أثارت عمليات تطويف بعض المشتبه فيهم بارتكاب جرائم من طرف رجال الأمن في المغرب جملة من الانتقادات من طرف المنظمات الحقوقية، حيث أقدمت فرقة بحي شعبي بالرباط العاصمة مؤخرا على تطويف منحرف قاصر كان يرهب السكان وخاصة النساء والفتيات وممارسة أعمال السلب تحت التهديد بالسلاح الأبيض. حيث شوهد هذا المنحرف، حافي الرجلين وعاري الجسد إلا من لباسه الداخلي، يمسك به عناصر من فرقة أمنية، يطوفون به في أحياء بالرباط قبل تسليمه تحت وابل من الضرب والركل إلى مقر الأمن لإنجاز محضر قانوني له، ومن ثم تقديمه للقضاء لمحاكمته بتهم النهب والسلب، كما شهدت مدينة تمارة وتحديدَا بحي المسيرة 2 عملية تطويف مماثلة لمشتبه فيه. كما جرى العمل بعملية تطويف المتهمين منذ سنوات خلت بمدينة فاس بعد أن عرفت تناسلا ملفتا للجرائم والاعتداءات الجسدية على السكان حيث اهتدى المسؤولون الأمنيون آنذاك إلى نهج أسلوب تطويف المتهمين في الأحياء لردع المجرمين وكذا بث الطمأنينة في نفوس السكان. ويعود تدبير تطويف المجرمين بالساحات والأزقة إلى مغرب القرون الوسطى، حيث كان الاعتقاد السائد أن تطويف المجرمين بين أزقة وشوارع وساحات المدن المغربية آنذاك، وهو محمول على دابة يتقدمها ممثلو السلطات كفيل بتحقيق الردع للمجرم، وكذا بالنسبة لعموم المواطنين لتخوفهم من مواجهة نفس مصير المجرم، غير إن تطور الترسانة القانونية بالمغرب أفضى إلى منع هذا التدبير إلى إن سجلت حالات طارئة لتطويف المجرمين بمدينة فاس سنة 2009 بعد تناسل العديد من الحوادث الإجرامية والتي طرأ بشأنها نقاش واسع وسيل من الإنتقادات من طرف المنظمات الحقوقية. ويرى محمد أحداف، الخبير في علم الإجرام، أنه من غير المقبول من الناحية القانونية تطويف المشتبه فيهم بارتكاب جريمة، لأن القانون الجنائي لا يسمح بهذا التدبير، فمن غير المقبول قيام الضابطة القضائية بمثل هذه التدبير سواء أكان ذلك من الناحية القانونية أم حتى الأخلاقية. ويقول أحداف في حديثه ل "إيلاف"، مشيرًا إلى أنه يتعين على الوكلاء العامين للملك، وكذا وكلاء الملك إعطاء تعليمات للضابطة القضائية بتفادي القيام بمثل هذه الإجراءات لتعارضها مع مجمل الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في القانون الجنائي، علما أن الدستور المغربي الجديد يحمي خصوصية المتهم بالإضافة إلى المادة الأولى من القانون الجنائي التي تنص على قرينة براءة المتهم هي الأصل، بالإضافة إلى الضمانات والحقوق التي كرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية لسنة 1966 والذي ينص على أن المتهم بريء إلى أن تثبت ادانته. وبالنظر كذلك لما يخلفه تطويف المتهم قبل إدانته من طرف القضاء من أضرار نفسية ومعنوية التي ومن الصعب إصلاحها مستقبلا، ولو قرر لصالحه التعويض، دعا أحداف أيضا إلى تفادي إجبار المتهم على إعادة تمثيل الجريمة في مسرح الجريمة لأنه يتعارض في عمقه مع قرينة براءة المتهم هي الأصل إلى أن تثبت إدانته، ورغم كون تطويف المجرمين يشكل نوعًا من الردع فإنه من الضروري – حسب أحداف – فتح نقاش حقوقي وقانوني وإعلامي بخصوصه وحول جدواه ومدى تقبله أخلاقياً واجتماعياً من طرف عموم المواطنين. علما أن النظام الجنائي الأميركي الذي يعتبر من ضمن الأنظمة الجنائية المتقدمة في العالم يجبر هو الآخر المساجين على تنظيف الشوارع العامة وتشذيب الحدائق العامة وهم يرتدون اللباس البرتقالي الذي يميز السجناء وهذا العمل – وفق رأي أحداف - هو نوع من تطويف المجرم، لأن المقصود بتطويف المجرم هو عرضه على أنظار الرأي العام لإدانته على الأقل معنويا وأخلاقيا، لأن هناك أبحاث علمية أكدت أن المتهم يخشى أعين الناس أكثر من ما يخشى عقوبة السجن. ويتفق علي عمار، المحامي والناشط الحقوقي مع رأي أحداف في كون تطويف المتهم فيه حط من كرامته، بل أنه اعتبره نوعا من التشهير ويمثل خرقا لمبدأ براءة المتهم هي الأصل وأن المتهم بريء إلى إن تثبت إدانته من طرف القضاء، ناهيك عن كون التطويف فيه عقوبة إضافية لم ينص عليها القانون، ولذلك فهي تشكل تطاولا على اختصاص المشرع من طرف رجال الضابطة القضائية – وفق رأي عمار- كما أنها تشكل نوعا من الإنتقام من المتهم في الوقت الذي ينص فيه القانون أن الهدف من العقوبة هو تهذيب وإعادة تلطيف سلوك الفرد المنحرف عن سلوك الجماعة، و لهذا الغرض أوجدت السجون. وأشار عمار في حديثه ل "إيلاف" أن تطويف المتهم له تداعيات خطيرة عليه، وعلى أسرته ومحيطه، وهو ما يشكل عقوبة جماعية لكافة أفراد أسرته، وهو ما قد يدفعهم إلى الهجرة قسرا، لا لشيء سوى أن الأب تم التشهير به بتلك الطريقة والحال – يقول عمار – أن العقوبة شخصية ويقضيها الشخص في الأماكن المخصصة قانونا للعقوبة. ويستنكر سعيد الشرامطي، رئيس جمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان هو الآخر، أسلوب التطويف حيث وصفه بالعمل الإجرامي والعمل التحكمي الشنيع الذي يمنعه القانون والذي يتعارض مع دولة المؤسسات، وتطاولا على سلطة القضاء كما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وشططا في استعمال السلطة من طرف رجال الضابطة القضائية، وهو ما يفرض على النيابة العامة فتح التحقيق في كل النوازل من هذا النوع. ويتعذر أن تعترف السلطات الأمنية بإقدامها على اتخاذ تدابير تطويف المجرمين، فهي عادة ما تصرح أنها كانت تقود المتهم إلى مسرح الجريمة من أجل إعادة التمثيل للواقعة، كمحاولة للبحث عن وسائل الإثبات التي ظل يخفيها المتهم بعين المكان. ويرى مراقبون أنه بسبب كون تطويف المتهم غير قانوني فقد يترتب عنه متابعة رجال الضابطة القضائية قانونيا بتهمة التشهير بالمواطن وتعذيبه، في حين يرى مصدر أمني أنه عادة ما يقع الخلط ما بين تدبير إعادة تمثيل الجريمة، وبين التطويف ولهذا السبب سيلاحظ المتابعون أن هذا الإشكال عادة ما يطرح في المدن القديمة مثل فاس، ومكناس، الرباط، وطنجة والمعروفة بأزقتها الضيقة والتي لا تسمح بمرور سيارات رجال الضابطة القضائية الأمر الذي يحتم على رجال الأمن اقتياد المتهم وسط الأزقة والأسواق حيث يوجد العشرات من المواطنين والتجار من أجل معرفة مكان ارتكاب الجريمة ومكان إخفاء المسروقات، وما إلى ذلك وهو ما يجعل العملية أشبه بالتطويف وهنا يقع الخلط. لكن الطرح السابق لا يتفق معه المحامي علي عمار، فالضابطة القضائية لها من الوسائل التي تجعلها تحافظ على كرامة المتهم أثناء إلقاء القبض عليه ونقله في سرية تامة دون التشهير به ولذلك – يضيف: "فوسائل الإعلام في الدول الغربية لابد أن تأخذ رأي وموافقة المشتبه فيه قبل الكشف عن هويته وصورته أمام الملأ وإذا نقلت صورته، وشهر به يعتبر ذلك مسا بخصوصيته وكرامته، والحال أننا نجد ما يوازي هذا التشهير وهو التطويف"، عمار أشار أيضا إلى أن رجال الشرطة القضائية لا يدركون معنى ضرورة احترام خصوصية المتهم، وهو الأمر الذي يرجعه إلى ضعف تكوينهم في مجال حقوق الإنسان من طرف المعاهد المختصة. مقابل ذلك لم يجد بعض المواطنين أدنى حرج في التصريح ل "إيلاف" أن المجرمين يستحقون عقوبات أقسى من التطويف حتى يكونوا عبرة لباقي المجرمين، بينما ذهب قسم آخر إلى التشديد على ضرورة معالجة الأسباب المؤدية إلى ارتكاب الجريمة من فقر وبطالة وتفشي المخدرات.