كما يقال عادة ، مصائب قوم عند قوم فوائد ....،فمصائب الإسلام السياسي المتطرف عند المغاربيين لاتعد ولا تحصى ، وقاعدتهم هي الجهاد " في سبيل الله" ، فظهرت تنظيمات تشبعت بهذا اللغز بداية القرن العشرين ، وأعادت مشروعها الإقتتالي ، كما صورته في مخيلة، الجاهل" المأجور "، إلى سنوات عجاف في جزيرة العرب ، حيث الاقتتال من اجل كسب الغنائم وسبي النساء ، وتوفير موارد الدولة تحت ذريعة نشر الإسلام ، أوالاهتمام بأمور الدولة ، السيناريو نفسه عاش مأساته العالم اليوم ، فكان تنظيم القاعدة البادئ اظلم ، قصف أمريكا في أحداث 11 سبتمبر 2001، وزعزع أركانها ، و أ نتشر بعد ذلك عبر العالم بسرعة البرق ، عبر تقنين مشجع تحت مسمى " قانون الإرهاب" ، لكن الأهم في تناولنا موضوع ظاهرة إرهاب القاعدة ، هو الرد الأمريكي في الوقت المناسب ، وكان طبعا بوش الأصغر رئيس الأمريكي السابق واضحا في كلامه مند الوهلة الأولى في رده على هجمات سبتمبر ، من خلال عبارتين كافيتين لفهم ما يجري اليوم باسم تنظيم جديد يسمى "داعش " ، العبارة الأولى في خطابه تقول : "إما أن تكون معنا أو ضدنا .."، ففسرها البعض، إما أن تكون على ملتنا المسيحية أو ضدنا، وهذا التفسير من وجهة نظر تجار الدين الإسلاميين ، وهناك من رأي أخر يرى أن القصد هو التشجيع على الإسلام المعتدل ، ويستدلون باقتراح خبراء أمريكيون بالبحث عن سبل إعداد "قرانا جديدا" بدون آيات الجهاد أو الإقتتال ، العبارة الثانية ، وهي فكرة " الفوضى البناءة "، وهو مايحصل اليوم باسم ظاهرة "داعش" ، وسرعان ماظهر هذا التنظيم فجائيا كتنظيم إرهابي جديد بكل مقومات العنف ، من أسلحة متطورة إلى جيوش مدربة..،وعلى مايبدو جاء بترتيبات معدة سلفا في سرية تامة ، عندما انتهت مهمة القاعدة بإعلان مقتل بلادن زعيم التنظيم بعد قتال طويل ،فكانت نقطة تحول من جوانب عديدة ، والصحيح أن الحدث البارز الفاصل بين التنظيمين هو إثارة ضجة وثائق وكيليكس السرية ، التي كشفت النقاب عن أسرار الأنظمة المستبدة وعلاقاتها بالغرب ، أججت عواطف الشعوب دون حسابات ،فولدت وهما سمى "بالربيع العربي" ، والغريب أن الذين دفعوا عن هذا الربيع الأسود ، كانوا يتوخون إعادة البناء دون أن يدركوا خلفياته، وهم غالبا من من تيار القومين العرب أنفسهم أشيه على أقل تقدير ببغاوات سايرته خطاباتهم قناة الجزيرة القطرية ، وزاد من تفاقم الوضع ظهور الإرهاب بشكله البشع بقيادة تنظيم داعش، وماخلفه من انهيار شبه تام لسيادة الدول مثل العراقوسوريا وليبيا واليمن ، إلى حد الصعوبة بالمكان للحديث اليوم عن إمكانية عضوية هذه الدول في المنتظم الدولي ، بل سيختفي بعضها على حد قول المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايكل هايدن لصحيفة "لوفي جارو" الفرنسية، حول تضاؤل الدور الأمريكي في الشرق الأوسط: "لنواجه الحقيقة: العراق لم يعد موجودًا ولا سوريا موجودة، ولبنان دولة فاشلة تقريبًا، ومن المرجح أن تكون ليبيا هكذا أيضًا" ، وهي الدول التي أسست أنظمتها على ديكتاتورية القومية العربية ، فبلغ تنظيم القاعدة من النضج لمواجهتها للقضاء على زعمائها ، الذي يشكلون خطرا لمصالح الغرب وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، التي كانت الأقرب إلى الأنظمة البترودولار مثل دول الخليج العربي ، التي تسهر هي الأخرى على نشر الوهابية كمشروع فكري للتهديد وللاستقرار ، وهو الذي استغلته الولاياتالمتحدةالأمريكية من اجل تطبيق مشروع بوش الابن في ما سماه " الفوضى البناءة" ، فكلما تواجد تغلغل هذا الفكر في بلد معين وإلا فهذا البلد مهدد لكونه يحتضن ثروات هائلة يجب السطو عليها أو تهريبها ، مقابل بيع الأسلحة المتشددين والمبرمجين على القتل والعمليات الإرهابية ،" العنف المأجور" والنتيجة من كل هذا ، مواصلة الاقتتال والدمار والبحث عن سبل تنزيل خريطة الشرق الأوسط الكبير ، وظهور دويلات جديدة كانت شعوبها أصلا منبوذة تنتظر الخلاص من الغطرسة ، واستبداد القوميين العرب و الوهابين ...، وكانت نقطة تحول هامة قريبا للغاية من تعدد للقوميات أخرى و ظهر السوماريون ، والأشوريون واليزيديون والأكراد والامازيغ... ، وغيرهم من الشعوب التي تم إبادتها وذهبت ضحية الفكر القومي والسلفي الذي يقول أن هذا الجنس أصل البشرية والحضارة بأسرها . و كان نظام الدولة والخلافة في ممارساته ، قريبا من الفاشية ، اعتبار لكون وهو التمثال الذي أراد له الغرب أن يكون برعايته ، ونجحت الولاياتالمتحدة في البقاء يعيدا عن ساحة الحرب في سوريا ، حيث يتم التخلص من نظام الأسد تدريجيا ، يجسد آخر بقايا القومية العربية ، وتوافقت هذه الشروط على ومواليه من عساكر النظام الجزائري ، الذي احتضن عائلات القذافي بالجزائر الذي تبنى مبادئ القومية العربية هو الآخر ، ودون أن نستثني السيسي بقايا ضباط الأحرار من القوميين الذي يحتفظ بقذاف الدم في بلده الهارب من عدالة الليبيون ، وفي جوهر هده السياسية استمرارا لسياسة معادية لشعوب شمال إفريقيا ، تحاول من جهتها الولاياتالمتحدةالأمريكية التقرب إلى دول عجمية مثل الفرس والأكراد ...، لوقف اعادة تكرار الاستبداد العروبي القومي والسلفي ، الذي استهدف أمريكا أولا ، وهي الحقيقة التي احدث قدرا من الأضرار بالمزاعم الإيديولوجية للعروبة ، لذلك منيت بالفشل ، وهي من العوامل التي أسهمت في البحث عن وصاية جديدة في تقسيم المجال الشاسع لمايسمى بالوطن العربي ، عن طريق إلغاء حدود اتفاقية سايس بيكو بمبادرة من القوى الأوربية 1916 التي أزال تنظيم داعش أنصابها كعلامة لتجزئ مستقبلا يراعى فيه المضطهدون من أنظمة العروبة . في شمال إفريقيا ، لازال تنظيم "داعش" يخلق " الفوضى البناءة " التي نظر إليها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن ، بالرغم أن هذا التنظيم لم يتكيف فيها مع الحسابات الطائفية بين الشيعة والسنة كما يحدث في سوريا واليمن ..، في حين ظل الصراع" وهابي داعيشي" ، ونظرا لكون خصوصية شمال إفريقيا تستحضر التاريخ والجغرافيا، فان ثمة غالبية الساكنة من أمازيغ الأصليون والمعربون منهم ، كانوا عرضة للاستغلال الديني مقابل الاقتتال ، ولان الرئيس بارك أوباما مؤخرا ، في خطاب له ، يعطي حلولا للقضاء على تنظيم " داعش "، على حين أن رؤيته لمعالجة الظاهر تبدأ على حد قوله بالمقارعة الفكرية والمذهبية ، و دماء غرداية بالجزائر ربما قد وجدت على مضض العروبين ، وتشكل بداية لظهور مذهب طالما ارتبط بشمال إفريقيا عبر قرون مضت ، ويعتبر ضمن المذاهب الأكثر دمقرطة في تاريخ الإسلام ، اقتدى به الامازيغ في شمال إفريقيا نظرا لاعتداله الصرف ،ويذكر سعد رستم عن تواجده بالغرب الإسلامي أنه: «..بالنسبة للتواجد الإباضي في دول المغرب العربي شمال إفريقيا، فيعود إلى أن الإباضية أرسلوا- منذ بدايات أمرهم- دعاة إلى المغرب لنشر الدعوة بين مشايخ الإباضية في القرن الهجري الثاني-، فنجح بعد عشرين سنة في تكوين جماعة معتبرة من الإباضيين في طرابلس الغرب، يتزعمها رجل يدعى عبد الله بن مسعود التجيبي، الذي آزرته قبيلة هوارة التي اعتنقت المذهب الإباضي، ثم تبعتها قبيلة زناتة في شرق طرابلس، ونفوسة في الجبل- ويحمل إلى اليوم اسم جبل نفُّوسة- وبفضل القبائل الامازيغيةانتشر المذهب الإباضي في شمال إفريقيا، ولا يزال يوجد إلى اليوم في قبائل تسكن الصحراء في جنوب ليبيا والجزائر- بني ميزاب في تيهرت- ويسمون بإباضية المغرب» [الفرق والمذاهب الإسلامية- ص: 208]. ويضيف أيضا:«لا يزال أتباع هذه الفرقة يعيشون إلى يومنا هذا في سلطنة عمان، ويشكلون أغلبية المسلمين فيها، وهي-بالمناسبة- الدولة المسلمة الوحيدة التي يشكلون الأغلبية فيها، كما أنهم يوجدون في مناطق جزر القمر ، وجزيرة بات ، ومن شمال إفريقيا مثل جبل نفوسة جنوب ليبيا، وجزيرة جربة جنوبتونس، وفي ورقلة ومزاب من بلاد الجزائر، وأقلية في تنزانيا وبوروندي ورواندا في شرق إفريقيا. والإباضية اليوم ، وان فقدت أرواحها في غرداية اليوم ، فإنها تعد خصوصية في شمال إفريقيا ، مشابه لمصطلح ( الإستثنائية الأمريكية) – وهو مصطلح استخدم في أمريكا للتعبير عن إختلاف الأمة الأمريكية عن غيرها من الأمم، وتجدر الإشارة، أن الخصوصية، أصبحت عبارة مستهلكة في الشرق الأوسط ككل، وقد، تتعدى الإباضية حيزها المعتاد في شمال إفريقيا ، وربما ستساهم في رسم السياسة الخارجية المستقلة لبلدان شمال إفريقيا ،ونأخذ على سبيل المثال، علاقة سلطنة عمان مركز هذا المذهب بدول مجلس التعاون الخليجي، وكيف أنها قاومت باستمرار أن لا تتحول دول الخليج الست إلى عصبة سياسية واقتصادية، تقودها المملكة العربية السعودية. كما أنها نأت بنفسها عن المغامرات الحربية – بغض النظر للدعوة التي قدمتها في يوم ما بتشكيل جيش خليجي موحد – فسلطنة عمان لم تشارك بجيشها في قمع احتجاجات البحرين عام 2011، كما أنها لم تشارك في الضربات الجوية على سوريا واليمن . مؤخراً قامت عمان بتوثيق علاقتها مع إيران، وهي الدولة التي استعان بها السلطان قابوس في منتصف السبعينات من القرن المنصرم للقضاء على التمرد الشيوعي في جنوبعمان، والسلطان اليوم يعزم ايضاً على الاستعانه بإيران، وتحديدا الاستعانة بالغاز الإيراني، فهل أدرك النظام المغربي أهمية المذهب الأمازيغي الإباضي في دول محسوبة على الاتحاد الإفريقي، كأقلية في تنزانيا وبوروندي ورواندا في شرق إفريقيا؟ ، مادام أن مشاريع القوميين العرب في الصحراء الكبرى ، يراعيها النظام العسكري الجزائري ، الذي يحتل مساحة تشكل خمس مرات مساحة فرنسا بثرواتها الطائلة ، في استغلال لامازيغ شمال أفريقيا وعلى رأسهم ساكنة تاهرت ،فهل الذين سُفكت دماؤهم بغير حق في غرداية ، زادوا شمال إفريقيا التحامًا؟