من المرجح أن تؤدي هجمات باريس الإرهابية إلى بلورة رد عسكري عالمي أقوى على تنظيم الدولة الاسلامية بعد أن استمرت حرب جوية بقيادة الولاياتالمتحدة أكثر من عام دون أن تتمكن من احتواء التنظيم الذي ثبت أنه خطر متزايد على المستوى العالمي. وتتعرض الولاياتالمتحدة - التي توجه إليها منذ فترة طويلة اتهامات بأنها تتخذ نهجا تدريجيا إزاء التصدي للتنظيم - لضغوط سياسية متنامية في الداخل والخارج لبذل المزيد ومن المتوقع أن تعكف على دراسة سبل تصعيد الحملة بما في ذلك توسيع نطاق الضربات الجوية. ويقول مسؤولون أمريكيون إن واشنطن ستتطلع بالتحديد لحلفائها من الأوروبيين والعرب لزيادة مشاركتهم العسكرية في الحرب في كل من سورياوالعراق. ومازال من غير الواضح ما إذا كانت باريسوواشنطن سترغبان في توسيع مجال مشاركتهما العسكرية الحالية بشكل كبير في ضوء العزوف الشديد عن الانزلاق إلى حرب برية واسعة النطاق في الشرق الأوسط. لكن الرئيس باراك أوباما خصص المزيد من الامكانيات للقتال في الأشهر الأخيرة ويرى أعضاء في الكونجرس وخبراء في مكافحة الإرهاب إن هجمات باريس ستعزز الآراء المؤيدة لاستخدام المزيد من القوة العسكرية. وقد أعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عن الهجمات التي وقعت يوم الجمعة وأسفرت عن سقوط 129 قتيلا في باريس في أسوأ عمليات من نوعها في فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الأسبوعين الأخيرين وقعت هجمات كبرى أعلن التنظيم أيضا مسؤوليته عنها. فقد أسفر تفجيران انتحاريان في الضاحية الشيعية في جنوببيروت عن مقتل 43 شخصا كما لقي 224 شخصا مصرعهم عندما سقطت طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء المصرية. وقالت ديان فاينستاين عضو مجلس الشيوخ وهي أكبر الديمقراطيين في لجنة المخابرات بالمجلس إنه اتضح أن استراتيجية أوباما التي تقوم على شن ضربات جوية محدودة بالاضافة إلى تقديم الدعم لقوات برية في سورياوالعراق "ليست كافية لحماية بلادنا وحلفائنا." وقالت "القتال يمتد بسرعة خارج العراقوسوريا ولهذا السبب يتعين علينا أن ننقل المعركة إليهم." وقال بروس ريدل وهو خبير سابق في وكالة المخابرات المركزية الامريكية في شؤون المنطقة كما عمل مستشارا لأوباما إن سلسلة الهجمات الأخيرة حسمت الجدال الدائر حول ما إذا كان تركيز تنظيم الدولة الاسلامية سيظل منصبا على الحرب في العراقوسوريا. وقال ريدل الذي يعمل الان في مؤسسة بروكينجز "هذا يغير قواعد اللعبة من هذا المنطلق. فقد كان هناك من يتجادلون عما إذا كانت الدولة الاسلامية ستظل مركزة على الوضع المحلي أم تتجه للتوسع على المستوى العالمي. وأعتقد أن الجدال انتهى الآن." كما زاد الجمهوريون الساعون للفوز بترشيح حزبهم لخوض انتخابات الرئاسة لعام 2016 الضغوط بعد هجمات باريس. فقد قال جيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا إن الارهابيين الاسلاميين يشنون "جهدا منظما لتدمير الحضارة الغربية" وإن الولاياتالمتحدة بحاجة لأخذ موقع القيادة في الحرب عليهم. وقال بوش في برنامج إذاعي مساء يوم الجمعة "هذه الحرب هي حرب عصرنا." ومن الممكن أن تعزز فرنسا - التي وصفت الهجمات بأنها عمل من أعمال الحرب - مساهمتها في الحملة الجوية على أهداف الدولة الاسلامية على نحو سريع. وحتى قبل وقوع هجمات باريس أعلنت فرنسا أن حاملة طائراتها الوحيدة شارل ديجول ستتجه إلى الشرق الأوسط لتصل إلى المنطقة في 18 نوفمبر تشرين الثاني. وقال مارتن ريردون المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الاتحادي الذي يعمل الآن لدى مجموعة سوفان الاستشارية "لا تفصلنا سوى أيام عن رحيل الحاملة الفرنسية واتجاهها إلى الخليج الفارسي لبدء توجيه ضربات. أعتقد أن فرنسا ستفعل المزيد." وفي الشهر الماضي وافق أوباما على ارسال قوات خاصة إلى سوريا للتنسيق مع مقاتلي المعارضة على الارض وهو أمر كان مستبعدا من قبل. كما أمر بارسال المزيد من الطائرات الأمريكية إلى قاعدة انجرليك التركية. ويقول مسؤولون أمريكيون إنهم يجرون مشاورات مع الحلفاء بما في ذلك دول عربية لزيادة مشاركتهم في الحملة الجوية. كما تجري المحادثات حول احتمال قيام الحلفاء بنشر قوات خاصة في العراقوسوريا. وقال ريدل ومسؤولون أمريكيون آخرون إن أحد الأساليب السريعة التي تستطيع الولاياتالمتحدة وحلفاؤها أن تلجا إليها هو زيادة الضغوط على قيادات تنظيم الدولة الاسلامية. وتتزايد مثل هذه الضغوط على نحو مطرد من خلال الضربات الموجهة بدقة في الأشهر الأخيرة. وفي اليوم الذي توالت فيه هجمات باريس نفذت الولاياتالمتحدة عملية قتل زعيم تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا. وقبل ذلك بيوم واحد أعلنت مقتل "الجهادي جون" الذي تولى إعدام رهائن غربيين كما اتضح من خلال تسجيلات الفيديو. ويقول مسؤولون أمريكيون إن مثل هذه الهجمات تظهر أن بوسع الولاياتالمتحدة أن توسع نطاق المعركة. وقال مسؤول أمريكي إن الولاياتالمتحدة تبحث استهداف التنظيم في أي مكان يمكنها استهدافه فيه. غير أن الولاياتالمتحدة أحجمت حتى الآن عن القصف المباشر للمباني التي تمثل مقار التنظيم في عاصمته المعلنة الرقة في سوريا. وقال مطلعون على بواطن الأمور إن هذا يرجع في جانب منه إلى خطر وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين. ولم يتضح بعد ما إذا كان ضبط النفس سيستمر وما إذا كانت إدارة أوباما ستخفف بصورة عامة قواعد الاشتباك التي وصفها بعض الاعضاء في الكونجرس وغيرهم بأنها مقيدة بشدة. وقال المسؤولون والمحللون إن أحد الأسئلة الأخرى يتمثل فيما إذا كانت بريطانيا ستوسع نطاق الضربات الجوية وقدرات جمع المعلومات المحمولة جوا المستخدمة حاليا في سماء العراقوسوريا. ولم توجه لندن ضربات للدولة الاسلامية في سوريا ورغم ما يتردد عن حرص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على مثل هذه الخطوة فهو يواجه معارضة من أعضاء البرلمان. وقال المسؤول الأمريكي "السؤال في الواقع هو هل سيغير ذلك البرلمان البريطاني؟"