرى سقوط بغداد، بالتالي، اجتثاث العراق ومعه العرب من مجال العيش الإنساني. فجر 30 دجنبر 2006، رقص "زعماء" العالم المتحضر، على جثة الرئيس صدام حسين، وتبادلوا بانتشاء شامبانيا ظفرهم بحفرة آخر مسمار يدق في النعش العربي. وينقل إلى مثواه الأخير. ثم تستمر تراتيل الموت كل آن وحين. صدام حسين،اختار حياته، كما يقول الفلاسفة الوجوديين وحتى بالعيش في كنف الخطر النيتشوي والمغامرة والمجازفة، وعندما قننوا له موته، مات هو بطريقته الخاصة في قلب موتهم.إذن عشق، موته وحياته، مثلما تماهى مع حياته حتى أقصى ممكناتها. كزعيم سياسي وقائد عربي من جيل الاستقلالات الوطنية، فأن نتفق أو نختلف معه، النتيجة سيان، فلا يمكن أبدا وعلى الإطلاق، تصور شيء اسمه العرب بدون العراق، البلد/الواجهة، أو الإقليم/القاعدة، كما أشار القوميون سنوات المد الإيديولوجي العارم. لكننا، لا نريده كما انتهوا معه إلى عراق مزبلة، عراق "الوزيعة"، التعصب، الظلامية، الجهل، القتل، والقتل المجاني، العربدة، الدم، اللصوص، قطاع الطرق، المافيات، التشرد، المخيمات، عراق هو مجرد محطة احتياطية لبرامل البترول، تحرسها ميلشيات النهب والسطو... نريد، عراقا لنا، عراقا شامخا وكبيرا بعقول أبنائه وعزتهم وكبريائهم الذي لا يضاهي، عراق الشعر والأدب والجمال والغناء والنخيل وأعتى الأسلحة أيضا، فذلك حقنا جميعا، فهذه تقودك إلى تلك، ولا يمكن بأي وهم من الأوهام الادعاء بأن الثمر والحليب وحدهما، قد يجعلان منا أصحاب كرامة. هكذا، سنتلمس مع الأستاذ خليل الدليمي، محامي الرئيس صدام حسين، في هذا الحوار الذي أجريته معه، الدلالات العميقة لمشاعر الفجيعة والضياع، كما يعيشها العراقيون، صمتا ؟ أو عنفا ؟ أو تيها...؟ يتحدث بحزن عن انتشال همجي لبلده، هكذا ظلما، وفي واضحة النهار دون رقيب أو حسيب. تحدث عن الأمريكان وإيران ومقتدى الصدر والملك فهد وساركوزي وكوشنير ووصية صدام والمغرب وخالد السفياني ويوميات الاحتراس التي يعيشها في الأردن والمحكمة والمحاكمة المهزلتين، وسياقات توثيقه لسيرة الرئيس... هو محامي، شارك في الحرب العراقية الإيرانية، شاب عراقي مغمور، استفاد مثل باقي أفراد جيله من النظام العلمي والمعرفي للدولة العراقية في عهد صدام حسين. لكن، واختبارا منه ل "فروسيته وشجاعته" سيأخذ على عاتقه مسؤولية إحدى المهام "الأكثر خطورة" في التاريخ المعاصر، والدفاع عن رجل دولة سيظل وإلى الأبد، مثيرا لكثير من الجدل والسجال... الأستاذ خليل، أتوخى أن يعرف القارئ أهم المسارات العلمية والمهنية في حياتكم؟ أحيي شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج العربي، وأحيي روحه القومية الوثابة ولا يفوتني التذكير أن مقاومة كل أنواع الاحتلالات تستمد قوتها من هذا العمق العربي وليس من القدرات الوطنية فحسب. خليل الدليمي شاب من مواليد 1962 ينحدر من ريف العراق، من بادية محافظة الأنبار الكبيرة المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا والتي انطلقت المقاومة العراقية منها وفي فلوجتها كسرت هيبة أمريكا وإلى الأبد ومنها ستخرج أمريكا تجر أذيال الخيبة والهزيمة النكراء. خريج الدراسة الثانوية الفرع العلمي، ومن الطلبة المتفوقين دراسيا، بعدها تخرجت من المعهد الفني وكان الطموح إما طيارا حربيا أو طبيبا ولكن أيا من هذا أو ذاك لم يتحقق وأصبح الحال بما لا أرغب حيث كلية القانون. أنهيت دراسة الماجستير في الجامعة الأردنية وأحضر للدكتوراه في القانون الدولي، محامي دولي وعضو نقابة المحامين الدوليين. سنبدأ من الأخير، منذ أيام قليلة مرت ذكرى سقوط بغداد ؟ لماذا حدث ما حدث ؟ العرب اليوم، يراكمون فقط العفن ؟ أستسمحكم على التشبيه ولكنها المرارة ؟ بغداد لم تسقط، دار السلام احتلت ووقعت أسيرة بطريقة بشعة وبيد عدو لا يعرف معنى القيم والأخلاق. مرتين، مرة في غابر التاريخ على يد المغولي التتاري هولاكو وبمساعدة ابن العلقمي، وكان هدفه الحضارة والعلم فأغرق جميع المكتبات في نهر دجلة لدرجة أن جيشه الجرار عبر النهر على أشلاء الكتب. والمرة الثانية والتاريخ يعيد نفسه، تقع عاصمة الرشيد بيد المغول الجدد ولكن هذه المرة تعددت الأهداف لغزوها ووقوعها أسيرة بيد عدو لا يراعي أخلاق الحروب ولا قوانينها وهي ثلاثة أسباب أعلنها لأول مرة لا رابع لهما : أولها وأهمها الموقف القومي الذي يتزعمه العراق من القضايا العربية والمهدد لحماية أمن إسرائيل. ثانيا : النفط وثروات العراق، ثالثا : التقدم العلمي والتكنولوجي (العقول العراقية العملاقة). أما الأسباب التي أدت للاحتلال فهي : التفوق النوعي والكمي والاستراتيجي الهائل جدا بين بلد يستطيع تدمير الكون ثمان وعشرين مرة وبين بلد بحجم أصغر ولاية من ولايات أمريكا الخمسين...، الحصار الذي دام أكثر من 13 عاما وطال حتى الحجر والشجر، وجود آلاف ابن العلقمي مع قوات الاحتلال الأمريكي والإيراني المجوسي...، غدر إخوة يوسف بيوسف، ... مشاركة فعلية وقوية للفرس المجوس بكل حلقات المعركة مع أحبتهم الشيتان (الشيطان) الأكبر وهذا ما اعترف به رسميا الشيتان (الشيطان) الأصغر في قمة الدوحة للمؤتمر الإسلامي عندما قال محمد علي أبطحي نائب الرئيس الفارسي المجوسي... حيث قال لولا جمهورية إيران الإسلامية لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق وهذا موثق. وأسباب أخرى منها الفتاوي التي أصدرها المعممين حلفاء الفرس ، بعدم مقاتلة الأمريكان لأنهم محررين لا محتلين ! إضافة لأسباب أخرى بعضها في غاية الأهمية ومنها سوء الحسابات والتقدير. ولكن وكما طرد العراقيون هولاكو الأول فإنهم سيطردون هولاكو الثاني، ومثلما انطفأت نار المجوس وانشق إيوان كسرى بمولد نبي الرحمة، فإن نار الفرس المجوس ستنطفئ مرة أخرى وإلى الأبد على أيدي رجال العراق بإذن الله وهنا لا بد لي أن أحذر، فإذا كان من يعتقد أن إيران الفارسية تقع كعدو في المرتبة الثانية فهذا خطأ وسوء تقدير فادح. فإن الفرس المجوس لا ينازعهم أحد في العداء الأول للعرب والمسلمين وواهم جدا من يعتقد أن أمريكا ستضرب حبيبتها وشريكتها في الجريمة إيران. كما أحذر بشدة الدول العربية من مخطط الردة للتشيع الفارسي ومخالفة شرع الله وعليها أن تضرب بيد من حديد كل من يحاول رد المسلمين عن دينهم بسنة الله ورسوله ولا دين غير ذلك لأن المخطط كبير وليعتبر الجميع مما حصل للعراق !!! ما هي طبيعة الظروف التي هيأتكم، كي يضع فيكم الرئيس صدام حسين ثقته، ويخول لكم إمكانية الترافع عنه ؟ كيف تم الأمر ؟ خليل الدليمي المحامي المغمور، هو ليس من الصف الأول بين زملائه العراقيين، بل يكاد الجميع يكون متقدما عليه مهنيا، ولكن في الشجاعة شيء آخر. فمن العيب على الرجال أن يمتدحوا أنفسهم، فخليل الدليمي قبل أن يكون محاميا خاض كل صفحات معارك الشرف والكرامة في القادسية المجيدة ضد الفرس المجوس الكفار وقاتلهم حتى بالاشتباك بالأيادي عندما نفذ العتاد ضمن صفوف المغاوير والقوات خاصة ومثلما شارك في قتال الفرس المجوس، كان عليه أن يقاتل حلفائهم الأمريكان الأوغاد الأنجاس، فكان كَفَن المحاماة (الروب) هو السبيل. فأسست هيئة الدفاع عن العراق وتقدمت كل زملائي المحامين العراقيين وترأست هيئة الدفاع لأقود أخطر وأصعب مهمة في التاريخ البشري والشجاعة كانت في معرفتنا للنتيجة مسبقا، والشجاعة تكمن في الإصرار على سلك الدرب وعدم ترك الرئيس وحده بيد هؤلاء العتاة الكفرة المجرمين، ولفضح مهازل محكمتهم من داخلها والتواصل الإنساني مع الرئيس الأسير، وكذلك لنثبت لأمريكا وعملائها أن للرئيس عمقا وطنيا وعربيا وإنسانيا من خلال المحامين العراقيين والعرب والأجانب. هكذا، تطوعت وزملائي ولم يكلفنا أحدا لأن قيم الرجولة تستنفر بقوة عندما تمتهن الكرامة من قبل الأعداء. وعلى وفق مواقف الرجال، كانت ثقة الرئيس وستبقى في محلها إن شاء الله. هل كنتم تأملون شيئا ما؟ من محاكمة، كان الجميع يعرف منذ البداية، بأنها تفتقد لأدنى محددات العدالة ؟ لقد تابع الناس أطوارها من خلال القنوات الفضائية والصحافة المكتوبة. نستغل هاته المناسبة لنستفسركم عن الخفايا والكواليس ؟ سمعنا أيضا عن تهديدات بالموت صدرت في حق بعض القضاة والمحامين ؟ المحكمة والمحاكمة صناعة أمريكية إيرانية، وهي لا تمتلك الحد الأدنى ليس من الشرعية والمشروعية فحسب، بل لا تملك الحد الأدنى من العدالة والأخلاق، وقد كانت بحق مهزلة العصر، وكل أحكامها اغتيال خارج إطار الشرعية والقانون ونحن لم نكن نأمل منها شيئا، فكل من عمِل فيها هو خائن وعميل للمحتل وسيحاسبه التاريخ بعد أن تحاسبه الأجيال. وحتى الرئيس يعرف النتيجة مسبقا، فالعدو لا يعرف إلا قانون القوة ولا مكان لقوة القانون وسط أدغال قانون القوة وشريعة الغاب، وفاقد الشيء لا يعطيه. قضاة الاحتلال كانوا تحت حماية أسيادهم من الغزاة الأمريكان ومخابرات الفرس المجوس وحرسهم الثوري. أما أنا فقد قتل من زملائي عددا كبيرا والذي قتلهم نهارا جهارا هم أجهزة حكومة الاحتلال ومليشيات إيران الفارسية التي تدعي الإسلام زورا وبهتانا، تعرضت لأكثر من 13 محاولة اغتيال، وبصحبة زملائي عرفت الاعتقال وتكميم الأفواه والتهجير. وحاليا الهجرة خارج العراق بالإكراه، بناء عليه لم نكن نتوسم خيرا من محكمة وليدة رحم فاسد من غزو باطل. نعم ليس كل ما خرج للعلن وما نشرته في مذكرات الرئيس (هذا ما حدث) هوكل الذي حدث، فمازال الكثير مما حدث الذي هو صفقة إيرانية أمريكية بامتياز وعلى حساب العرب وسيأتي تباعا وحسب الظروف. لذا فإنني أحيي الخطوة التي اتخذتها القيادة المغربية بقطع دابر الخطر الفارسي المحدق بالأمن القومي العربي، عندما قطعت العلاقات الدبلوماسية مع الفرس المجوس، باتجاه محاربة وتطويق الردة عن الدين الإسلامي الحنيف. تابعنا احتجاجات الرئيس صدام داخل المحكمة، وترديده شعارات تدين الاحتلال وشركائه، كيف، تجلت ردود فعل الأمريكان ؟ عقب نهاية كل محاكمة ؟ مثلا، هل تستفزهم احتجاجات الرئيس وبالتالي ينزلون به العقاب ؟ وماذا عن رموز القيادة العراقية طه ياسين رمضان والآخرين ؟ هل كانوا معتقلين في نفس المكان إلى جانب الرئيس؟ كيف ظلت قناعاتهم ؟ هل وقعت سجالات بينهم مثلا؟ هل ظل الرئيس محافظا على هيبته؟ سيطر الأمريكيون ومعهم الفرس على المحكمة بكل تفاصيلها، وكانوا يجلسون في القسم العلوي لقاعة ما يسمى بالمحكمة، وكان عملاؤهم مسرورون لما يجري وبنفس الوقت خائفين من زئير الرئيس وصموده داخل المحكمة، وكان أكثر الشخصيات العميلة، التي تحضر فصول المهزلة هو عرّاب الاحتلال، سارق بنك البتراء الإيراني، العميل أحمد الجبلي، ولأن الأمريكان هم الذين يقومون بتصوير فصول مسرحيتهم فقد كانوا يبعدون عدسة كاميراتهم عن جنيرالات ومخابرات الاحتلال التي تسيطر بشكل كامل على قاعة وإدارة المحكمة من الداخل ومن الخارج. أزير وهدير طائراتهم ودباباتهم، تحيط بالمحكمة من كل الجهات خوفا من أن يقوم رجال المقاومة باقتحام المحكمة. أما القيادة المعتقلة فقد ظلت متماسكة إلى حد ما، رغم بطش وتعذيب قوات الاحتلال، وكان كل أعضاء القيادة متواجدين في المعتقل الأمريكي (كروبر) في مقر قيادة قوات المارينز، في حين أن الرئيس معتقل في مكان بعيد عنهم وتحديدا في أحد قصوره تحت حراسة أمريكية مشددة. رغم كل الظروف الصعبة للغاية، بقي الرئيس محافظا على هيئته وهيبته وقوة شخصيته وهذا خلاف ما أراده المحتلون وعملاؤهم. وهنا لابد أن أقول للعرب، لا تمارسوا نفس الخطأ مرتين لقد أضعتم العراق من أيديكم فلا تضيعوا المزيد... فحذاري، حذاري من الفرس المجوس فقد اتحدوا كعادة غدرهم منذ الخليقة، اتحدوا مع الصليبيين فلا تنتظروا منهم إلا الشر وشرهم مسيطر عليكم بعد أن ذبحوا العراق. للأسف ما حصل، يعتبر رسالة أمريكية لكل العرب والمسلمين ورسالة بليغة جدا ومهينة للقيادات العربية، ورسالة إيرانية للمسلمين في نحر قائد عربي بارز، يوم النحر. أشرتم إلى أن العقول العراقية العملاقة، شكلت إحدى دوافع السعي للقضاء على هذا البلد، أريد منكم مشهدا مختصرا للوضع العلمي والمعرفي فترة حكم صدام حسين؟ الإنجازات العلمية وغيرها كبيرة والثورة العلمية في العراق، كانت عملاقة. وباختصار، فقد حصل العراق آنذاك على أعلى شهادة من اليونسكو، وقضى على الأمية بشكل كامل. أنتج العراق آلاف العقول وآلاف العلماء والمفكرين والنخب الفكرية المتطورة،ودائما لازالت راجحة ولذلك تم استهداف آلاف العلماء قتلا وتشريدا. إذا التقت مصالح الإيرانيين والأمريكيين ؟ فلماذا هاته العداوة الشديدة بينهما على الساحة الدولية ؟ وما أسباب التحامل على المشروع النووي الإيراني. وما تقييمكم لأوضاعها الداخلية بعد أحداث الانتخابات الرئاسية ؟ العلاقة الإيرانيةالأمريكية، علاقة استراتيجية والاختلاف إن وجد وأنا أجزم عكس ذلك، وما يظهر للعلن من خلاف مزعوم حتى وإن صح فلن يؤثر على مصالحهما المشتركة. ومثال بسيط، لك أن تقرأ هوية التسليح الإيراني... إنه أمريكي بامتياز، التقت أجندة الفرس مع أجندة أمريكا وأصبحت سياسة التخادم المشترك هي الغالبة.. مرة أخرى أحذر العرب من الوقوع ضحية أوهام... فحذاري من إيران وحذاري من السماح بارتداد المسلمين عن دينهم وقتل ظاهرة التشيع الفارسي في مهدها، فالمخطط كبير ورهيب يتجاوز حدود العراق إلى ما هو أبعد بكثير ليشمل العرب وباكستان. أما التحامل على المشروع النووي الإيراني فهو فيلم هوليودي، وإن افترضنا جدلا صحته فستتم تسويته على حساب العرب. والخاسر الأكبر، هم العرب. أما الانتخابات الرئاسية فإذا كنت تقصد انتخابات إيران فعليك أن تسأل كل العرب ما الذي قدمه الفرس لقضية فلسطين منذ احتلالها ؟ وإذا كانت أميركا تريد أحمدي نجاد أو لا تريديه فهذا لا يؤثر على العلاقة الإستراتيجية التخادمية بينهما مهما تغيرت الوجوه. ثم إن تصريحات أحمدي نجاد بفناء ونهاية إسرائيل هي للاستهلاك المحلي والإقليمي، العراق هو صفقة العلاقة بيهما. إيران تحافظ على مصالح أميركا في العراق كما كانت في زمن الشاه شرطي الخليج، ومقابل ذلك، تتغاضى أمريكا عن سيطرة سياسية لإيران كاملة على العراق. لو لم تكن أمريكا راضية عن مشاركة إيران لاحتلالها للعراق، فكيف تقبل أن يكون لإيران سفارة تقود من خلالها سياسة العراق الجديد! وكيف تقبل أمريكا بحالة غير مسبوقة، أن تكون لإيران ستة عشر قنصلية في أغلب محافظات العراق وكل هذه القنصليات أوكار للمخابرات الإيرانية وقادة فيلق القدسالإيراني الإرهابي. ثم هل يعقل عاقل أن أمريكا التي تسيطر بشكل لا تسمح للطير أن يدخل، للمنطقة الخضراء كيف لا ترى !! الجنرال الإيراني قاسمي سليماني وهو يقود العمليات الإرهابية وذبح العراقيين في المنطقة الخضراء ؟ أمريكا لو كانت صادقة، ولو لم تكن راضية لما سلمت العراق مذبوحا لإيران وأتباعها. ولو كانت صادقة لوضعت جيشها وقوات المارينز على طول الحدود مع إيران ولاستصدرت قرارا من مجلس الأمن يحذر بشدة إيران من مغبة التواجد والتدخل في العراق... المؤامرة خطيرة ومخيفة خصوصا أن تنظيم القاعدة الآن تسيطر عليه إيران بشكل كامل وتدفع به لإيذاء بلدان عربية مثل الأردن والسعودية ومصر ودول المغرب العربي. حسب سياق حديثكم، شاركتم في حرب شرسة ضد إيران سنوات الثمانيات. ضمن أية زاوية، تضعون تلك الحرب ؟ هل هي دينية، اقتصادية أم صراعا على زعامة المنطقة ؟ الحرب مع إيران، كانت صراعا دينيا. فإيران دولة فارسية لا علاقة لها بالإسلام، وهي ترفع شعارات فقط، وتتعامل بشكل خفي وسري مع أمريكا وإسرائيل. والجميع يتذكر (إيران غيت) شحنات الأسلحة الإسرائيلية لإيران. هي، صراع حضاري أيضا، فعلى امتداد التاريخ، غزا الفرس البلاد العربية وخاصة بلاد الرافدين وقد تعاونوا مع اليهود في كل غزواتهم وحاولوا تدمير حضارة وادي الرافدين أكثر من مرة. وحرب اقتصادية، فإيران دولة توسعية على حساب الأمة العربية، ومشاكلها مع العرب قديمة فهي تحتل الجزر العربية والأحواز وأراضي عراقية كثيرة وتتدخل بشكل سافر في العراق. العراقيون اليوم، يعانون بشكل لا يطاق من الاحتلال الإيراني وبتواطؤ ورضا واضح من حلفائهم الأمريكيين. كانت القادسية المجيدة حرب مقدسة أعاد فيها العراقيون الهيبة والعزة للعرب، وكان الرئيس رحمه الله بحق فارسا، تصدى للفرس وخرج العراق بكبرياء مزهوا منتصرا. ولهذا تحالف الجميع للثأر منه. عشتم في العراق، مأساة الهجوم الأمريكي الأطلسي بداية التسعينات؟ و 2004 ؟ رافقهما حصار طويل، كيف تأثرت مثلا مهنتكم المحاماة بشروط الموت؟ ما حصل في العراق فاجعة لا تصدق. أمريكا دمرت كل شيء فعلا، أعادت العراق إلى القرون الوسطى فلا أمن ولا أمان ولا دولة ولا مؤسسات ولا كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولا صحة ولا مستشفيات... . أمريكا وإيران، دمرا العراق عن بكرة أبيه، وطال التدمير كل مصادر الحياة، وليس اقتصارا على مهنة المحاماة أو القضاء الذي يستمد سلطانه واستقلاله من استقلال وسيادة الدولة. ماذا عن حيثيات تأسيس هيئة الدفاع عن الرئيس؟ كيف جاءت الفكرة؟ هيئة الدفاع بكل كوادرها العراقية والعربية والدولية، هي هيئة واحدة تصدت بشرف لسلطان أمريكا الجائر وتم تأسيس هيئة الدفاع عن العراق من قبلي شخصيا ومن تحت غبار ودخان ونيران المعركة، وكانت ولازالت هيئة متطوعة، بدافع وطني وإنساني ورجولي كما قام الإخوة العرب من المحامين الأبطال وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل خالد السفياني من أبطال المغرب والدكتورة عائشة القذافي وغيرهم من المحامين العرب الأبطال بتأسيس الهيئة العربية الدولية في الأردن والتقت الهيئتان العراقية والدولية وتوحدتا، وواصلنا العمل رغم معرفتنا بالنتيجة مسبقا. كيف كان الرئيس يقضي يومه داخل الزنزانة ؟ نريد منكم تصويرا وقائعيا، نومه؟ استيقاظه؟ هل يكتب؟ يقرأ؟ أشياء أخرى لم تتطرقوا إليها في كتابكم وتسعون إبلاغها إلى القارئ؟ لا أستطيع تلخيص حالة معينة بلقاء صحفي قصير، يمكن الرجوع للكتاب ،الوثيقة المهمة للتعرف على الصمود الأسطوري للرئيس داخل زنزانة الاحتلال، وليطلع الإنسان العربي على حقيقة ديمقراطية أمريكا. هل وُجدت من احتمالات أخرى غير الإعدام؟ تداولت الأخبار بأن الأمريكان سبق لهم أن قدموا خيارات أخرى لصدام حسين، النفي مثلا؟ ج نعم عرضوا على الرئيس الأسير أن يكون إما كنابليون بونابرت أو كموسليني، ورفض، وقال لهم لن أدعو شعبي إلا لمزيد من المقاومة حتى يطردكم ويحرر العراق من دنسكم. ارتباطا بالمصالح الإيرانية في المنطقة ؟ هل يخضع حزب الله لنفس المعادلة؟ ما يهمنا ليس إن كان حزب الله مرتبط بهذه الجهة أو تلك، بقدر، ما يهمنا أن اتهامات كثيرة وجهت لهذا الحزب بأنه درب ومول بعض المليشيات الطائفية المرتبطة بإيران والتي كانت مهمتها قتل وتهجير العراقيين الأصلاء من أهل السنة وأنا على المستوى الشخصي لا أستطيع نفي أو تأكيد ذلك. متى كانت آخر مرة التقيتم فيما صدام حسين ؟ هل لازالت ترن في آذانكم آخر كلماته؟ التقيته قبل ثلاثة أسابيع من إعدامه وكان كعادته بمعنويات عالية جدا، هو يعرف المصير الذي ينتظره من أعدائه، رفض الأمريكيون، محاولتين أخريتين للقائه، خوفا من استخدام نفوذ قبيلتي القوية في العراق لمساعدة الرئيس على الهرب من المعتقل، وقد أوصاني بأن يوارى جثمانه الثرى إما في محافظة الأنبار التي أنا منها، أوفي مسقط رأسه وترك الخيار لعائلته وعندما استشارتني عائلته، نصحتهم بأن يدفن في مسقط رأسه، كوني ابن عشائر وأعرف أنه إذا دفن في الأنبار سيلحق عشيرته وفق للعرف العشائري السائد في العراق العار فما ذنبهم بذلك وكذلك أوصاني بأن أتصرف بقضيته من منظور تصوراتي على أن لا تكون رقبته تحت طائلة المساومات وكان رجلا بحق. نسجت بعض الروايات عن لحظة إعدام الرئيس؟ قيل، بأن مقتدى الصدر هو من تكلف بمهمة لف حبل المشنقة! بعد أن تسلم صدام حسين من الأمريكيين؟ وهل انهالوا عليه حقا بالضرب؟ نعم مقتدى كان موجودا وشارك في إعدامه والحكومة العميلة في العراق تتكتم هي وقوات الاحتلال على ذلك تفاديا للفضيحة وحصلت تجاوزات كثيرة، أعتُدي على الرئيس لحظة الإعدام وبعدها، حتى إن موفق الربيعي أحد العملاء، أكد بأن تصرفات مخجلة صاحبت إعدام صدام. بالنسبة لكتابكم "هذا ما حدث"، كيف اشتغلتم عليه بالموازاة مع مجريات التحقيق ؟ هل فكرتم منذ البداية في إخراجه إلى القارئ العربي ؟ وماذا عن موقف الرئيس صدام بهذا الخصوص ؟ ثم ماذا عن ترجمته إلى الفرنسية ؟ الفرنسيون، هم من اتصلوا بكم ؟ هل تلقيتم عروضا أخرى في الإطار ذاته ؟ ما دفعني لإخراج الكتاب أولا هو طلب الرئيس، لأن الحقائق بدأ الغزاة يشوهونها وثانيا مهمتي كرئيس لهيئة دفاع تضم أكثر من خمسة آلاف محامي، أن تتطلع الأجيال على ما جرى ويجري. نعم الرئيس شجعني كثيرا على ذلك، استغرق وقت العمل بالكتاب أكثر من عامين، بعض الذين ساعدوني في إخراجه، وزراء شرعيون في عهد الرئيس، ومنهم من لازال معتقلا، وخوفا عليهم من التنكيل لا أستطيع ذكر الأسماء. ثم، تُرجم الكتاب إلى الفرنسية بعد أن اتصل بي الفرنسيون واستقبلوني في بلدهم وأهديت منه نسخا للرئيس جاك شيراك والرئيس ساركوزي وطلبت من الأخير أن يقرأ الكتاب من وجهة نظر أخرى، كون الرئيس ساركوزي لا يقل سوءا عن المجرم بوش وهذا ما أخبرني به الفرنسيون أنفسهم، كما أهديت نسخة للشخصية المثيرة للجدل في فرنسا حسب اعتقادي وهو وزير الخارجية كوشنير، الذي يصرح صباحا ويعتذر مساء. الكتاب ترجمته دارنشر فرنسية، وأدخلت عليه تغيرات كثيرة لدرجة أن القارئ، عندما يقرأه، سيحس وكأنه يقرأ كتابا جديدا. هل تعرضتم لتهديدات عقب صدور العمل؟ وكيف جاءت استجابة دول الخليج، لاسيما السعودية والكويت؟ التهديدات حصلت أو لم تحصل لا تهز قيد أنملة من صبري وحكمتي وحسب ما يصفني الناس ويقولون عن شجاعتي ... عرف الكتاب رواجا واسعا جدا في الدول الخليجية الشقيقة فهو أنصف دور المملكة العربية السعودية التي وقفت مع العراق في كل مواقفه، خصوصا وأن جلالة الملك فهد رحمه الله نصح كثيرا الرئيس صدام حسين بعدم الإنجرار وراء أي استفزازات، ولكن هناك تشويه متعمد لدور المملكة العربية السعودية التي دعمت العراق في كل الظروف التي مر بها، وهذا التشويه متعمد لخلق العداوة بين الأشقاء في البلدين العراق والسعودية. أما دولة الكويت، فقد منع الإخوة هناك دخول الكتاب وكان الأفضل لو سمحوا بتداوله، لكنه قرار سيادي يخص الإخوة الكويتيين. هل وصل إلى أسواق بغداد؟ تم منعه من دخول العراق، وهنا لب القصيد كي توعز إيران لاتباعها في العراق بتزويره، وقد نجحت على نطاق واسع جدا، لدرجة أن جميع النسخ في العراق مزورة، ونحن حذرنا من ذلك. هل تعيشون اليوم حياتكم بشكل اعتيادي وطبيعي؟ ألا يتطلب الأمر مثلا إجراءات استثنائية فيما يتعلق بتنقلاتكم ؟ أسفاركم؟ علاقاتكم؟ صدام حسين ليس رجلا عاديا وهو مطلوب أمريكيا، وقد جيشت أمريكا العالم مرتين لمحاربته. أعيش حياتي، ليس بشكل طبيعي ولا استثنائي.. فهل تعتقد أن من يدافع عن رجل كهذا يكون وضعه، مثل باقي الناس. الحذر مطلوب وتنقلاتي محسوبة، فمثلا لا أستطيع دخول العراق وإيران تحكمه أو كأقل تقدير موجودة فيه. هناك دول أخرى لن أدخلها مدى حياتي بسبب مواقفي، وهذا لا يضعف من عزيمتي فأرض الله واسعة وأنا أعيش بضيافة الهاشميين الأصلاء وألقى ترحيبا واحتراما في الأردن بشكل لم أجده في بلدي، وأينما أذهب أستقبل بشكل لائق وكأني دبلوماسي، توفر الدولة التي أذهب إليها الحماية والإقامة وحسن الاستقبال والضيافة، والتقيت خلال مهمتي عددا كبيرا من الزعماء وكانوا يكنون لي كل الاحترام. في الأردن أنا عاجز عن الوفاء لهذا البلد فأهله على المستويين الرسمي والشعبي، يحترمونني. بعد هذه القضية أصبحت أتعمد في اللحظات الأخيرة تغيير مواعيد الأصدقاء وكذا الأمكنة المحددة للالتقاء بهم، دون أن أشعر الصديق الذي ألتقيه بالاحتياطات الأمنية. نادرا ما أجلس في الأماكن العامة، وعندما أجلس أكون محط أنظار الناس بكل احترام وغالبا ما يقوم الناس بالتقاط صور معي. لكن أثناء مهمتي، كانت الأمور معي خطيرة للغاية، تعرضت لأكثر من 13 محاولة اغتيال، نجوت منها بأعجوبة وتعرضت لدس السموم في الطعام، وفي أحيانا كثيرة عندما تأتيني هدايا من أصدقاء ليسوا ثقاة فغالبا ما أتسلمها ثم أقوم بإتلافها دون أن أشعرهم بذلك، خاصة مع العطور وبعض الأطعمة، وفي أحيانا كثيرة اضطر للتذرع بأني صائم، إذا أحرجتني دعوة شخص لتناول الطعام ورغم كل هذا أعتبر حياتي شبه اعتيادية، والذي يرهقني أني أضطر لاستبدال سيارتي بين فترة وأخرى. أما في العراق فعندما كنت أذهب لمقابلة الرئيس كنت أستبدل السيارة التي تقلني بسيارات مرافقي أكثر من ثلاث مرات خلال المسافة الفاصلة بين بغداد والأنبار، وسيارتي الخاصة، أبيعها فور عودتي من مقابلة الرئيس، وسيارتي الشخصية لا أتركها وحدها متوقفة خوفا من القنابل اللاصقة، وعادة في العراق لا أسمح لأطفالي وأفراد أسرتي بالصعود معي في نفس السيارة لأنني هدف في أي وقت ممكن، فمن الجنون أن أزهق أرواح من معي، ورغم هذه الاحتياطات، فإني مؤمن بالله وبقدري والأجل. إن رحلتي مع الرئيس صدام حسين بقدر ما هي ممتعة في اختبار الفروسية والشجاعة إلا أنها خطيرة للغاية، وربما وحسب ما يحلو لي أن أسميها (المهمة الأخطر في التاريخ). بعد هذه المرحلة ؟ ماذا عن مشاريعكم المقبلة؟ مشاريعي، إنهاء مرحلة الدكتوراه في الوقت الحاضر على الأقل، وتبقى عيوني تتجه صوب مراقبة وضع بلدي العراق، لأن اهتمامي باستقلال واستقرار وحرية بلدي تتقدم على كل الاعتبارات الشخصية. هل صحيح أن القيادات البعثية، دعت إلى تشكيل لجنة قصد تفحص مضامين كتابكم عن الرئيس صدام حسين؟ لا صحة على الإطلاق لتشكيل مثل هذه اللجنة، وهذا التأكيد جاء من القيادة العليا للبعث. ما حصل أن أحد الكتاب والإعلاميين، نشر هذا الخبر الكاذب، المفبرك الذي لا أساس له من الصحة، ومذكرات وأقوال الرئيس لا تحتاج إلى تفحيص وتمحيص، ولا يوجد أحرص منا، نحن الذين دافعنا عنه بأرواحنا ومستقبلنا، في مواجهة ادعاءات أبطال الكومبيوترات والبيانات الفارغة. ما هي في نظركم السيناريوهات المحتملة للعراق، وهل القائد عزت الدوري حي أم مجرد توهم؟ العراق، اجتاز ويجتاز ظروفا لم يمر بها أي بلد في العالم خلال كل الأزمنة والتواريخ. الاحتلال الإيراني الأمريكي، أحرق وهدم وخرب كل شيء. لكن العراقيين شرفاء، وسيتحرر العراق بسواعد أبنائه مهما طال الزمان، لكني لا أعتقد أن العراق سيعود تماما إلى سابق عهده بكل التفاصيل، فمثلا لم يعد بالإمكان أن يحكم العراق حزب واحد، هذا لا يمكن أن يحدث أبدا، فالعراقيون بعد هذه التجربة المريرة مع العدوان سيكونون أكثر انفتاحا. كما يجب على من يقود العراق مستقبلا أن يهتم بمصالح بلده وشعبه الوطنية أكثر من أي اهتمام آخر. العراق قدم الكثير لأمته العربية ومحيطه الإنساني، وما يؤلمنا جدا أن إخواننا الفلسطينيين على المستويين الرسمي والشعبي، يتنكرون بشكل لا يمكن تصديقه أو القبول به، لفضل العراق ولفضل الرئيس صدام عليهم، بل إن الثمن الذي دفعه العراق، يرجع لسبب واحد هو موقف العراق من فلسطين والفلسطينيين. أما بخصوص عزت الدوري، نعم لا يزال حيا. [email protected]